أشعلت الصواريخ التي أُطلقت من لبنان نحو بلدات الشمال في إسرائيل، نقاشاً وخلافات داخلية، حول تصرفات القيادة تجاه القصف والصمت الذي ساد الثلاثي، رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير الأمن بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، الذين سارعوا إلى الإعلان عن عقد جلسة مشاورات طارئة، عند الثانية عشرة ظهراً، لبحث سبل التعامل مع لبنان، لكن أحداً منهم لم يخرج، كما في مثل هذه الحالات في السابق، بتصريحات رسمية إلى وسائل الإعلام، ليعلن كيف ستتصرف إسرائيل.
واكتفت القيادة بتصريحات من المتحدث باسم الجيش، ران كوخاف، الذي لم يستطع أن يخفف من روع الإسرائيليين، خصوصاً سكان كريات شمونة والمناطق القريبة من مزارع شبعا. واكتفى بالقول، إن "حزب الله عمد إلى إطلاق الصواريخ في مناطق مفتوحة لعدم رغبته في إشعال حرب، لأن سقوط إسرائيلي واحد يعني تصعيداً نحو الحرب". وأرفق تصريحه بتهديد أن إسرائيل تبحث في استئناف القصف.
اتهامات للثلاثي المسؤول
وأثارت هذه التصريحات نقاشاً وانتقادات وصلت إلى حد اتهام الثلاثي "بينيت، وغانتس وكوخافي" بأنهم غير قادرين على القيادة. وقال البعض في إسرائيل ممن اعتبروا أن القصف يُعد تفوقاً لـ"حزب الله"، إن "دولة تعتبر نفسها قوية لا تبعث بمتحدث باسم الجيش للحديث في أعقاب وضع كان يشير إلى أن البلد مقبل على حرب".
وبعد عدة ساعات من صمت القيادة تم التنسيق بين غانتس وقناة "12" لإجراء مقابلة للحديث حول الوضع. وأكد غانتس في حديثه، أن إسرائيل تريد هدوءاً أمنياً مع لبنان، لكنه في الوقت نفسه هدد بخطوات من شأنها "ضعضعة وضع لبنان، أكثر مما هو عليه الآن". وأضاف "قمنا بالرد على إطلاق الصواريخ باتجاه الشمال، ولا نعتزم السماح لحزب الله باللعب معنا وهو يعلم ذلك. وننصح حزب الله والجيش اللبناني والحكومة اللبنانية، بعدم شد الحبل مع دولة إسرائيل. ولا مصلحة لنا داخل لبنان، باستثناء الهدوء الأمني".
واتصل غانتس بنظيره الأميركي لويد أوستن، دعاه إلى أن تضغط الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على لبنان لوقف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، لما يحمله ذلك من خطر اندلاع حرب ثالثة بين البلدين.
حديث غانتس جاء غداة تهديده بالقضاء على البنى التحتية في لبنان، وتأكيده على قدرة الجيش الإسرائيلي على خوض حرب مع إيران. لكن تلك تصريحات تعرضت أيضاً لانتقادات، بعد أن تحدثت جهات عدة ضالعة في الوضع الداخلي للجيش الإسرائيلي، بأنه غير قادر في هذه الفترة، على خوض حرب سواء مع "حزب الله" أو إيران.
تغيير قواعد اللعب
من جهة أخرى، شكل سقوط 19 صاروخاً من قبل "حزب الله" على إسرائيل، قفزة نوعية في الوضع الأمني في المنطقة، وفي السياسة الإسرائيلية تجاه لبنان. فحتى انعقاد الاجتماع الثلاثي لبحث الوضع وسبل التعامل معه، اعتبر الإسرائيليون أن التوتر آخذ بالتصعيد. وفي حين دعا البعض إلى رد إسرائيلي أقسى، نصحت شخصيات أمنية وعسكرية سابقة، بخطوات إسرائيلية لتهدئة الوضع، إذ سيؤدي أي تصعيد إلى مواجهات تتسع إلى حرب على أكثر من جبهة، تفوّق إسرائيل فيها غير مضمون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أعقاب إطلاق الصواريخ والرد الإسرائيلي، تحدث الإسرائيليون عن نقلة نوعية في الرد على إطلاق الصواريخ، لتكون بداية تغيير قواعد اللعب بين إسرائيل و"حزب الله"، التي أشار إليها غانتس وقبله بينيت، بأن إسرائيل لن تقبل بإطلاق مزيد من الصواريخ عليها، وبأنها لن تكرر تعاملها مع حالات مستقبلية كما حصل في المرات السابقة حين تعرضت بلدات الشمال لصواريخ "حزب الله".
وتحدث البعض عن إبقاء الحالة مفتوحة مع لبنان، كما هو الوضع في سوريا، أي إن سلاح الجو سيستهدف مناطق لبنانية في كل وقت يشعر أن الوضع يهدد أمن الإسرائيليين.
وفي وقت حمل غانتس والقيادة الإسرائيلية الحكومة والجيش اللبناني المسؤولية، وجه قادة تهديداتهم باتجاه التنظيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، ليعلن مسؤول عسكري أن "إسرائيل لن تسمح بتموضع هذه التنظيمات في تلك المناطق وتهديد أمن حدودها بين فينة وأخرى"، مشيراً إلى أنه سيكون لإسرائيل ما أسماه "حق القصف واستهداف تنظيمات ومراكز تسلح"، تهدد بحسب الاستخبارات الإسرائيلية أمن تل أبيب.
كذلك، اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يدلين، أن "الرد الإسرائيلي الآن، يجب أن يكون بتهديد حزب الله بأن هناك الكثير ليخسره، وفي الوقت نفسه أن تعمل إسرائيل على تجديد الردع في جنوب لبنان".
دعوات إلى التأكد
وعلى الرغم من تحمل "حزب الله" مسؤولية إطلاق الصواريخ، إلا أن جهات أمنية دعت شعبة الاستخبارات العسكرية إلى عمل ما لم تفعله من قبل، والتأكد ما إذا كان الحزب يقف بالفعل خلف إطلاق الصواريخ، أم أنها تنظيمات فلسطينية بدأت بالانتشار في جنوب لبنان، وتستغل الوضع الذي يعيشه ذلك البلد للتمركز في المناطق الحدودية لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وكل هذا بدعم من "حزب الله".
من جهته، قال مسؤول أمني إن "إسرائيل تتصرف بما يمنع تدهور الوضع إلى تصعيد خطير يصل إلى حد اندلاع حرب ثالثة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه "طالما لم تسقط أرواح إسرائيلية جراء الصواريخ فإن الرد الإسرائيلي سيقتصر على القصف على مصادر النيران، أو مواقع تمركز التنظيمات التي تخطط لإطلاق هذه الصواريخ، إن كانت فلسطينية أو تابعة لحزب الله".