مع مرور كل يوم جديد من الزمن القليل الباقي على الموعد المحدد للانتخابات الليبية نهاية ديسمبر (كانون الأول)، تكبر الشكوك في إمكان إجرائها بموعدها المتفق عليه، مما دفع البعض إلى الحديث عن المسار البديل في حال وقع التأجيل وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وتستند مخاوف المشككين إلى قدرة السلطات الليبية على الوفاء بالجدول الزمني المتفق عليه في خريطة الطريق الموقعة بين فرقاء الأزمة الليبية لإنهاء المرحلة الانتقالية، إضافة إلى توسع الخلافات بين هذه الأطراف على القضايا الجوهرية التي تعوق الذهاب إلى الانتخابات العامة، وتلميح البعثة الأممية التي تشرف على الحوار السياسي إلى عجزها عن التوصل إلى صيغة توافقية ترضي الجميع وتنهي الخلافات.
جلسة برلمانية جديدة
ووسط هذا المشهد الضبابي والظروف المعقدة يعقد نواب الأمة الليبية من جديد اليوم الإثنين جلسة لمواصلة النقاش حول القوانين الانتخابية وشروط الترشح لرئاسة البلاد، التي طالت الجلسات حولها وتعددت خلال الشهرين الأخيرين من دون نتائج تذكر، مع فشل البرلمان في التصويت عليها أكثر من مرة.
وزيادة في التعقيد فإنه حتى إقرار مجلس النواب لهذه القوانين الخاصة بالانتخابات والترشح للرئاسة لم يعد ضامناً لإنهاء الجدل حولها، مع استباق مجلس الدولة برئاسة خالد المشري لجلسة النواب بتصريحات تعلن رفض أي صيغة قانونية يصدرها البرلمان حول هذه القضايا بشكل أحادي، ومن دون الرجوع لشريكه في المفاوضات السياسية الممثل في مجلس الدولة.
ودعا رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري أمس الأحد، في خطاب موجه إلى المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، إلى "ضرورة تذكير مجلس النواب في شأن خطورة تجاوزه لبنود الاتفاق السياسي، وانفراده بمناقشة مشروع قانون الانتخابات المقبلة من دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للدولة والاتفاق معه بشأنها".
واعتبر أن "هذا الانفراد يعد إخلالاً بنصوص الاتفاق السياسي، الأمر الذي ذلك يمثل إضراراً بالعملية السياسية استناداً إلى المادتين 19 و21 من الاتفاق".
وكشفت التصريحات من جديد عن حجم الخلافات بين طرفي الحوار السياسي الليبي، بعد تصريحات سابقة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح قال فيها إن "البرلمان يرفض وبشدة تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، حول مشاركة مجلس الدولة في إصدار القوانين، لأنها حق أصيل للسلطة التشريعية"، مشدداً على أنه "لن تتم مشاركة أحد في ما يتعلق بإصدار القوانين. المشاورات مرحب بها لكن سيكون مجلس النواب هو من يقرها".
البعثة تنتقد لجنة الحوار
خلافات رئيسي مجلس النواب والدولة التي باتت تعرقل بوضوح إحراز أي تقدم في العملية السياسية امتدت إلى ممثليهم في لجنة الحوار السياسي، الذين فشلوا حتى الآن في الاتفاق على القاعدة الدستورية التي تجرى على أساسها الانتخابات المقررة نهاية العام، وهي غير القوانين المنظمة للانتخابات التي يناقشها البرلمان منذ أسابيع عدة.
ويبدو أن كل الجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتجاوز انسداد مفاوضات لجنة الحوار السياسية باءت بالفشل، مما دفعها إلى إصدار بيان محبط تنتقد فيه أعضاء اللجنة، وتتهمهم صراحة بتقديم مصالحهم الحزبية والشخصية على المصلحة العليا للدولة، وتلمح إلى مسعاهم لعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر بيان على موقعها الرسمي، إن "دورها يتمثل في جمع الليبيين على كلمة سواء، وتيسير نقاشاتهم أو التوسط بينهم، شرط أن تكون الأطراف مستعدة للوساطة وأن تعمل من أجل التوصل إلى حل وسط".
وأضافت أن "أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي هم الذين وضعوا خريطة الطريق، لكنهم كثيراً ما يطرحون أفكاراً وحلولاً تحيد عنها، وبعض هذه الأفكار يثير التساؤلات حول المبادئ الأساسية للخريطة بحجة أنها لا تنسجم مع معطيات الواقع الحالي، وأنها كانت مغالية في طموحها".
وأكد البيان أن "البعثة تستمر في تذكير ملتقى الحوار السياسي مع أعضائه والمؤسسات الأخرى ذات الصلة، بأن يحترموا طموحاتهم المنصوص عليها في خريطة الطريق المرتكزة على المضي قدماً نحو إجراء الانتخابات الوطنية الليبية في 24 ديسمبر المقبل"، مشيرة إلى أنها "سبق أن دعتهم مراراً إلى الوفاء بتعهداتهم والاستجابة لمطلب الغالبية العظمى من الشعب الليبي، غير أنهم في كثير من الأحيان يتبعون مصالحهم الحزبية والخاصة، ويعكس ما يقومون بعمله الانقسامات التي تميز المجتمع الليبي العريض، عوضاً عن العمل من أجل التوصل الى حل وسط بما يتماشى مع خريطة الطريق".
ونوهت البعثة إلى أنها "أكدت علانية في عدد من المناسبات معارضتها أي مقترحات لا تؤدي إلى إجراء الانتخابات الليبية في الموعد المحدد"، مبدية عزمها مواصلة العمل من أجل "تحقيق هذا الهدف، وأنها تخطط الآن لعقد وإدارة الاجتماع المقبل لملتقى الحوار السياسي"، محملة هذا الملتقى مع أعضائه المسؤولية الكاملة عن نتائج هذا اللقاء.
أعضاء يفندون اتهامات البعثة
ولقي البيان تفاعلاً واسعاً معه في الأوساط السياسية كونه يحدد بوضوح المسؤولية عن الإخفاقات المتتالية للجنة الحوار السياسي في إنهاء الاستحقاقات المنوطة بها، ويوجه اتهامات خطيرة إلى أعضائها الذين سارعوا إلى تفنيد ما ورد فيه من اتهامات لهم بمحاولة عرقلة المسار السياسي.
واعترض عضو مجلس الدولة الاستشاري موسى فرج على البيان، مؤكداً أن "أغلبية أعضاء ملتقى الحوار يسعون صادقين إلى الوصول لحل ينهي الانقسام ويمهد لمرحلة استقرار دائمة"، معتبراً أن "هناك ثمة اختلاف بطبيعة الحال بين أعضاء الملتقى في مواقفهم حول الخيارات والأولويات وبإمكان البعثة الأممية الإسهام بشكل أفضل في تيسير اجتماعات الملتقى".
أما عضو ملتقى الحوار السياسي فاطمة الزهراء لنقي فوصفت صياغة بيان البعثة الأممية بشأن ملتقى الحوار بأنها "غير دقيقة". وتابعت في تغريدة لها عبر "تويتر"، "البعثة قالت إنها غير مسؤولة عن إصرار بعض الأعضاء تقديم ومناقشة مقترحات مخالفة لخريطة الطريق، وادعت أنها تسمح بذلك حرصاً على مبدأ الملكية الوطنية التي يُفترض أن تكون للأمة الليبية وليس لقلة من المعرقلين المستفيدين من الأمر الواقع".
ثناء على اللجنة العسكرية
في المقابل، وافقت عضو ملتقى الحوار السياسي آمال بوقعيقيص على ما أوردته البعثة من انتقادات للجنة التي تمثلها، مقارنة بما تحققه اللجنة العسكرية (5+5)، قائلة "احترامي وتقديري لعمل لجنة الـ 10 المتجرد من المصلحة الشخصية التي أصبحت المستنقع الآسن الذي يوشك أن يغرق ليبيا بأسرها".
وأضافت، "نعم وبلا شك ستتحمل لجنة الـ 75 وزر أي حرب جديدة، ونحن نرى جل أعضائها يتشبثون بمركزية بشعة تجاوزها الزمن ويرفضها الفكر الإنساني المنفتح".
وتابعت، "هؤلاء يخوضون اليوم معركة يشحذون سيوفها لنقل مجلس النواب المؤسسة السيادية الوحيدة في برقة إلى غدامس، والحقيقة أنهم يسعون إلى تفجير الحوار".