كشفت أرقام جديدة في المملكة المتحدة عن معاناة عشرات الآلاف من الأطفال عوارض مرض "كوفيد طويل الأمد"، في وقت تسود فيه مخاوف من أن قرار تطعيم المراهقين أتى متأخراً في التمكن من وقف تفشي الفيروس في المدارس البريطانية اعتباراً من سبتمبر (أيلول) المقبل.
في المقابل، صدرت تحذيرات بشأن المضي في رفض تطعيم جميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة. إذ يخشى خبراء من أن يكون الأطفال عرضة للعدوى وللأعراض الطويلة الأمد، لدى عودتهم إلى صفوف الدراسة الشهر المقبل، ما لم يوسع نطاق التلقيح كي يشمل تلك الفئة العمرية.
ويرى هؤلاء الخبراء أن أي أمل في تحقيق "المناعة الجماعية" من خلال اللقاح، يعتمد على تطعيم المراهقين الأصغر سناً أيضاً. ويقدر "المكتب الوطني للإحصاء"Office for National Statistics أن حوالى 34 ألف طفل في المملكة المتحدة، عانوا أعراضاً مرضية طويلة الأمد جراء الإصابة بداء كوفيد كالتعب وضيق التنفس، استمرت أربعة أسابيع على الأقل.
وكذلك توضح الدكتورة إيلين ماكسويل، المستشارة العلمية في "المعهد الوطني للبحوث الصحية" National Institute for Health Research، أن هذا التقدير يدحض الافتراض القائل بأن مرض "كوفيد الطويل الأمد" لا يحدث إلا "نادراً" لدى الأطفال، بحسب ما ورد في دراسة سابقة عن الموضوع، ونشرت خلال الأسبوع الحالي.
وفي الإجمال، بينت أحدث دراسة استطلاعية أجراها "المكتب الوطني للإحصاء"، أن حوالى أحد عشر ألف طفل تتراوح أعمارهم بين عامين و11 عاماً، و23 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 12 و16 عاماً، يعانون من تلك التبعات المرضية. وتستند الأرقام إلى معلومات جمعت من عائلات تعيش في منازل خاصة، خلال الأسابيع الأربعة التي سبقت الرابع من يوليو (تموز) الفائت، وقد استخلصت لاحقاً من خلال التقديرات المتوقعة بالنسبة إلى بقية السكان.
في غضون ذلك، انتقد علماء ما اعتبروه "تأخيراً غير مبرر" في إعطاء لقاح "فايزر" لجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً. وفي البداية، امتنعت "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين المناعي"Joint Committee on Vaccination and Immunisation في بريطانيا، عن تقديم توصية كتلك، إلا أنها عادت لتعلن، الأربعاء الماضي، أنها غيرت توجيهاتها بعد مراجعة السياسة المعتمدة في التطعيم.
وفيما اعتبرت الحكومة البريطانية "ألا وقت متوافراً لتضييعه في طرح اللقاح"، رأت الدكتورة ديبتي غورداساني عالمة الأوبئة في "جامعة كوين ماري" في لندن، أنه لن يكون ممكناً إعطاء الجرعة الأولى من اللقاح لكثير من المراهقين قبل عودتهم إلى المدارس في بريطانيا مطلع الشهر المقبل. وأضافت، "كان في وسعنا الانتهاء من تطعيم جميع المنتمين إلى هذه الفئة العمرية (16 و17 عاماً) قبل سبتمبر (أيلول)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانضم إلى الدكتورة غورداساني في انتقادها للتأخير، رئيس إحدى الكليات الطبية الرائدة في البلاد، الذي وصف طريقة طرح اللقاحات للأطفال في بريطانيا، بأنه "أمر مخز بشكل فاضح"، لافتاً إلى أن الأطباء ما زالوا "في حالة من الغموض وعدم اليقين" في ما يتعلق بالتفاصيل.
وقد تقرر تطعيم قرابة مليون و400 ألف مراهق تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، بالجرعة الأولى من لقاح "فايزر" في الأسابيع المقبلة. وكذلك يستطيع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، ويعتبرون أكثر عرضةً للإصابة بالمرض نتيجة حالتهم الصحية الضعيفة، أن يتلقوا اللقاح أيضاً.
في وجهة مغايرة، اعتبرت الدكتورة كاميلا كينغدون رئيسة "الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل" Royal College of Paediatrics and Child Health، أن التخطيط لطرح اللقاح لم يكن كافياً. وأشارت إلى أن نظام حجز اللقاحات المعتمد على المستوى الوطني في إنجلترا، ما زال لا يقبل حجوزات لأي شخص يقل عمره عن 18 عاماً. وفي هذا الإطار، أضافت "أن أعضاء كليتنا ما زالوا يتلقون باستمرار أسئلة تأتي من جانب الشباب أو ذويهم، ليست لديهم إجابات عليها، وذلك لأن الأنظمة لم تجهز أو تحدثها كي تستوعب هذه الفئة العمرية، ولم توضع فيها أيضاً المشورة المفصلة عن هذا الموضوع".
وإضافة إلى تلك العراقيل العملية، رأى البروفيسور لورانس يونغ نائب رئيس كلية الطب في "جامعة ووريك"، أنه يتوجب في نهاية المطاف إدراج جميع الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 12 عاماً، ضمن برنامج التطعيم في المملكة المتحدة، بغية تحقيق "جدار من المناعة" في وجه العدوى.
ووفق يونغ، فإن "التصريحات الصادرة عن "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين المناعي" تشير إلى أن أعضاءها كانوا يفكرون في ذلك الطرح. إذاً، ما الذي يمنعنا عن المضي قدماً في تنفيذه؟ إن عدم الإقدام على تطعيم هذه الفئة العمرية سيمثل خطأ أخلاقياً، ويسمح للفيروس بأن يتفشى بين شبابنا. كيف نقدم على ذلك؟".
وفي سياق متصل، أكدت "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين المناعي" الأربعاء الماضي، أنها ستبقي سياستها قيد المراجعة، وفي حال وجدت أن البيانات الموثقة تدعمها، فستوصي بتطعيم جميع الأطفال حتى عمر 12 عاماً. وبحسب البروفيسور جوناثان فان تام، نائب كبير الأطباء في إنجلترا، "في اعتقادي أن هناك احتمالاً أكبر بأن تتسع القائمة مع مرور الوقت وتوفر مزيداً من البيانات".
وفي المسار نفسه، أشارت اللجنة إلى أن من بين العوامل التي أخذتها في الاعتبار عند توصلها إلى قرار تحصين الأشخاص الذين تتفاوت أعمارهم ما بين 16 و17 عاماً، هي شدة المرض، وحالات الإصابة الطويلة الأمد بالفيروس في هذه الفئة العمرية.
الخميس الفائت، حذرت الرئيسة التنفيذية الجديدة في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا" NHS England من أن شخصاً من كل خمسة أشخاص يدخلون إلى المستشفى في إنجلترا بسبب فيروس كورونا، يتراوح عمره بين 18 و34 سنة، ما يساوي أربعة أضعاف المستوى الذي سجل خلال ذروة تفشي الوباء الشتاء الماضي. وإضافةً إلى ذلك، جاء حوالى 5.5 في المئة من المرضى في المستشفى من فئة الشباب اليافعين.
وفي المقابل، رأت الدكتورة إيلين ماكسويل أن التقديرات التي تشير إلى أن 34 ألف طفل يعانون من آثار "كوفيد الطويل الأمد" في المملكة المتحدة، تؤكد أن الحالة تكاد تكون "نادرة".
في المقابل، نبهت ماكسويل إلى أنه "يتعين علينا متابعة الدراسات المختلفة عن كثب، بهدف تبيان الحقائق، ومن السابق لأوانه إصدار تصريحات جريئة في ما يتعلق بانتشار مرض كورونا الطويل الأمد وتشخيصه لدى البالغين أو الأطفال".
وتشير أحدث الأبحاث التي أجراها "المكتب الوطني للإحصاء" أيضاً، إلى أن 380 ألف شخص في المملكة المتحدة عانوا "كوفيد الطويل الأمد" لمدة سنة على الأقل. وبشكل عام، يعتقد أن إجمالي 945 ألف شخص يعانون من هذه الحالة، ما يشكل تراجعاً عن تسجيل 962 ألف حالة مبلغ عنها في استطلاع الشهر الماضي.
في رؤية موازية، أشار البروفيسور يونغ إلى أن توسيع نطاق حملة اللقاحات يبقى مهماً في توفير حماية أكبر لجميع الفئات العمرية من فيروس كورونا، واحتواء انتقال العدوى. وأضاف، "يتعلق الأمر بحماية الأطفال وصحتهم، والتأكد من عدم اضطرار المدارس إلى الإغلاق أو إرسال أعداد كبيرة من التلامذة إلى منازلهم بسبب العدوى. ومن الجيد أن تكون بيانات السلامة قد أصبحت متوافرة".
وفي الموضوع نفسه، أعلنت السلطات الصحية في جمهورية إيرلندا، الخميس الفائت، أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً، يمكنهم التسجيل للحصول على اللقاح اعتباراً من الأسبوع المقبل. وقد باشرت فرنسا وكندا والولايات المتحدة أيضاً تطعيم الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 12 عاماً وما فوق.
وأخيراً، ناشدت الدكتورة غورداساني السلطات المعنية في المملكة المتحدة، أن تحذو حذو تلك الدول، في مسألة إعطاء لقاح كورونا بداية من عمر الـ 12 سنة. ووفق كلماتها، "حتى لو عملنا على تطعيم مزيد من الأطفال، فسيكون من الصعب جداً تحقيق المناعة الجماعية. إننا لا نعرف تماماً مقدار المناعة التي سنحصل عليها في ظل استمرار المتحورات في التطور. لكن من المؤكد أننا لن نحظى بأي فرصة للإفلات من براثن الأزمة إذا لم نلقح الأطفال".
© The Independent