هل سيحقق "أوبر" يوماً ربحاً؟ إنه سؤال أقر التطبيق الخاسر دائماً نفسه أنه لا يعرف الإجابة عنه، فبعدما أعلنت الشركة هذا الأسبوع خسارة بلغت نصف مليار دولار، يبدو أن أمام الرحلة الطويلة في سيارة أجرة نحو الربح الحقيقي مجال للاستمرار، والأكثر إثارة للاهتمام حول الخسائر الأخيرة لـ "أوبر" ليس حجمها بل سببها.
ففي خضم الجائحة العام الماضي، عانت شركات استدعاء سيارات الأجرة في شكل مفهوم بسبب غياب الأعمال، والآن هي تواجه مشكلة مختلفة، وهي أنها لا تستطيع العثور على ما يكفي من السائقين لمواكبة الطلب المتزايد، لا سيما في الولايات المتحدة، فمع بدء الاقتصاد الأميركي في الازدهار مجدداً تجد "أوبر" أن كثراً من السائقين الذين ضربتهم تجربة غياب العمل خلال الجائحة انتقلوا إلى قطاعات أخرى، ربما برواتب أفضل وأمان أكثر.
وتعاني "أوبر" و"ليفت" وغيرهما اجتذاب سائقين من خلال تقديم مكافآت، وهذا بدوره يعني أن الشركات تستطيع منع مواجهة العملاء "قفزة" مذهلة في الأجور التي تحتسبها خوارزمياتها حين يكون هناك عدد أقل مما يجب من السائقين المستعدين.
وفي أماكن أخرى، رفع أصحاب العمل في قطاع الضيافة الرواتب في حين يسعون إلى موظفين، وفي المملكة المتحدة أعطت شركات مثل "جون لويس" و"تيسكو" زيادات كبيرة في الأجور لسائقي المركبات الثقيلة للبضائع الذين تشهد أعدادهم نقصاً.
إذاً، هل أعطت الجائحة، وفي السياق البريطاني "بريكست"، العاملين نفوذاً للقتال من أجل صفقة أفضل؟ وإذا صح الأمر، فهل هذه ظاهرة عابرة أم تحول أكثر ديمومة في ميزان القوى بين صاحب العمل والموظف؟
حسناً، إن الأمر معقد. بالنظر إلى الصورة الأعرض لا تزال الرواتب المتوسطة في المملكة المتحدة أعلى بقليل فقط من الذروة التي بلغتها قبل الأزمة المالية عام 2008، لذلك سيكون من السابق لأوانه الإعلان عن انتصار للعمالة على رأس المال.
وتبين الأرقام الرسمية أن العوائد الأسبوعية المتوسطة بدأت في الارتفاع هذا العام، لكن مكتب الإحصاءات الوطنية أفاد أن بعضاً من هذا يعود إلى أن العاملين ذوي الرواتب المنخفضة أكثر عرضة إلى أن يكونوا قد خسروا وظائفهم خلال الجائحة.
ويشرح جورج ديب، رئيس "مركز العدالة الاقتصادية" في "معهد بحوث السياسات العامة" قائلاً، "لقد أُخرج العاملون الأقل أجراً من سوق العمل، مما رفع في شكل مصطنع الرواتب المتوسطة".
وبالطبع، تخفي المتوسطات نطاقاً عريضاً من التجارب المختلفة في مواقع وقطاعات محددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن العوامل الرئيسة لارتفاعات الأجور في أمكنة معينة سوء التطابق في المهارات والشواغر بسبب الجائحة، ومن المرجح أن يكون ذلك مؤقتاً.
مثلاً، يفيد أصحاب العمل في قطاع الضيافة بأن العثور على خريجي مدارس ثانوية وطلاب لملء وظائف أولية أو مؤقتة يكون سهلاً، لكن كثيراً من الوظائف ذات الرواتب الأعلى تبقى شاغرة مع مغادرة عاملين ماهرين القطاع إلى الأبد بعد 18 شهراً صعبة، لكن في نهاية المطاف، سيُدرب موظفون جدد.
من ناحية أخرى، تسببت الجائحة بتحول سريع في طرق عيش الناس انعكس في تغير الوظائف التي تدعو إليها الحاجة. لقد زاد سائقو التوصيل وتقنيو تكنولوجيا المعلومات، لكن المساعدين في المحال تراجعوا.
ويبدو أن زيادات الأجور كانت الأكثر دراماتيكية، إذ أدت عوامل كثيرة أدواراً لا سيما في ما يخص سائقي الشاحنات، وتفاقمت مشكلة قديمة على صعيد التنسيب تعود إلى أسباب منها الظروف الصعبة والرواتب القليلة، بخروج جماعي للسائقين الأوروبيين بسبب الجائحة و"بريكست"، مما أدى إلى زيادات كبيرة في الرواتب أقرها بعض أصحاب العمل.
وعلى نطاق أوسع أبطأ برنامج الإجازات المدفوعة عملية إلغاء الوظائف القديمة، مما دفع العاملين إلى البحث عن وظائف جديدة في القطاعات المتنامية.
وكان حوالى مليوني شخص في إجازات مدفوعة نهاية يونيو (حزيران)، ومع سحب شبكة الأمان خلال الشهرين المقبلين يتوقع خبراء دفعة لسوق العمل مع بدء الموظفين الذين أُبقوا في وظائف لا مستقبل لها البحث عن عمل من جديد، وهذا قد يوفر ضغطاً إضافياً على أصحاب العمل الذين يعانون الآن لملء الشواغر.
ولم تتوفر شبكة الأمان المتمثلة في الإجازات المدفوعة في الولايات المتحدة، حيث فضلت كل من إدارتي ترمب وبايدن التحويلات المالية المباشرة إلى المواطنين.
وتقترح الأدلة من البلدين أن زيادات الأجور في الولايات المتحدة، كتلك التي تجعل "أوبر" تخسر المال، نجمت في الأغلب عن قفزة في الطلب مع نمو الاقتصاد بفضل خطة تحفيز متينة، ففي المملكة المتحدة يبدو أن زيادات الأجور نجمت عن نقص مؤقت في بعض أنواع العمالة أكثر مما نتجت من اقتصاد مزدهر، ويمكن القول إن الموقف الأميركي مفضل ومن المرجح أن يؤدي إلى زيادات أكثر استدامة في الأجور ومستويات المعيشة.
ويقول جورج ديب من معهد بحوث السياسات العامة بأن المملكة المتحدة يجب أن تقتدي بجو بايدن، وتمضي قدماً في مزيد من الإنفاق الحكومي لتحفيز الاقتصاد، الأمر الذي تعزز قوة العاملين.
"قال جو بايدن صراحة إنه يريد أن يقدم أصحاب العمل عروضاً إلى العاملين، لا أن يقدم العاملون عروضاً في شأن الوظائف، وهذا ما سيتحقق لنا في المملكة المتحدة إذا طبقنا مستويات صحيحة من التحفيز".
© The Independent