يتفق مراقبون على أن اعتراض عدد من أهالي بلدة شويا في جنوب لبنان الراجمة التي أطلقت الصواريخ في اتجاه إسرائيل، تقدمت على المناوشات العسكرية بين "حزب الله" وإسرائيل. ففي وقت تلاشت تدريجاً احتمالات حصول مواجهة مفتوحة على الحدود، كادت تداعيات اشتباك أهالي البلدة مع عناصر الحزب الذين استخدموا بلدتهم منصة لإطلاق وابل من الصواريخ، تنفجر مواجهة طائفية مفتوحة بين أبناء طائفة الموحدين الدروز والطائفة الشيعة.
ولم تكد تنتهي إشكالية بلدة شويا، حتى بادرت مجموعة من العناصر المقربة من الحزب إلى الانتقام من "مشايخ" دروز ومنعهم من بيع منتجاتهم الزراعية في مدينة صيدا. ما استفز شباناً من الطائفة الدرزية، فأوقفوا حافلات تنقل ركاباً من بيروت إلى البقاع. الأمر الذي أثار مخاوف انفجار صراع مذهبي يأخذ البلاد إلى مواجهة داخلية خطيرة.
وفق مصدر ميداني في بلدة شويا، فإن "أبناء البلدة رصدوا في الأيام الماضية عبور أكثر من مرة آليات عسكرية غير رسمية في بلدتهم تقوم بإطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل"، مؤكداً أن الأهالي كانوا على يقين من أن تلك الآليات تابعة لـ"حزب الله" الذي كان يحجم عن تبني مسؤولية إطلاق الصواريخ للإيحاء بأن فصائل فلسطينية غير معروفة تقوم بذلك. ويضف المصدر، "ربما لو لم يعترض أبناء البلدة راجمة الصواريخ وتوقيف عناصر الحزب لما كان تبنى العملية وأصدر بياناً في هذا الإطار".
ويعتقد المصدر أن الرسالة التي على "حزب الله" إدراكها والتمعن في قراءتها، هي التغيير الجذري في صورة الحزب لدى الرأي العام اللبناني. ويقول "في عام 2006 كانت النظرة العامة للحزب أنه يدافع عن لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، وبالتالي حظي حينها بدعم شعبي من جميع المكونات الوطنية، في حين أن اليوم بات الحزب بالنسبة إلى كثيرين من اللبنانيين فصيلاً تابعاً للحرس الثوري يضع نفسه تحت تصرف المصلحة الإيرانية".
ويشير المصدر إلى أن الرسالة التي وصلت إلى "حزب الله" في بيئة الموحدين الدروز سبق أن وصلته في البيئة السنية، إذ كانت المواجهة مع العشائر العربية في خلدة جنوب بيروت دليلاً على ذلك، إضافة إلى الاشتباك الذي حصل في البيئة المسيحية بين القوات اللبنانية وعناصر الحزب الشيوعي بالنيابة عن "حزب الله"، مشدداً على أن "حزب الله" في أسبوع واحد اختبر ثلاثة أنواع من التوترات المذهبية التي تؤكد نفور مكونات لبنانية من سعيه إلى الهيمنة على الدولة.
مفاوضات فيينا
ويعتقد العميد خليل الحلو أنه "من الناحية العسكرية لا يعكس "إطلاق الصواريخ في اتجاه أراض مفتوحة سوى توتير للأجواء"، معتبراً أن "ما يحدث في لبنان غير مُنفصل عن التصعيد في المنطقة، من جانب إيران وأذرعها في اليمن وسوريا والعراق".
ويضيف الحلو أن "غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية للمرة الأولى منذ عام 2006 لا يشكل رسالة لفصائل إيران فحسب، إنما هي رسالة مباشرة إلى الحكومة اللبنانية أيضاً. ما يضع الأمور على حافة الهاوية وإمكانية الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة باتت واردة في أي لحظة".
ويعتبر أن "الدول الإقليمية لا تسعى للانزلاق إلى حرب شاملة، في وقت لا تزال فيه المفاوضات الدولية مع إيران معلقة مرحلياً إلى حين تشكيل إدارة الرئيس الإيراني المنتخب حكومته". ويلفت إلى أنه "في مرحلة انتظار مصير المفاوضات، يسعى كل طرف إلى إثبات قدراته"، مستبعداً "انزلاق المناوشات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية إلى حرب شاملة في هذه المرحلة، لا سيما أن الأطراف كها تتوجس من حصول حرب هامش تقدير الأخطاء فيها كبير". ويشدد على أن "حزب الله ورقة رابحة بالنسبة إلى طهران، ولن تفرط فيها في أي مواجهة إقليمية غير واضحة النتائج".
"مقاومة" مرفوضة
ويربط العميد ناجي ملاعب بين انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 وتدهور الوضع الأمني على الحدود الإسرائيلية، قائلاً إنه "لو تبين أن الانفجار كان ناجماً عن استهداف إسرائيلي، فهذا يعني أن تل أبيب كانت تعد حينها لعملية عسكرية كبيرة تراجعت عنها نتيجة هول الانفجار، وبالتالي فهي تستكمل بعد عام ما بدأته في 4 أغسطس 2020، لا سيما أن الانقسامات الداخلية تضع حزب الله وحلفاءه في السلطة في مواجهة مع مجموعات كبيرة من اللبنانيين. ما قد تعتبره إسرائيل ظرفاً مناسباً لضرب البنية التحتية للحزب وإيجاد واقع ضاغط يستجلب قرارات بتدويل لبنان، إضافة إلى إمكانية إجهاض محادثات فيينا التي اقتربت من الفشل بعد استهداف إيران السفينة الإسرائيلية في بحر عُمان".
نفي إسرائيلي
ولكن حينها نفى وزير الخارجية الإسرائيلي "جابي أشكنازي" علاقة بلاده بالانفجار، وقال أشكنازي، للقناة الـ12 الإسرائيلية، إنه لا يرى "سبباً لعدم تصديق التقارير الصادرة من بيروت حول أن الانفجار كان حادثاً".
كما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر أمني قوله إن "إسرائيل تنفي أي ضلوع لها في انفجار بيروت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير ملاعب إلى أنه "قبل التصعيد الأخير، كانت تقارير فرنسية تحدثت عن طلب من الحكومة الفرنسية لوزير الدفاع الإسرائيلي في زيارته باريس عدم الإقدام على أي عمل يزيد من تعقيد الأوضاع السيئة في لبنان، ما يوحي بأن هناك استعداداً إسرائيلياً لضربة عسكرية".
ويلاحظ أن "مصلحة إيران عبر ذراعها في لبنان قد تتلاقى مع مصلحة إسرائيل في هدفين هما توتير الساحة الداخلية كما حصل في قضاء حاصبيا وامتد إلى مناطق أخرى والقضاء على ما تبقى من هيبة الدولة بعد الإفراج عن مطلقي الصواريخ وتسليمهم إلى الحزب، وعدم انعقاد مجلس الدفاع الأعلى وكأن الأمر خارج عن إرادة السلطة الرسمية".
وفي تعليقه على اعتراض أهالي بلدة شويا راجمة الصواريخ التابعة لـ"حزب الله"، يقول ملاعب إن "المقاومة التي يرفض الأهالي صواريخها لم تعد مقاومة بل أداة محلية لقرار خارجي"، مشيراً إلى أن "هذه الحادثة أثبتت أن قسماً من الشعب اللبناني لم يعد يعترف بالدور المقاوم للحزب بل بات يعتبره فصيلاً إيرانياً يقوض استقرار المنطقة".
الرعب الدائم
في المقابل، يعتبر المستشار في العلاقات الدولية الدكتور قاسم حدرج، أن "هناك حملة إعلامية منظمة ضد حزب الله لاتهامه بتفجير مرفأ بيروت، لا سيما أن شعارات إحياء الذكرى السنوية الأولى هي نقطة انطلاق لمواجهة سياسية مفتوحة مع الحزب كانت حادثة خلدة مع العشائر العربية تمهيداً لها".
ويشير حدرج إلى أن "الصواريخ المجهولة الهوية التي أُطلقت في الأيام الماضية مشبوهة، قد يكون هدفها توريط حزب الله". ويقول "تبع إطلاق الصواريخ رد إسرائيلي غير مؤثر لم تعره المقاومة أهمية، لأنه ما زال ضمن قواعد الاشتباك وأتى في إطار رد فعل على فعل من الجانب اللبناني، وهذا ما فتح شهية إسرائيل التي استندت إلى تقارير عملاء لها في الداخل من أن حزب الله مكبل اليدين ولن يجرؤ على الرد، ما دفع إسرائيل إلى شن غارة بالطائرات الحربية خارقة بذلك القرار الدولي 1701، وإن كانت استهدفت مساحات حرجية مفتوحة غير آهلة بالسكان ولم توقع ضحايا، لوضع حزب الله بين خيارين، أولاً عدم الرد، وعندها تسارع الغرف الإعلامية إلى التشكك في جدوى سلاح حزب الله وقدراته على ردع العدوان، والقول إن الحزب تحول إلى حرس حدود لكون لا مصلحة إيرانية في توتير الأوضاع مع إسرائيل في هذا التوقيت؛ وثانياً، الرد ولو بشكل متناسب مع العدوان، وهو ما حصل بعد أن قررت قيادة حزب الله عدم السماح لإسرائيل بكسر قواعد الاشتباك وإحداث خلل في منظومة الردع المتوازن، وإن كانت قيادة حزب الله تعلم أن الغرف الإعلامية نفسها ستقلب الموجة لاتهام الحزب بأنه يلعب في أمن اللبنانيين ويخوض مغامرة عسكرية لمصلحة إيران، والقول إنه يصادر قرار السلم والحرب".
ويعتبر أن "حزب الله قد يتهاون في الملفات الداخلية مهما بلغت نسبة الجور عليه، إلا أنه لا يتساهل بأي حدث له علاقة بصراعه المفتوح مع إسرائيل مهما بلغت الأثمان"، مؤكداً أن "الرسالة وصلت بوضوح إلى تل أبيب وكل الذين يراهنون على القوة العسكرية الإسرائيلية لتكون أداة الحسم في إزاحة العقبة الرئيسة في طريق إدخال لبنان عصر التطبيع".
ويرى حدرج أن "حزب الله خرج من الأفخاخ أكثر ثقة بقدراته، وأن المعاناة الاقتصادية لن تؤثر على زعزعة الثقة بمن رسخ معادلات عسكرية جديدة مع إسرائيل، وسينتقل من معادلة الردع المتوازن إلى معادلة الرعب الدائم".