أثارت الصين قلق العالم مجدداً مع عودة فيروس كورونا للظهور في مناطق مختلفة، خاصة متحورة "دلتا" الجديدة، على الرغم من سياسة "صفر إصابات" التي تتبعها السلطات. ومع أن أرقام الإصابات ما زالت أقل من حالات "دلتا" في أوروبا وأميركا، فإن الإجراءات المشددة التي تتخذها السلطات الصينية تزيد من مخاوف اختناق التجارة الدولية وارتفاع الأسعار حول العالم مع تعطل سلاسل التوريد.
وكانت السلطات الصينية قد أعلنت، الأربعاء، عن إغلاق أحد المنافذ في ثالث أكثر ميناء شحن ازدحاماً بحركة البضائع في العالم بعد اكتشاف إصابة بفيروس كورونا. وأغلق منفذ ميشان في ميناء نينغبو جوشان إلى أجل غير مسمى، وهو يمثل نحو 25 في المئة من عمليات الميناء، الذي يعد ثاني أكبر منفذ تجارة للصين بعد ميناء شينغين في إقليم غواندونغ.
ويستقبل ميناء نينغبو يومياً بضائع تملأ 78 ألف حاوية بحجم 20 قدماً، يتم نقل ربعها من منفذ ميشان الذي أغلقته السلطات. وسبق أن أغلق ميناء يانتيان، في جنوب البلاد، الذي يستقبل 36 ألف حاوية يومياً، لمدة شهر في مايو (أيار) الماضي، ما سبب اضطراباً في حركة التجارة وارتفاع الأسعار.
وتتبع الصين سياسة صارمة فيما يتعلق بوباء كورونا، الذي بدأ انتشاره في العالم من مدينة ووهان وسط البلاد في نهاية عام 2019، لكن سياسة "صفر إصابات" تعني فرض السلطات إجراءات صارمة تضر بالتعافي الاقتصادي الهش.
وبدأت الصين التعافي الاقتصادي مبكراً في الأشهر الأولى من العام الماضي نتيجة تلك السياسة الصارمة، لكن الفتح التدريجي للاقتصاد يتعرض الآن لضغوط سلبية قوية قد تجعل معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لثاني أكبر اقتصاد في العالم تتراجع في الربع الثالث من العام.
تضرر التجارة العالمية
ذكر تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، الجمعة، أن العالم يخشى من مدة إغلاق منفذ ميناء نينغبو، في وقت تعاني فيه سلاسل التوريد من اختناقات بالفعل منذ عام الوباء، ما يزيد تكلفة الإنتاج حول العالم، وينعكس ارتفاعاً في الأسعار على المستهلكين، بالتالي ارتفاع معدلات التضخم.
فبالإضافة إلى إغلاق المنفذ، يشهد الميناء ككل تباطؤاً في حركة التحميل والتفريغ للناقلات وسفن الشحن، وتتكدس الحاويات. وبالفعل، أعلن الميناء أنه لن يقبل أي حاويات إلا ما سيصل في غضون يومين على الأكثر. وكلما طالت مدة الإغلاق تردد صدى التعطيل على نطاق أوسع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه التجارة بالنقل البحري عالمياً نشاطاً موسمياً أكبر في النصف الثاني من العام، حيث يتم نقل بضائع وسلع فترات الأعياد والعطلات. ووفق البيانات المتاحة من سلطات الميناء في الفترة الماضية، فإن أغلب الصادرات في النصف الأول من العام كانت بضائع إلكترونية ومنسوجات وسلعاً مصنعة أخرى. أما الواردات الرئيسة فكانت النفط الخام والإلكترونيات والمواد الكيماوية الخام والمنتجات الزراعية.
ومن غير الواضح الآن تأثير إغلاق الميناء على واردات النفط الصينية، التي تشكل المحرك الرئيس للطلب العالمي على النفط، لكن طول المدة سيكون له تأثير واضح، ما قد يضغط على أسعار النفط نزولاً وسط مخاوف من تراجع الطلب العالمي بسبب وضع الاقتصاد الصيني.
تباطؤ الاقتصاد
أظهر قرار إغلاق منفذ الميناء أن الاقتصاد الصيني أصبح له تأثير واضح على الاقتصاد العالمي، ويغير من نفسية المستثمرين والمتعاملين بالقدر الذي يحدث مع أي تطور في اقتصادات كبرى أخرى، وتحديداً أكبر اقتصاد في العالم، أي الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن أعداد المصابين مع بمتحورة "دلتا" في الصين بحدود الألف إصابة، فإن توزعها على نحو نصف أقاليم البلاد ولجوء السلطات إلى إغلاق مدن بالكامل وفرض الحجر على كل مصاب ومخالط محتمل، يزيد من الضغوط على الأداء الاقتصادي بشكل عام. أضف إلى ذلك ما تواجهه الصين من فيضانات غير مسبوقة في أنحاء مختلفة من البلاد، خلفت حتى الآن مئات القتلى ومئات آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مواطنهم تحسباً لأضرار الفيضانات. كل ذلك يجعل النشاط الاقتصادي الذي بدا قوياً في مرحلة التعافي المبكرة العام الماضي يأخذ في التراجع مجدداً. ثم هناك حملة الحكومة وهيئاتها على الشركات الكبرى، خاصة شركات التكنولوجيا، والتي أدت إلى تراجع قيمتها السوقية، وأضرت بثقة المستثمرين حول العالم في الاقتصاد الصيني. يضاف إلى ذلك القيود التي تفرض على بكين من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، التي قد تحد من النمو السريع للاقتصاد، فضلاً عن مؤشرات الاقتصاد الكلي في الصين، التي تعزز المخاوف من تباطؤ النمو في الأشهر المقبلة، فقد ارتفع مؤشر أسعار المنتجين لشهر يوليو (تموز) الماضي بنسبة 9 في المئة بمعدل سنوي، وهي نسبة تقارب ارتفاع المؤشر في مايو الماضي، والتي كانت أعلى نسبة منذ 13 عاماً.
ووفق تقديرات مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني، ارتفعت ديون الشركات وتخلفها عن سداد السندات المستحقة في النصف الأول من هذا العام بشكل غير مسبوق، منذ بدأت المؤسسة متابعة الشركات في الصين. وبلغ حجم التخلف في الأشهر الستة الأولى من العام نحو 62.59 مليار يوان صيني (نحو 9.7 مليار دولار).