في أقل من 20 يوماً على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 يوليو (تموز) الماضي قرار إقالة الحكومة وتجميد عمل مجلس النواب، التي رفضها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس النواب، واعتبرها انقلاباً على الشرعية وانتهاكاً للدستور، وذهب برفقة عشرات من مؤيديه أمام باب مجلس النواب في لحظة كان فيها مئات الآلاف من التونسيين يحتفلون بعفوية بقرارات الرئيس، ليجد نفسه ومن معه خارج إطار اللحظة منعزلين عن الشعب.
تصعيد وتهديد
من أمام بوابة مجلس النواب التي أغلقت في وجهه ومنع من دخوله، دعا الغنوشي أنصاره للحاق به أمام المجلس، وبقي ينتظر وصولهم مطلقاً جملة من التصريحات يطالب القوى السياسية بالتحرك لإجهاض الانقلاب، بحسب زعمه.
وفي بيان فاجأ الجميع، أصدرته حركة النهضة يوم الخميس، ووقع عليه الغنوشي بصفته رئيسها، معتبراً "أن الأزمة المركبة والمتراكمة التي عاشتها بلادنا بلغت درجة من التأزيم والتعطيل في الفترة الأخيرة، بما جعلها في حلقة مغلقة سياسياً ودستورياً، وأن قرارات 25 يوليو الرئاسية جاءت لتكسر هذه الحلقة المغلقة بحثاً عن حلول، ولا بد من جهود مشتركة للخروج النهائي من الأزمة، حتى تواجه بلادنا مشكلاتها العاجلة والآجلة في إطار الوحدة الوطنية".
وأضاف البيان، "أن حركة النهضة ستولي أهمية أكبر لإعداد مؤتمرها الوطني الذي نحرص أن يكون قريباً، وأن رئيس الحركة يجدد التزامه احترام النظام الأساسي للحزب الذي حدد رئاسته بدورتين".
"الانحناء للعاصفة"
بهذه العبارة وصف الباحث السياسي محمد العربي حمه، بيان حركة النهضة، معتبراً في تصريح خاص "أن الغنوشي يريد أن يربح الوقت ويناور على أمل الوصول لمخرج من الأزمة الحالية، في وقت يشعر بنفسه وحيداً ومعزولاً داخل الساحة السياسية التونسية وفي الخارج". وأضاف، "أن الغنوشي قلص كثيراً من أحلامه وطلباته، ويسعى فقط وفي حدود الممكن لخروج مشرّف له، ضمن معادلة أنه قدم تضحية بمغادرته المشهد السياسي مقابل إعادة ما يسميه (رفع التدابير الاستثنائية وعودة المؤسسات الدستورية للعمل في ظل احترام الديمقراطية)".
من الانقلاب إلى الاعتراف بالأخطاء
بعد أن وصف ما جرى يوم 25 يوليو بالانقلاب وهدد وتوعد، بدأ راشد الغنوشي يتراجع عن مواقفه الحادة، وفي لقاء أجراه مع "وكالة أنباء الأناضول"، أمس الأول، اعترف أن "هناك غضباً من غياب المنجز الاقتصادي والاجتماعي للثورة، ومن سلوك عديد من السياسيين بمن فيهم إسلاميون، في تجربة ناشئة وفي نظام انتخابي هش وأزمة اقتصادية كبيرة عمقتها تداعيات الأزمة الصحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف في إقرار بحقيقة الهبّة الشعبية الكبيرة التي ساندت قرارات الرئيس بالقول، "نعم هناك غضب لدى عديد من الفئات، في مقدمتهم الشباب، وهو أمر مفهوم نتيجة غياب منجز يرتقي إلى طموحات أبناء شعبنا".
الدعوة للحوار
في خطوة مفاجئة قال الغنوشي، نحن بانتظار إعلان رئيس الجمهورية لخريطة طريق تبين تصوره للخروج من الأزمة الحالية، وقناعتنا ألا حل لمشكلات البلاد المعقدة، إلا بعقد حوار شامل يلتزم الجميع مخرجاته ويكون تحت إشراف رئيس الجمهورية، معتبراً أن استقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي "فتحت المجال للرئيس لاقتراح رئيس حكومة، ونحن مستعدون للتفاعل مع المقترح ما دام العمل على حل مشكلات البلاد هدفاً لحكومة مقبلة.
وفي تعليقه على ما أعلنه الغنوشي وصف الإعلامي إبراهيم الوسلاتي ذلك بـ"التراجع التكتيكي، وعدم استعمال كلمة انقلاب يعكس حجم العجز الذي يشعر به أمام رئيس الجمهورية وفشله في مواجهته واعترافه به".
وقال الوسلاتي، "إن الغنوشي بعد أن يئس من إقناع الرأي العام وتجنيد أنصاره وتأكده أن التهديد لم يعد يجدي نفعاً، وعدم اقتناع الرأي العام الدولي بأن حركة النهضة هي الضامنة للمسار الديمقراطي، وفشل أسلوب نشر مقالات مدفوعة الأجر في كبرى الصحف الدولية، وتصريحات تحمل تهديداً لدول أوروبا بوصول مئات آلاف المهاجرين وعودة انتشار الإرهاب، كل ذلك زاد من عزلته وتركه دون سند حقيقي داخل حركة النهضة، أو في الوسط السياسي التونسي، أو في المستوى الدولي".
وبعد أن كانت صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر كل يوم اللقاءات والاتصالات التي يجريها بصفته رئيساً للحركة أو لمجلس النواب غابت تماماً كل هذه الأخبار، وآخر خبر نشرته عن لقاء جمعه أمس مع أعضاء مكتب الشباب المركزي لحركة النهضة.
وبحسب الصحافية مروى هيمت، "فإن راشد الغنوشي كان معه فريق إعلامي متكامل يقوم بتقديم صورة رجل الدولة والزعيم السياسي له وكل لقاءاته واتصالاته تُنشر عبر عمل احترافي يشرف عليه متخصصون، واليوم لم يعد لهذا الجهد وجود بعد غياب واضح للجميع لكل السياسيين من تونس وخارجها، الذين صاروا يتحاشون الاتصال أو اللقاء معه".
الاستقالة بداية الحل
النائبة شيراز الشابي، التي استقالت من حزب قلب تونس بعد قرارات رئيس الجمهورية قالت في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "لابد من استقالة راشد الغنوشي من البرلمان، وحل مكتب المجلس، والكف عن اعتماد التمثيل النسبي والإبقاء على موضوع رفع الحضانة على النواب ساري المفعول، وتنقيح النظام الداخلي من طرف رئيس الجمهورية. وبعد ذلك دعوة النواب في جلسة أولى للمصادقة على التعديلات المقترحة. وأضافت "أنه لا خطر على الديمقراطية، إذا تم التوصل إلى حلول معقولة مع الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات والحفاظ على الحقوق والحريات وحرية التعبير والمساواة بين الرجال والنساء، يمكننا الخروج من الأزمة بطريقة مشرفة وبالطبع الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها".