أدخلت الحرائق في منطقة القبائل الجزائريين في فتنة استدعت بذل الجهود من أجل التهدئة، بعد أن أقدم سكان إحدى المناطق المتضررة على حرق شاب بتهمة التسبب بتلك الكارثة.
وطغت الدعوات إلى التعقل على أحاديث المسؤولين والمواطنين، إثر نشر فيديو لحشد كبير من الأشخاص وهم يرفسون شاباً قبل حرقه، وذلك في مدينة لربعا ناث إيراثن، في محافظة تيزي وزو، وسط الجزائر، بعد اتهامه بافتعال الحرائق، على الرغم من أنه كان موقوفاً لدى الشرطة التي وقف عناصرها عاجزين أمام ثوران السكان الذين أصروا على تصفيته.
ولم تمر دقائق على الحادثة التي أحدثت صدمة أعادت إلى الأذهان مشاهد العنف والدم والدمار التي عاشتها البلاد خلال العشرية السوداء مع الإرهاب، حتى انتشر فيديو لعدد من أصدقاء الشاب وعائلته وأبناء المحلة التي يقطن فيها، في مدينة مليانة بمحافظة عين الدفلى، يستنكرون التصرف "الهمجي"، ويؤكدون أن الضحية فنان موسيقي يدعى جمال بن إسماعيل (38 سنة)، وقد انتقل إلى المنطقة المتضررة لتقديم المساعدة.
ونشر والد الضحية نور الدين بن إسماعيل فيديو يطلب الهدوء وعدم الانجرار وراء التعصب والعنصرية التي تروج لهما أطراف معادية للجزائر، وشدد على أن الجزائر كلها متضامنة مع المناطق المتضررة من الحرائق، وأن التعاون من أجل إنهاء هذه الكارثة أولوية قصوى، وأبرز أن معاقبة المتسببين أمر ضروري، لكن يجب ترك الأمور للعدالة كي تأخذ مجراها، وليس الاعتماد على قانون "الغابة".
وطالب والد الشاب في تصريح لوسائل إعلام محلية، "السلطات بإحقاق الحق، داعياً إلى الهدوء". كما طلب من السلطات تسليمه جثة ابنه، لأنه لا يستطيع الانتقال إلى تيزي وزو، قائلاً "لا أعرف ما الذي ينتظرني هناك".
ولم تصدر السلطات الرسمية أي بيان حول الحادثة.
واندلعت الحرائق، الاثنين، في منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر، وتوسعت واجتاحت مناطق عدة، وتسببت بمقتل 69 شخصاً بينهم 28 عسكرياً كانوا يساعدون في إخماد النيران. ولا يزال بعض هذه الحرائق مستمراً.
مبادرة حقوقية
من أجل منع استمرار مثل هذه الممارسات والتصرفات، ومن أجل إعادة وضع الأمور بين يدي القانون، أطلقت المحامية لطيفة ديب، مبادرة للدفاع عن الضحية، ودعت زملاءها إلى الانضمام "ضد جميع أنواع العنف". وقالت إن "هناك اعتداء على القانون وتجاهله من فئة معينة، وهذا يعتبر تغييباً لدور الدولة بجميع مؤسساتها الأمنية والقضائية"، مشيرة إلى أن "الجرم الذي قامت به هذه الفئة واضح وكامل الأركان، وبصفتي محامية أريد الدفاع عن الضحية مهما كان موضعه، بريء أم لا، لأننا ضد الاعتداء والتنكيل والقتل البشع الذي تعرض له".
أعلنت ديب أنها "بعثت برسالة لعائلة الفقيد للموافقة على تأسيسنا، وننتظر معلومات من النيابة في خصوص القضية"، مضيفة أن "الأوضاع التي تمر بها الجزائر حساسة جداً، وعلى الدولة الضرب بيد من حديد واستئصال هذه الحالة الخطرة المدمرة قبل انتشارها".
تقديم الاعتذار... والوزير الأول في المنطقة
وسيتوجه أعيان منطقة القبائل وممثلو قرى لربعا ناث إيراثن إلى مسقط رأس الضحية، مليانة، لتقديم الاعتذار والتعازي نيابة عن المنطقة إلى أسرة الشاب.
وسارع رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن، الخميس 12 أغسطس (آب)، إلى محافظة تيزي وزو، على رأس وفد وزاري. وأكد بن عبد الرحمن أن "يد العون ستمد للسكان كي تعود الحياة العادية على الرغم من حقد الحاقدين وإجرام المجرمين"، معلناً أن عملية جرد الخسائر والمتضررين ستبدأ من دون انتظار إطفاء جميع الحرائق، وستُصرف التعويضات في أقرب وقت". ولم يستبعد وجود أيادٍ إجرامية في الحرائق، لافتاً إلى أن اختيار المواقع كان بصفة دقيقة في تضاريس وعرة يصعب الوصول إليها.
تساؤلات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقف الإعلامي عبد الحكيم مسعودي، وهو من أبناء منطقة تيزي وزو، عند "سخط سكان بلدة لربعا ناث إيراثن وتنديدهم بحرق الشاب، إضافة إلى نداءات التعقل وتحكيم العقل والمطالبة بإنزال أقصى العقوبات بحق الفاعلين". ويرى في ذلك "دليلاً على أن الحادثة معزولة، ولا يمكن أن تشكل بأي حال من الأحوال قياساً على المنطقة"، مضيفاً أن هناك كثيراً من التساؤلات لا تزال مطروحة لا سيما حيثيات توقيف الأمن الضحية وعدم توفير الشروط لحمايته من بركان الغضب الشعبي، إذ كان يمكن نقله مباشرة إلى النيابة العامة أو مركز أمن المحافظة، وليس إلى المنطقة المتضررة.
ويشدد مسعودي على أنها "جريمة وانزلاق خطير يستدعي تحقيقاً معمقاً، وقال رداً على سؤال حول الأسباب التي أوصلت البلاد إلى هذه الحال، إن دعاية الكراهية التي غذت وأنشأت قنابل موقوتة، وغياب التنظيم المحكم، واتساع هوة الثقة في مؤسسات الدولة، والتسيب المتفشي على جميع المستويات، من أهم العوامل التي باتت تهدد كيان الأمة".
مطالبة بالتحقيق
وفي الإطار ذاته، طالبت منظمة العفو الدولية، الخميس، السلطات الجزائرية بالتحقيق في الفيديو الذي نشره رواد مواقع التواصل الاجتماعي ويظهر إقدام مجموعة من الأشخاص على إحراق شاب حياً بعد اتهامه بإشعال حرائق في الجزائر، وسط حملة استنكار وغضب شعبي عارم إزاء الحادثة.
وكتبت منظمة العفو الدولية - فرع الجزائر على "تويتر"، "على السلطات أن تبدأ فوراً التحقيق في معلومات الاعتداء حتى الموت على رجل من حشد غاضب من الناس، ومحاكمة المتورطين".
وتابعت، "على السلطات أن تبعث رسالة واضحة بأنها لن تسمح بمثل هذا العنف".
واعتبرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان، ما حدث "عملاً وحشياً، يوازي وحشية ما تعرض له ضحايا الحرائق".