"حسّن خطّك"، كانت تلك النصيحة المتكررة من المعلمين للطلاب في المدارس طيلة عقود، لكن حالياً لا يبدو حُسن الخط على خريطة اهتمام الطلاب ولا المسؤولين عن العملية التعليمية في مصر، ويظل المعلمون وأولياء الأمور يشكون من خروج أجيال من المدارس تكتب بخط سيئ أو غير مفهوم أحياناً، ناهيك بالأخطاء الإملائية والنحوية، في لغتهم الأم، اللغة العربية.
تؤكد داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر، غياب الاهتمام بحصة "الخط العربي"، التي كانت أساسية في المدارس، حين كانت طالبة قبل نحو 20 عاماً. وأشارت إلى أن "جدول الحصص المدرسية الأسبوعية يحتوي فعلاً على حصة للخط العربي، لكن في الواقع تسلم هذه الحصة لأي من المعملين الذين لديهم تأخير في شرح المنهج، أو يكون وقت الحصة (غالباً 45 دقيقة)، وقت فراغ يأكل فيه التلاميذ أو ينظر كل منهم في شاشة هاتفه المحمول".
وأضافت الحزاوي لـ"اندبندنت عربية"، أن "غياب الاهتمام بالخط العربي ضمن إهمال عام لحصص الأنشطة، مثل الموسيقى والرسم، وغيرهما، فالمدارس تركز فقط على حصص شرح المقررات"، مؤكدة أن "تلك شكوى عامة من معظم أولياء الأمور الذين يتواصل معهم ائتلاف أولياء أمور مصر، ولا تقتصر على مدرسة نجليها، أحدهما في المرحلة الإعدادية، والآخر أنهى قبل أسابيع المرحلة الثانوية".
غياب الأنشطة
أشارت إلى أن "الوضع أصبح أكثر سوءاً منذ اندلاع جائحة كورونا، وتحول التعليم إلى إلكتروني (أونلاين) بسبب منع الحضور في معظم أوقات العامين الدراسيين الماضيين، خشية تفشٍ أكبر للوباء، حيث لا توجد أي أنشطة يمكن ممارستها في ظل نظام التعليم الجديد، ومن الصعب أن يتجمع الطلاب لمزاولة الأنشطة فقط، خصوصاً أن كل أم تخاف على سلامة أولادها". وأوضحت أن "ائتلاف أولياء أمور مصر ناشد وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة الاهتمام بحصص الأنشطة، ولا يزال يطالب بتفعيل تلك الحصص لكي لا تفقد الأجيال المقبلة الدراية بالفنون والرياضة، وأيضاً الخط العربي الذي يمثل جزءاً من ثقافة وهوية البلاد".
تروي منال حسن، معلمة تقاعدت العام الماضي، أنها تابعت على "مدار سنوات مستوى خط الطلاب من خلال عملها في تصحيح كراسات الإجابة في امتحانات الثانوية العامة"، مؤكدة أن "المستوى خلال السنوات العشر الأخيرة تدهور بسرعة كبيرة، فكراسات الإجابة تمتلئ بالكتابة غير المفهومة أحياناً، ناهيك بالأخطاء النحوية والإملائية التي أصبحت معتادة، لدرجة أن وجود كراسة إجابة قليلة الأخطاء اللغوية، كان حدثاً يستحق الاحتفاء لدى المصححين".
نفي رسمي
من جانبها، نفت وزارة التربية والتعليم المصرية إهمال تدريس الخط العربي. وأكد مسؤول في الوزارة، رفض ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث للإعلام، مؤكداً أن "الوزارة ما زالت تخصص وقتاً في جدول الحصص الأسبوعية للخط العربي، وتطبع كراسات التدريب التي توزع على الطلاب لتحسين خطوطهم، وتعليم أنواع الخط المختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى علاء الجندي، المتخصص في المناهج والمدرب المعتمد بوزارة التربية والتعليم، أن "جائحة كورونا سببت العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بينها فقدان 1.6 مليار طفل فرصتهم في التعلم الحقيقي داخل الفصول، في أكثر من 106 دول"، مشيراً إلى "إطلاق الوزارة منصات تعليمية إلكترونية، وبرامج تعليمية عبر موقع (يوتيوب) وقنوات التلفزيون، بهدف التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، وتعويض الطلاب عن غيابهم عن الفصول".
واستدرك الجندي، أن "هناك تأثيراً على مهارات الكتابة لدى الطلاب للاعتماد على طرق التعلم الإلكتروني، خاصة في الصفوف الثلاثة الأولى بالمرحلة الابتدائية، لأن الطفل في تلك المرحلة يحتاج إلى الوجود الفعلي داخل الفصل الدراسي، بما يحقق التفاعل بين المعلم والطالب، ومن الصعب تعويض ذلك التفاعل عبر أي وسائل تكنولوجية". وأضاف أن "دراسات علماء النفس أكدت أن نتائج التعلم تكون أفضل في البيئة الاجتماعية التعليمية (داخل الفصل) من التعلم عبر الشاشات".
جيل التكنولوجيا
وأوضح الجندي، في تصريحات خاصة، أن "وزارة التربية والتعليم منذ سنوات شكّلت وحدة تسمى (وحدة القرائية) داخل كل إدارة تعليمية، أعضاؤها من مدرسي اللغة العربية، مهمتهم إجراء امتحانات استباقية، أي إنها تسبق الامتحان في نهاية الفصل الدراسي، لاختبار مهارات القراءة والكتابة، والطلاب الذين يثبت عدم إجادتهم القراءة أو خطوطهم غير جيدة، يتم إخضاعهم لدورات تعليمية إضافية مجانية خارج إطار المنهج الدراسي، وتحت إشراف الموجهين المعينين من وزارة التعليم، ويتم رفع تقارير عن نتائج تلك الاختبارات للوزارة".
أوضح المتخصص في مجال المناهج، أن "عصر التكنولوجيا وارتباط الأطفال بهواتفهم المحمولة التي يمسكون بها أكثر من القلم، يؤثر في مستوى خطهم ومهارات الكتابة لديهم". واستدرك أن "التحلي بمهارات العصر ضروري، ولا يمكن التخلي عن التكنولوجيا، لكن يجب الموازنة بين القدرات الكتابية التقليدية، ومتطلبات العصر مثل التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت".
وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، بدأت وزارة التربية والتعليم المصرية توزيع أجهزة الحاسب اللوحي (التابلت) على طلاب المرحلة الثانوية، بعد أن تعاقدت على شراء 650 ألف جهاز من شركة "سامسونغ" الكورية الجنوبية. ويبلغ عدد طلاب المدارس في مصر نحو 25.3 مليون تلميذ وتلميذة غالبيتهم في مدارس حكومية، إذ لا تزيد نسبة الطلاب في المدارس الخاصة على 11 في المئة.