على رصيف الشارع المقابل لمركز الرعاية الطبية الأولية لمنطقة شرق غزة، تقف سميرة مع والدها، حيث تحاول إقناعه بالدخول إلى العيادة لتلقي الجرعة الثانية من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، لكنه يرفض بإصرار خوفاً من أن يكون فاسداً، أو تنتج عنه آثار جانبية.
كان والد سميرة الذي يبلغ 65 سنة من العمر، تلقى الجرعة الأولى من اللقاح، وقبيل موعد الجرعة الثانية بوقتٍ قصير انقلبت الأمور رأساً على عقب. وتقول "كثيرة الإشاعات التي سمعها والدها من أصدقائه في الحي عن الآثار السلبية للجرعة الثانية، وتابع بعناية كل الأخبار عن صفقة فايزر للقاحات التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء، وتراجع بعد ذلك عن فكرة استكمال التطعيم".
113 ألفا تلقوا اللقاح
ليس والد سميرة وحده الذي قرر مقاطعة التطعيم نتيجة الإشاعات السلبية، فمن بين مليوني مواطن يعيشون في قطاع غزة، تلقى 113 ألف منهم التطعيم ضد كوفيد-19 فقط، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
وتفيد بيانات المؤسسة الحكومية بأن لديها قرابة 300 مركز رعاية أولية، يتبع جزء منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا". وتتوفر في غزة نحو 100 ألف جرعة تطعيم، وهي متاحة لجميع المواطنين من سن 16 عاماً فما فوق، ووصلت عن طريق منصة "كوفاكس" (مبادرة أطلقتها منظمة الصحة العالمية لتسريع إتاحة أدوات مكافحة كورونا)، وعبر السلطة الفلسطينية، ومن خلال دول عربية وإقليمية متبرعة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أعداد متلقي اللقاح قليلة جداً، بخاصة عند مقارنتها مع الشروع في مرحلة التطعيم، إذ بدأت السلطات العاملة في الأراضي الفلسطينية في فبراير (شباط) الماضي، بتطعيم المواطنين، وعملت على ذلك بالتوازي بين الضفة وغزة، ومنذ ذلك الحين لم يتجاوز عدد أولئك الذين تلقوه في القطاع نسبة 6 في المئة من إجمالي السكان.
الشائعات تسبب عزوف السكان
وقال مدير دائرة مكافحة العدوى في وزارة الصحة بغزة رامي العبادلة إن "هناك عزوفاً من السكان بسبب الإشاعات التي تنتشر حول لقاحات كوفيد-19، مثل أنه يسبب جلطات، ويترتب عليه زيادة نبضات القلب. وانتشار مثل هذه المعلومات المغلوطة يكون له تأثير سلبي على الأفراد الذين ينوون تلقي التطعيم، أو لديهم موعد للجرعة الثانية".
وبحسب العبادلة، فإن المعلومات السلبية والشائعات حول لقاحات كورونا تحتاج إلى أكثر من شهر لمعالجتها، ونشر أخبار دقيقة للجمهور، الذي يأخذ الخبر الزائف بسرعة على محمل الجد ويتعامل معها على أنها حقيقية ورسمية، ويتبع ذلك تهميش أخذ التطعيم".
صفقة "فايزر" سبب آخر
وكان من بين الأسباب التي أدت إلى عزوف السكان عن تلقي اللقاح، انتشار خبر في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، مفاده أن إسرائيل زودت وزارة الصحة الفلسطينية بنحو 90 ألف جرعة من لقاحات "فايزر" تنتهي صلاحيتها خلال أيام، وأثار ذلك شبهة فساد في التطعيم الموجود لدى السلطات الفلسطينية، عُرفت لاحقاً باسم "صفقة فايزر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول العبادلة إن "هذه الصفقة أثرت بشكل سلبي على قناعات الناس في تلقي جرعات التطعيم ضد كوفيد-19، وعلى الرغم من تأكد الفرق الطبية من سلامة وصلاحية كل اللقاحات بشكل مستمر، فإن المواطنين شكّلوا قناعات ما زال من الصعب تغييرها".
وفي تبرير وزارة الصحة حول اللقاحات التي شارفت على الفساد، أفادت بأنها حاولت سد النقص في توريد العدد المطلوب من اللقاحات من قبل الشركة المنتجة، وجرى إعادة الكمية إلى المصادر التي استُلمت منها. وقال ممثل قطاع الصناعات الدوائية المشارك في لجنة التحقيق في صفقة "فايزر" باسم خوري، إن "رفض المواطنين تلقي اللقاحات كان من البداية، وزاد مع مشكلة صفقة اللقاحات، والتي جرى الاستعجال في استلامها من دون وجود مشرف طبي، ولا بروتوكول فني، وعلى الرغم من أن هذه الصفقة في الأساس جرعاتها لم تكن تشمل غزة، فإن خوف سكانها كبير وأثر فعلياً على الإقبال على تلقي اللقاح".
غزة أمام موجة جديدة
في الحقيقة، تسبب عزوف المواطنين عن تلقي اللقاح المضاد لكورونا، في زيادة انتشار حالات الإصابة بالفيروس، إذ حذر العاملون في المجال الصحي من الدخول في موجة انتشار ثالثة في القطاع، بخاصة مع ارتفاع عدد الحالات المصابة والمكتشفة في الفحص المخبري اليومي الذي تجريه وزارة الصحة.
وبحسب تقارير وزارة الصحة، فإن إجمالي المصابين يزيد على 117 ألف مواطن، توفي منهم نحو 1111 شخصاً. وخلال الـ24 ساعة الماضية توفي ثلاثة مرضى نتيجة الإصابة بالفيروس، فيما لا تزال 72 حالة بحاجة إلى رعاية طبية في المستشفيات، بينهم 53 حالة حرجة.
وأوضح مدير دائرة مكافحة العدوى في وزارة الصحة بغزة رامي العبادلة أنه "يسود لدى سكان غزة اعتقاد بأنهم حقل تجارب، لكن في الحقيقة هناك ملايين حول العالم تلقوا التطعيم، وبخصوص الأعراض السلبية فإنها ظهرت على ثلاثة أشخاص من كل مليون شخص أخذ اللقاح"، مؤكداً أن "اللقاحات المتداولة في الأراضي الفلسطينية تُفحص باستمرار ويتم التأكد من تاريخ صلاحيتها بشكل دوري".
حملات توعية
وفي إطار حض السكان على تلقي اللقاح، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووزارة الصحة حملة توعية حول درجة أمان اللقاح، ومعلومات وخطوات عملية يجب اتباعها قبل أخذ اللقاح وبعده، وكيفية مساعدة الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
وقال مدير مكتب اللجنة الدولية في غزة إغناسيو كاساريس، إن "إطلاق اللقاح يمثل بصيص أمل للتغلب على المرض بعد أن شهد القطاع زيادة مقلقة في حالات الإصابة بفيروس كورونا بين السكان، لذلك نعمل على توعية السكان من خلال إعلانات إذاعية ولوحات دعائية ومقاطع فيديو وغيرها من المواد التي ستُنشر عبر وسائل إعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".