قبل أيام، كرّم رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وهو يرتدي القبعة اليهودية، الشابة المسلمة المحجبة الأولى التي شاركت في دورة لضباط الشرطة الإسرائيلية صابرين سعدي.
الصورة التي جمعتهما خلال حفل نُشرت في مختلف المواقع الإلكترونية الإسرائيلية تحت عنوان "إسرائيل في صورة"، لتُثار بعد ذلك موجة من الانتقادات اللاذعة، التي ترفض أن تكون تل أبيب تمثل الديمقراطية والمساواة، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء الفلسطينيات والعربيات اللواتي يحملن الجنسية الإسرائيلية، في حين تؤكد القوانين الإسرائيلية في مجملها المساواة من دون تمييز في الدين والقومية والمنشأ والجنس والمكانة الشخصية والسن والميول الجنسية أو المحدودية.
الأدنى عالمياً
في المقابل، كشفت دراسة بحثية أعدها طاقم المنتدى الاقتصادي العربي في إسرائيل (غير حكومي) أن المرأة الفلسطينية (المواطنة) تمتلك واحدة من أقلّ النسب في العالم من حيث المشاركة في سوق العمل، إذ لا تتجاوز نسبة انخراطها في السوق الإسرائيلية 30 في المئة، بينما تستحوذ نظيرتها اليهودية على أكثر من 70 في المئة من السوق، وهي واحدة من أعلى النسب عالمياً، في حين أن هذه المشاركة تصل إلى 78 في المئة بين النساء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفي الولايات المتحدة.
وتقول رئيسة لجنة مكانة المرأة في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عايدة توما لـ"اندبندنت عربية"، "على الرغم من التصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين بأن تل أبيب تعزز من مكانة المرأة العربية في فرص توظيف وغيرها من دون تمييز، فإن تلك التصريحات لم تُترجم على أرض الواقع، وبدلاً من ذلك، تعاني الفلسطينيات (المواطنات) الفقر والتهميش والتمييز على يد الحكومة الإسرائيلية، إذ إن 3 من كل 4 نساء عربيات خارج سوق العمل، مقارنة بامرأة واحدة فقط من كل 4 نساء يهوديات، وفقاً لدراسة طاقم المنتدى الاقتصادي العربي في إسرائيل".
وتضيف "كما أن عدداً كبيراً من النساء العربيات فقدن وظائفهن خلال جائحة كورونا، لتزيد نسبة البطالة بينهن بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية، وكذلك العوامل المتعلقة بالسياسة العامة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وسياسة التمييز والإقصاء، مهمة في تفسير الفجوة بالمشاركة في سوق العمل بين العربيات (مسلمة، مسيحية، درزية) واليهوديات، فالحكومات المتعاقبة تتباطأ في تطوير البلدات العربية، وإنشاء مدن صناعية داخل المجتمع العربي، تمكّن النساء الفلسطينيات والعربيات من العمل في أماكن قريبة منهن، إذ إن معظم الوظائف المتاحة في منطقة المركز(الوسط)، وهناك محدودية في شبكات وسائل النقل العام وغيرها، من مرافق البنية التحتية الأساسية التي قد تسهّل على النساء الفلسطينيات الذهاب إلى العمل في مناطق بعيدة. وهناك نقص كبير في حضانات الأطفال في المناطق الفلسطينية ودور الرعاية المسائية، ما يعوّق ولوج المرأة الفلسطينية الطموحة في سوق العمل الإسرائيلية".
موازنات وخطط
وفقاً لوزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، وافقت الحكومة في يناير (كانون الثاني) 2016 على الخطة الخمسية رقم 922، التي تعهدت فيها باستثمار قرابة 5 ملايين دولار في التنمية الاقتصادية للمجتمع العربي في إسرائيل في الأعوام 2016-2020، مع تخصيص 3 ملايين دولار للبنى التحتية والمجتمع المحلي، وتعزيز السلطات المحلية والتعليم والتعليم العالي، بينما تم تخصيص 1.3 مليون دولار للتعليم التفاضلي (يأخذ في الاعتبار الفروقات بين الطلاب وفقاً لأنماط تعلمهم (سمعي – بصري – حسي) في المجتمع العربي.
تعقيباً على ذلك، توضح توما "من غير المقبول أبداً الحديث حول مخصصات أو تدريبات، أو موازنات وكأنها مجهود عظيم من الوزارات يتم منحة للعرب، بل هي واجب مفروض على الدولة الإسرائيلية التي تتلقى الضرائب، وعليها أن تُدخل المجتمع العربي، بخاصة النساء في سوق العمل، لرفد الاقتصاد وليس لرفع العتب فقط وأمام الإعلام. هناك مجالس وتنظيمات وجمعيات عربية فلسطينية مهمة ومتمكنة، من شأنها تمكين النساء في المجتمع العربي وتطويرهن، لكن الموازنات التي يتم الحديث عنها هي ادعاءات لا أكثر، كما أنها لا تذهب بالكامل لتنفيذ المعلن عنه، فهناك تحديات جسيمة على المجتمع العربي".
تقليص حالة انعدام المساواة
في المقابل، قالت وزيرة المساواة الاجتماعية الاسرائيلية ميراف كوهين خلال جلسة لجنة شؤون المجتمع العربي قبل أسابيع عدة: "تم تخصيص 90 في المئة من موازنة الخطة 922 (خطة اقتصادية خمسية للمجتمع العربي)، للاستثمار في المجتمع العربي"، وبحسب أقوالها "فإن ثمن عدم دمج المجتمع العربي في الاقتصاد الإسرائيلي يكلف خسارة نحو 13 مليون دولار سنوياً، بالتالي هنالك مصلحة لدى الجميع في تقليص حالة انعدام المساواة."
وأضافت كوهين أنه في إطار الخطة، "أُزيلت عراقيل لبناء جديد في البلدات العربية. وفي هذا الإطار، سيتم وصف خمس بلدات عربية أخرى بأنها ’بلدات استراتيجية‘، وهذه بلدات كبيرة تحتاج إلى تخطيط وتطوير بحجم أكبر، وستحصل على موازنات للتطوير. وستعمل وزارة المساواة الاجتماعية والمتقاعدين على بلورة خطة خمسية جديدة لتطوير اقتصاد المجتمع العربي للأعوام 2022 – 2026".
في حين أكدت ممثلة وزارة المالية الإسرائيلية معيان سفيباك أن السلطات المحلية العربية لم تتعود على تلقي موازنات تطوير، بالتالي لم تعرف كيف تقوم باستغلال هذه الموازنات. وبحسب أقوالها "هناك سلطات محلية لا تستغل عشرات ملايين الشواكل للمشاريع، ومن أجل التعامل مع هذا المعوق، خُصّصت وظائف لموظفي ارتباط في السلطات المحلية من أجل المساعدة في استنفاذ الموازنات".
تطوير ودمج
في سياق متصل، لفت تقرير وزارة العمل والرفاه الإسرائيلية عام 2019، إلى أن العوامل المؤثرة في تشغيل النساء العربيات هي التعليم وإتقان اللغة العبرية، إذ إن 60 في المئة تقريباً من العربيات لا يحملن شهادات أعلى من شهادة البجروت (الثانوية العامة)، ووفقاً للتقديرات، فإنه سيطرأ انخفاض كبير على وظائف السكرتارية وإدارة المكتب، مقابل ارتفاع في الطلب على مهن مثل الهندسة والحاسوب، لاسيما في مجال تصنيع الرقائق الإلكترونية المحوسبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهة ثانية، ترى مديرة جمعية "كيان- تنظيم نسوي" رفاه عنبتاوي أن المجتمع العربي في إسرائيل الذي يشكّل 21 في المئة من مجموع السكان، شهد تغييراً اجتماعياً هائلاً في العقود الأخيرة، بخاصة الزيادة الملحوظة في التحصيل التعليمي بين النساء، إذ تجاوز التعليم الجامعي والأكاديمي للمرأة العربية 15 في المئة عام 2016، وأدى ذلك إلى جذب المزيد منهن إلى سوق العمل، لكن معدل انخراطهن لا يزال منخفضاً جداً مقارنة باليهوديات. وعلى الرغم من انخراط المرأة الفلسطينية في إسرائيل بنسب عالية في مجالَي التعليم والخدمات، إلا أنها تمكنت خلال الأعوام الأخيرة من النجاح في مجالات عمل غير تقليدية عدة مثل المحاماة والطب، علماً أن مشاركتها في السوق لم تواكب مستواها التعليمي، حتى حين تعمل فإنها تواجه فجوة في الأجور وتمييزاً مزدوجاً كونها تعيش في مجتمع أبوي ذكوري ومجتمع يميّز بين العرب واليهود.
كما أن النساء العربيات أكثر عرضة للتقاعد قبل عمر 55 سنة من النساء اليهوديات بنسبة 16.8 في المئة. وبحسب عنبتاوي، فإن الحكومة الإسرائيلية غير معنية أبداً بتطوير الجانب العلمي لدى العرب، إذ إنها لا توفر الأطر الملائمة لذلك، وعليها ضمن الموازنات وضع وتطوير برامج مشاريع تكنولوجية عصرية، لاستيعاب وتشجيع المزيد من النساء على الانضمام إلى عالم التكنولوجيا المتقدمة.
أولوية علمية تكنولوجية
قالت الباحثة الإسرائيلية هداس فوحس في مركز تئوب (معهد بحوث اجتماعية واقتصادية مستقل) في دراسة أجرتها أخيراً "على الرغم من أن جزءاً كبيراً من النساء العربيات الإسرائيليات يتخصصن في العلوم في المدارس الثانوية، فإن مواصلتهن لدراسة هذه المجالات في التعليم الجامعي منخفضة. حوالى 31 في المئة من النساء اليهوديات يدرسن العلوم في الجامعات، مقارنة بـ21 في المئة فقط من النساء المسيحيات العربيات، و22 في المئة من النساء الدرزيات، و9 في المئة فقط من النساء المسلمات. التحسن في الإنجازات التعليمية التي ضيّقت الفجوات بين النساء الإسرائيليات العربيات واليهوديات، لم ينعكس بعد بالدرجة ذاتها في التوظيف".
أهارون أهارون، رئيس هيئة الابتكار الإسرائيلية أوضح في تصريحات سابقة لـ"تايمز أوف إسرائيل" أن "العرب الإسرائيليين يمكن أن يشكلوا 20 في المئة من قوة التكنولوجيا المحلية".
وفقاً لتقرير هيئة الابتكار في إسرائيل لعام 2016، وضعت الحكومة عدداً من البرامج لمساعدة العرب الإسرائيليين على الاندماج في سوق العمل وصناعة التكنولوجيا الفائقة، في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي والحد من عدم المساواة في الدخل، لكن تبيّن أن 5.7 في المئة فقط من العرب الإسرائيليين من الجنسيين يعملون في صناعة التكنولوجيا الفائقة، و2 فقط منهم يعملون في البحث والتطوير.