كشفت دراسة بحثية حديثة أن المخاطر والتداعيات التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي تتطلب بالفعل احتياجات تمويلية ضخمة لتعزيز معدلات النمو الاقتصادي، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجه الدول الهشة والصراع.
وأشارت الدراسة التي أعدها المحللون في صندوق النقد الدولي، أولوسيغون أكانبي، وكينجي مورياما، وكيرا بريموس، إلى "أن هناك مجموعة من حوالى 40 دولة محاصرة حالياً في دورات من القدرات الإدارية المنخفضة وعدم الاستقرار السياسي والصراع وضعف الأداء الاقتصادي".
وفيما قدر صندوق النقد الدولي حجم الفجوة التمويلية التي تواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي بنحو 4.2 تريليون دولار، لكن تقريراً حديثاً لغرفة التجارة الدولية، قال "إن العالم يحتاج بين 1.9 و5 تريليونات دولار تمويلات إضافية للعودة إلى مستويات فجوة 2019 البالغة نحو 1.5 تريليون دولار، ما يعني الحاجة إلى ما بين 3.4 و6.5 تريليون دولار لتلبية أهداف التنمية المستدامة وتجاوز فجوات التمويل ودعم خطط تعافي الاقتصاد العالمي".
وقال بنك "ستاندرد تشارترد"، "إن الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات الناشئة تعد المتضرر الأكبر من فجوة التجارة". ووفق بيانات بنك التنمية الآسيوي، "فإن أكثر من 40 في المئة من طلبات تمويل التجارة التي قدمتها شركات صغيرة أو متوسطة قوبلت بالرفض".
ارتفاع كبير في مخزونات الديون العالمية الراكدة
وفيما تواصل الديون العالمية تسجيل مستويات وأرقام قياسية، كشف تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، ارتفاع قيمة مخزونات الديون العالمية ذات العوائد السلبية إلى أكثر من 16.5 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى في ستة أشهر، حيث أدت عمليات انتعاش السندات العالمية إلى خفض تكاليف الاقتراض إلى ما دون الصفر.
وانخفضت عائدات السندات الحكومية في الأسابيع الأخيرة مع زيادة زخم التداول، حيث أعمى هذا الزخم العديد من المستثمرين عن التعافي الاقتصادي من الوباء، فضلاً عن ارتفاع التضخم الذي قد يرفع تكاليف الاقتراض طويل الأجل. ومع رفع التجار لرهاناتهم الهبوطية، جاءت بعض أكبر التحركات في سوق الخزانة الأميركية، لكن استفادت أيضاً السندات اليابانية وسندات منطقة اليورو (وهما حصنان رئيسيان للديون ذات العائد السلبي).
وانخفض عائد السندات اليابانية لأجل 10 سنوات إلى ما دون الصفر للمرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول). وفي أوروبا، انخفض عائد السندات لأجل 10 سنوات في ألمانيا إلى 0.51 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ أوائل فبراير (شباط). كما كان عائد البلاد لمدة 30 عاماً أقل من الصفر. كما يتم تداول الديون الفرنسية بعوائد دون الصفر مع آجال استحقاق تصل إلى 12 عاماً، وإسبانيا تصل إلى 9 سنوات، وإيطاليا واليونان حتى 7 سنوات.
ووفقاً لمؤشر بنك "باركليز"، كانت ذروة الديون سلبية العائد في العالم أعلى بقليل من 12 تريليون دولار في منتصف مايو (أيار)، مقتربة من المستوى القياسي في ديسمبر البالغ 18 تريليون دولار.
أكبر ضخ للموارد في تاريخ صندوق النقد الدولي
وكشفت دراسة صندوق النقد الدولي، أن ضعف النمو يزيد من احتمالية الوقوع في الهشاشة، لا سيما بالنسبة للبلدان الواقعة في النطاق المتوسط لفعاليتها وقدرتها على تحصيل الضرائب وإنفاذ العقود.
وعلى الرغم من أن ضعف النمو يزيد من احتمالية الدخول في حالة هشاشة، لكن هناك تأثيراً أقل وضوحاً على احتمالية الخروج من هذه الأزمة. ولفت إلى أن أحد الآثار المترتبة على ذلك، هو أن البلدان شبه الهشة بحاجة إلى تنفيذ سياسات لمواجهة التقلبات الدورية، مثل الحوافز المالية، لمنع الانكماشات الحادة في الناتج الاقتصادي.
كما يمكن دعم السياسات المضادة للتقلبات الدورية من خلال التمويل الخارجي من الشركاء الدوليين، ولكن هناك حاجة أيضاً إلى سياسات اقتصاد كلي سليمة، مدعومة بحوكمة قوية وتدابير لمكافحة الفساد تضمن الاستخدام السليم للموارد للمساعدة في الحفاظ على اقتصاد مستقر.
وقبل أيام، وافقت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي على أكبر ضخ للموارد في تاريخ الصندوق، بقيمة 650 مليار دولار وتهدف إلى مساعدة البلدان على التعامل مع الديون المتزايدة وتداعيات جائحة كورونا. ويعد تخصيص الأصول الاحتياطية، المعروفة باسم حقوق السحب الخاصة، الأول منذ إصدار 250 مليار دولار بعد الأزمة المالية العالمية مباشرة في عام 2009.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فمن المتوقع أن يتم تخصيص الاحتياطيات لجميع أعضاء صندوق النقد الدولي البالغ عددهم 190 عضواً، بما يتناسب مع حصتهم، وسيذهب حوالى 70 في المئة إلى أكبر مجموعة من الاقتصادات العشرين، فيما سيخصص 3 في المئة للدول منخفضة الدخل.
ومن المرجح أن تذهب 58 في المئة من حقوق السحب الخاصة الجديدة إلى الاقتصادات المتقدمة، و42 في المئة للاقتصادات الناشئة والنامية. لذلك من بين 650 مليار دولار، سيذهب 21 مليار دولار إلى البلدان منخفضة الدخل و212 مليار دولار للأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أقرت مجموعة الاقتصادات السبعة المتقدمة، خطة لإعادة تخصيص 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة الجديدة للبلدان الأفقر، لكن مجموعة العشرين حددت خلال الشهر الماضي، تخصيصاً عاماً قدره 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، دون تفصيل المبلغ الذي سيُعاد إقراضه. ومن المقرر أن تكون إعادة التخصيص ضرورية لمساعدة البلدان في أفريقيا، التي لم يخصص لها سوى 33 مليار دولار لإصدار حقوق السحب الخاصة.
كيف نخرج من الأزمة؟
للمساعدة في بدء استراتيجية للخروج من هذه الأزمة، تحتاج البلدان إلى تحسين المؤسسات وتعزيز الإدماج السياسي والاجتماعي وذلك من خلال تقليل الحواجز أمام المشاركة السياسية، وتوسيع نطاق الوصول إلى النظم القانونية، وتقليل الفساد والتمييز في الوكالات الحكومية، وحماية الإنفاق الاجتماعي. وفي الواقع، فإن تحسين فعالية الحكومة يزيد من احتمالية الخروج من حالة الهشاشة.
وكشف صندوق النقد، أن البلدان التي نجحت في الخروج من حالة الهشاشة تنفق على الصحة والتعليم أكثر من تلك البلدان التي لا تهرب. وقد تشير هذه الملاحظات إلى دورة فاضلة محتملة للهروب من الهشاشة. حيث تساعد حماية الإنفاق الاجتماعي على تعزيز الإدماج السياسي والاجتماعي. وهذا بدوره يضغط على الحكومة لتعزيز فعاليتها من خلال البناء المستمر لقدرات المالية والقانونية والخدمة المدنية.
في الوقت نفسه، توفر المؤسسات الفعالة بدورها أساساً لاقتصاد قوي. على سبيل المثال، في أوغندا، كان الاستقرار السياسي المحسن هو الأساس لتمرير إصلاحات لتعزيز المؤسسات والسياسات الاقتصادية التي ساعدت في بناء المرونة وزيادة الاندماج الاجتماعي.
وذكر صندوق النقد الدولي، أنه يمكن للبلدان أن تفلت من الهشاشة من خلال اغتنام لحظة محورية حيث يمكنها أن تخرج من حالة الهشاشة، وتنفذ إصلاحات حاسمة لتقوية مؤسساتها وإطار سياساتها، وتتمتع بمزيد من المرونة الاقتصادية بعد خروجها. على سبيل المثال، بعد أن استعادت رواندا الاستقرار السياسي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ساعدت جهود الإصلاح بدعم من المجتمع الدولي في تحسين المرونة والحوكمة والمؤسسات، فضلاً عن الإدماج الاجتماعي.