عندما رفع حسن روحاني "المفتاح" في حملته الانتخابية عام 2013، لم يكن المقصود من هذا الشعار الانتخابي سوى الرهان الذي عقده روحاني والفريق الذي يعمل معه بوجود أجواء إيجابية تسمح له بفتح الأبواب المغلقة منذ أكثر من ثلاثة عقود، من خلال الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإدارة الأميركية وإنهاء أزمة البرنامج النووي ومعها الحجم الكبير من العقوبات الاقتصادية المشددة عبر أربعة قرارات من مجلس الأمن الدولي تحت المادة 41 من الفصل السابع، التي تراكمت نتيجة سياسات سلفه محمود أحمدي نجاد.
روحاني الذي كان مواكباً للمسارات التفاوضية السرية في حكومة أحمدي نجاد من خلال موقعه في الدولة العميقة وعضويته في المجلس الأعلى للأمن القومي كأحد ممثلي المرشد الأعلى، راهن على إمكانية تقديم حلول للأزمات المتراكمة والمزمنة الاقتصادية والمالية والمعيشية والسياسية لإيران والنظام من خلال فتح الحوار مع واشنطن وتطبيع العلاقات السياسية معها، والتي تضمن بدورها إمكانية بناء علاقات سليمة وصحية مع الدول الغربية وتحديداً الترويكا الأوروبية.
طموحات باتجاه الغرب
لم يكن روحاني متمسكاً بفتح مسار مواز لطموحاته باتجاه الغرب، مع دول الجوار، خصوصاً الدول العربية. على الرغم من أنه أعلن في بداية رئاسته عن رغبته في بناء علاقات حسن جوار وحوار مع هذه الدول. إلا أنه ومع أول توتر في العلاقات بين إيران والدولة العربية المفصلية في المنطقة (أي السعودية) وارتفاع حدة الخطاب المتشدد لدى قيادة النظام والمؤسسة العسكرية والدور الواضح الذي تلعبه في الأزمة اليمنية والدعم الذي تقدمه لجماعات الحوثي، تخلى عن بذل أي جهود جدية على هذا المسار، اعتقاداً منه بأن الأمر يقع خارج دائرة اختصاصه ودوره، لجهة ارتباط هذا المسار من العلاقات باستراتيجية الصراع الإقليمي وتبلور حدود الدور والنفوذ الإقليمي للنظام في المنطقة العربية والشرق الأوسط. في المقابل، راهن على تحقيق خرق على مسار التفاوض مع الدول الغربية والولايات المتحدة والحصول على اتفاق يحل أزمة الملف النووي ويرفع العقوبات ويسمح لها بالتحول إلى منقذ للنظام من أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهو ما كان مفترضاً أن يحصل أو يتحقق بالاتفاق الذي وقع بين إيران ومجموعة "5+1" عامة، وبين طهران وواشنطن بخاصة في 14 يوليو (تموز) 2015 في فيينا.
قراءة روحاني بأن الاتفاق مع واشنطن سيكون كفيلاً بتمهيد الطريق أمام تفاهمات وحوارات إقليمية، مستفيداً مما يعتقده دوراً مؤثراً ومساعداً قد تلعبه الإدارة الأميركية في تقريب وجهات النظر بين طهران ودول الجوار العربي في الخليج، خصوصاً السعودية، التي أصرت على التمسك بموقفها المشكك بالنوايا الإيرانية سواء بالدور المزعزع لاستقرار دول المنطقة أو بالنسبة إلى جديتها في التخلي عن طموحاتها النووية. إلا أن حسابات حقل روحاني لم تتوافق مع بيدر الانتخابات الأميركية التي جاءت بدونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ومما أحدثه من انقلاب موازين الموقف داخل الإدارة الأميركية. وأعاد المخاوف السعودية والعربية إلى الواجهة وضرب رهانات روحاني في الصميم، خصوصاً أنه لم يستطع التعامل مع الهجوم الداخلي من مراكز التأثير والقرار التي لم تترك فرصة لعرقلته وإفشاله واتهامه بوضع كل الأوراق الإيرانية في سلة الاتفاق النووي والعلاقة مع واشنطن، إضافة إلى ضعف أدائه في إدارة الأزمة الاقتصادية الذي تحول إلى عامل مساعد لخصومه في الداخل.
التوجه شرقاً
لا شك أن سياسات روحاني بالتوجه غرباً، كانت على تعارض واضح مع توجهات الدولة العميقة التي تبنت التوجه شرقاً، تحديداً روسيا والصين، اللتين استثمرتا في معركة التفاوض حول الاتفاق النووي لقطف ثمار رفع العقوبات لاحقاً. وقد دخل في معركة واضحة مع المرشد الأعلى الذي رفض كل الوساطات الدولية والإقليمية التي سعت لترطيب الأجواء وفتح قنوات حوار بين طهران وإدارة ترمب، وقد ازداد تشدد المرشد بعد عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020. ما أسهم في تقييد دور روحاني في قرار التفاوض وصولاً إلى تحديد دوره في إعادة إحياء المفاوضات مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض. وهي سياسة كان المرشد يهدف من ورائها إلى إزالة العراقيل وتهيئة الأجواء لرئيس الجمهورية الجديد في استثمار العودة إلى الاتفاق النووي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحراك الذي بدأه روحاني والفريق الدبلوماسي بقيادة وزير خارجيته محمد جواد ظريف باتجاه الدول العربية الخليجية أواخر عام 2019 وبداية عام 2020، والمشاريع التي طرحها ظريف سواء في الدعوة إلى عقد اتفاقية عدم اعتداء أو استراتيجية أمن هرمز، كلها جاءت في الوقت الضائع، لأن دوائر الدولة العميقة كانت غير راغبة في تطوير أي مشروع إقليمي مع حاجتها له قبل معرفة اتجاهات الرئاسة الأميركية. الأمر الذي تبلور لاحقاً في مارس (آذار) الماضي بالكشف عن حوار ثنائي مباشر بين إيران والسعودية على الأراضي العراقية، ولم يكن لإدارة روحاني أي دور فاعل أو مقرر في مجرياته، بل تولته المؤسسات الأمنية في البداية وتحديداً الأمن القومي الإيراني، وحتى الآن لم ينتقل إلى المستوى الدبلوماسي بانتظار انتهاء الرئيس الجديد من تركيب فريقه الدبلوماسي.
أن تتولى المؤسسة الأمنية الإيرانية مهمة الحوار مع الدولة العربية المحورية، يعني أن روحاني لم يستطع تحقيق التوازن بين توجهه الغربي والحاجات الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية مع دول الجوار، ما فوت عليه وعلى إيران الكثير من الفرص لإقامة علاقات تعاون وتنسيق إقليمي تعزز الاستقرار والسلام في المنطقة.
في خطاب القسم أمام البرلمان، أكد الرئيس الجديد رئيسي أن سياساته تقوم "على عدم اللقاء مع المسؤولين الأميركيين"، مضيفاً أن "أولويته هي تحسين العلاقات مع الجوار"، وهي سياسة تكشف الأولويات الاستراتيجية للنظام الإيراني. فسياسات الحكومة باتت تعبر عن استراتيجيات النظام بعد أن باتت مراكز القرار في الدولة متناغمة ومنسجمة مع رؤية النظام، الأمر الذي يعني عدم وجود آراء وأصوات متعددة في السياسة الخارجية في إطار مصالح الدولة والنظام. وهو ما يساعد الرئيس الجديد وفريقه بدفع الحوار مع الجوار العربي نحو إرساء سلام إقليمي يحترم مصالح كل الأطراف ويأخذ المخاوف بالاعتبار.
تحرك رئيسي نحو الجوار العربي سيكون بلا شك مدعوماً من المرشد الأعلى، خصوصاً أن إيران بحاجة إلى هذا الحوار والانفتاح، ولن يواجه رئيسي أي عائق على غرار سلفه روحاني في اتخاذ قرار عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح السفارات، والدفع باتجاه المساعدة في إطلاق حوار يمني - يمني، إلى جانب تنشيط الجهود الدبلوماسية على خط الأزمة السورية وإطلاق الحوار السوري - السوري.
إلا أن رغبات رئيسي والسياسات التي أعلنها باتجاه الجوار العربي وتحديداً السعودية، قد تصطدم بإمكانية التصعيد في حال استقر خياره على تعيين حسين أمير عبد اللهيان على رأس الدبلوماسية الإيرانية، وهو المعروف بمواقفه المتشددة، ما لم يكن الأخير مجبراً على التزام خيار النظام الاستراتيجي بالتهدئة والذهاب إلى الحوار وإعادة بناء علاقات سليمة مع دول الجوار.