هل يمكن للبشرية تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بدرجة كافية لحصر الاحتباس الحراري بدرجة مئوية ونصف درجة؟ الرد على هذا التساؤل ليس بديهياً في ظل اعتبار متخصصين أن هذا الهدف طموح للغاية، وسط ترقب لما سيصدر قريباً عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة بهذا الشأن.
ويُنتظر تقرير جديد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ الاثنين، بعد أعوام على صدور آخر تقديرات لجنة الخبراء الأممية هذه عام 2014، خصوصاً في ظل تزايد الكوارث التي تشكل دليلاً حسّياً على تبعات تغيّر المناخ. ومن الأمثلة الحديثة عن هذه التجليات: الحرائق الهائلة في اليونان وتركيا، وحرائق الغابات في سيبيريا وكاليفورنيا، والمجاعة في مدغشقر، والفيضانات الاستثنائية في ألمانيا.
وتحصل هذه الأحداث المناخية المتطرفة فيما لا يزال ارتفاع معدلات الحرارة في العالم عند مستوى 1.1 درجة مئوية "فقط" مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية.
وينص اتفاق باريس المناخي الموقع عام 2015 على ضرورة حصر الاحتباس بأقل من درجتين مئويتين، وصولاً إلى درجة مئوية ونصف درجة إذا أمكن.
وقال عالم المناخ بيتر ثورن، أحد معدّي تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ قيد المناقشة، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن هدف حصر الاحتباس بـ"1.5 درجة مئوية كان طموحاً".
لكنّ تقريراً خاصاً أصدرته الهيئة عام 2018 أظهر آثاراً أكثر خطورة للاحتباس بدرجتين مئويتين مقارنة بتلك المترتبة عن الاحتباس الحراري بدرجة مئوية ونصف درجة. و"غيّر ذلك المعادلة تماماً"، وفق ثورن.
وأشار البريطاني ألوك شارما، رئيس مؤتمر الأطراف المناخي السادس والعشرين (كوب 26) المقرر عقده في غلاسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في تصريحات أدلى بها في مارس (آذار) 2021 إلى ضرورة "التأكد من أننا نبقي هدف (حصر الاحتباس) بدرجة مئوية ونصف درجة في متناولنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والسؤال المطروح حالياً اليوم هو ما إذا كان هذا الهدف لا يزال قابلاً للتحقيق. وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ تعمل هذا الأسبوع على خمسة سيناريوهات مختلفة، من الأكثر تفاؤلاً إلى الأكثر تشاؤماً، وفق مسودة التقرير.
وفي الحالات الخمس كلها، سيصل الاحتباس العالمي إلى 1.5 أو 1.6 درجة مئوية بحدود عام 2030، أي أبكر بعقد مقارنة بالتقديرات الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية قبل ثلاثة أعوام فقط.
وبحلول عام 2050، سيتم تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بمقدار عُشر درجة في السيناريو الأكثر تفاؤلاً لخفض غازات الدفيئة، ولكن بدرجة مئوية واحدة تقريباً في أسوأ السيناريوهات.
وتبقى بارقة أمل: ففي أفضل السيناريوهات، سينخفض الاحتباس المناخي العالمي إلى 1.4 درجة مئوية بحلول عام 2100.
وينقسم المجتمع العلمي حول هدف 15 درجة مئوية. ويقول تيم لينتون من جامعة إكستر "العلماء لا يتشاطرون جميعهم الرأي ذاته".
ويحرّك نقاش جانبي هذا الجدل، يتمثل في البحث عن طريقة للتواصل مع الرأي العام من دون إغراق الناس في اليأس.
وقبل بضعة أشهر، نشرت الأكاديمية الأسترالية للعلوم ورقة بيضاء بشأن الأخطار التي يواجهها العالم في حال بلوغ الاحتباس عتبة ثلاث درجات مئوية، وقّعه علماء مناخ مشهود لهم بينهم أعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ.
وأكدت الورقة البيضاء أن "حصر الاحتباس بدرجة مئوية ونصف درجة أصبح الآن مستحيلاً عملياً"، حتى إن الحد منه ليصبح عند عتبة درجتين مئويتين سيتطلب جهوداً جبارة.
ولم تتأخر ردود الفعل في الظهور. فعلّق علماء آخرون بأنه "من الناحية العلمية، لا يزال بإمكان البشرية حصر ظاهرة الاحترار بـ1.5 درجة مئوية خلال القرن"، مشددين على الدور الحاسم للعمل السياسي على هذا الصعيد.
ويشير باحثون كثر إلى أن تغيّر المناخ يقاس على مدى فترات زمنية طويلة كما أن تجاوز درجة حرارة معينة لفترة وجيزة لا يعني تفويت الهدف.
وقال ألدن ميير الذي يتابع مفاوضات المناخ منذ أعوام، "الطريق إلى عالم يستقر فيه الاحتباس عند 1.5 درجة مئوية ضيّق وشاق للغاية"، مضيفاً "هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن الكفاح. كل عُشر درجة له تأثير".
كذلك، أكد بيتر ثورن أن "قضية 1.5 درجة مئوية حساسة، وهي هدف جيوسياسي تتبنّاه حكومات عدة"، مضيفاً "لكن ما إذا كان يمكن تحقيق هذا الهدف، فمسألة مختلفة تماماً".
وأضاف "إذا تجاوزنا (مستوى احتباس) 1.5 درجة مئوية لنصل إلى 1.7 درجة مئوية، فهذا أفضل بما لا يقاس من تجاوز 1.5 درجة مئوية ووقف التحرك والانتهاء عند احترار بدرجتين مئويتين ونصف درجة".