يطرح تجاهل السلطات الجزائرية ظاهرة الهجرة غير الشرعية تساؤلات عدة. وعلى الرغم من البيانات والأخبار التي تتحدث عن إحباط محاولات هجرة سرية والقبض على مهاجرين سريين، فإن الاهتمام الذي كانت توليه الحكومة محدود مقارنة بالتحذيرات الإسبانية من خطورة الوضع.
لقد باتت الصحف والقنوات التلفزيونية وبيانات الجمعيات الإسبانية لا تخلو من الحديث عن الهجرة غير الشرعية. وأعلنت جمعية "هيرو ديل مار" الإسبانية، خلال الأسبوع الحالي، تسجيل دخول قاربين إلى سواحل مدينة أليكانتي، وعلى متنهما نحو 15 جزائرياً بينهم نساء. وذكر حرس السواحل في مدينة ألميريا أنه أنقذ قاربين كانا يحملان 26 جزائرياً، منهم أربع نساء وطفل، بالإضافة إلى إنقاذ 15 مهاجراً غير شرعي يحملون الجنسية الجزائرية ووصلوا إلى سواحل مورسيا. وأشارت الجمعية إلى أنه سُجل رقم قياسي في جزر البليار بوصول نحو سبعة قوارب على متنها 121 جزائرياً.
فاستمرار هذه الظاهرة أصبح يشكل هاجساً يقلق الجزائريين. وفي حين اختارت الحكومة التعامل الأمني في مقدمة الحلول، يتواصل "النزيف" في ظل غياب فرص العمل وتراجع القدرة الشرائية، وظهور مشاكل جديدة مثل انعدام مياه الشرب وارتباك إدارة جائحة كورونا مع غياب الأكسجين، وغيرها من المشاكل التي تدفع الجزائريين إلى التفكير في الهجرة من دون الاكتراث بالطريقة ومخاطرها.
سوء الإدارة
ويحمّل رئيس جمعية الشباب الجزائري المهاجر في إسبانيا، صندوق محمد الأمين، الحكومة والسلطة المسؤولية الكبرى في ما يقع في البلاد. ويقول إن الهجرة السرية لن تختفي ما دامت أسبابها قائمة، مشيراً إلى "توسع دائرة الفقر وغياب الأمن النفسي والفردي والجماعي، وغلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة وتدهور الأوضاع الصحية، وانتشار الرشوة والمحسوبية". ويسأل "كيف لشباب مجتمع مثل هذا أن لا يغادر؟".
ويتابع الأمين أن "سوء الإدارة أنتج مشاكل يدفع ثمنها المواطن، وقد مست بسمعة البلاد وصورتها"، مضيفاً أن "الحل لإيقاف الظاهرة هو أن تكون هناك نية حقيقية للقضاء عليها، وليس تقديم تصريحات فارغة من دون أي استراتيجية". ويضيف أنه "يجب التوصل إلى تعاون جدي مع الدول الأوروبية لحوض الأبيض المتوسط، ووضع خطة مشتركة والتزام الاتفاقات المبرمة لمكافحة هذه الظاهرة".
حلول عقابية ودينية
وفي محاولة منها لمحاصرة الظاهرة، أصدرت الحكومة في عام 2009، أحكاماً جزائية ضد الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر. وبموجب القانون، يواجه كل من يعترضه خفر السواحل حكماً بالسجن من شهرين إلى ستة أشهر، وغرامة تتراوح بين 1500 و3500 دولار، أو إحدى هاتين العقوبتين فحسب.
كذلك أصدر المجلس الإسلامي الأعلى فتوى تحرّم الهجرة غير الشرعية. وقد أيدت وزارة الشؤون الدينية الفتوى، وقالت إن "المجلس الإسلامي الأعلى، وهو أعلى سلطة إفتاء في الجزائر، قد أفتى بتحريم هذه الظاهرة".
2.5 مليون يورو
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتصنف الدول والحكومات المتوسطية ظاهرة الهجرة غير الشرعية على أنها تجارة بالبشر لما تعود على الشبكات الإجرامية من أموال ضخمة. وهو ما كشفت عنه الشرطة الإسبانية أخيراً، بعدما فككت خلية لتنظيم رحلات هجرة سرية من الجزائر إلى جنوب إسبانيا، مشيرة إلى أنها تحصلت على مداخيل تقدر بنحو 2.5 مليون يورو. وأوضحت أن أعضاء الشبكة الموقوفين في سواحل مدينة ألميرية المقدر عددهم بـ21 شخصاً، كان بحوزتهم 54 ألف يورو نقداً وأجهزة قياس للمسافات البحرية وتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية. وتابعت أن هذه الشبكة نظمت رحلات لما يزيد على 500 جزائري.
هجرة منظمة ومنتظمة
واتفقت الجزائر وإسبانيا، في الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، أرانتشا غونزاليس لايا، للجزائر، على خطوات جديدة للحد من ظاهرة الهجرة غير القانونية عبر "هجرة منتظمة ومنظمة" بين البلدين. وأشارت وكالة الأنباء الإسبانية إلى أن الجانبين بحثا آليات جديدة للحد من وصول المهاجرين غير الشرعيين من الضفة الجنوبية إلى الشمالية، "لا سيما من منطقة الساحل"، مضيفة أن الوزيرة لايا تؤكد ضرورة العمل بين البلدين ضد الهجرة غير القانونية، وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر ومنع الشبكات الإجرامية التي تستفيد من محنة الآخرين. في حين شدد وزير الخارجية الجزائري السابق، صبري بوقادوم، على أن بلاده مستمرة في التعاون مع إسبانيا بشأن هذه القضية.