وجه العالم المسؤول عن تطوير واحد من اللقاحين المضادين لفيروس "كورونا" في المملكة المتحدة دعوة إلى حكومة بلاده يحثها فيها على استثمار مزيد من الأموال في المنصة التكنولوجية الرائدة المستخدمة في ابتكار جرعته التحصينية.
فيما نال لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" الموافقة على استخدامه وجرى توزيعه في مختلف أنحاء العالم من أجل توفير الحماية من "كوفيد- 19"، لم يخطُ اللقاح الذي طورته "إمبريال كوليدج لندن" Imperial College London البريطانية على يدي العالم في المناعة البروفيسور روبن شاتوك أبداً أبعد من المرحلة الثانية من الاختبارات السريرية، وذلك بسبب نجاح برنامج التطعيم السريع في المملكة المتحدة.
يواصل الباحثون في "إمبريال كوليدج" تطوير لقاحهم، الذي يستند إلى تقنية التركيب الجيني "الحمض النووي الريبوزي" (اختصاراً "آر أن أي" RNA) على غرار النسختين المضادتين لفيروس "كورونا" "فايزر" و"موديرنا"، ويأملون في أن يُستفاد منه ذات يوم في مواجهة متحورات "كوفيد" الجديدة، وأمراض معدية أخرى، وحتى السرطان.
البروفيسور شاتوك أخبر "اندبندنت" إن لقاحه "يكتنز فائدة محتملة جيدة في علاج السرطان... ولكن يبقى ذلك نظرياً إلى حد كبير حالياً".
ولكن مع ذلك، يعتقد البروفيسور شاتوك أن على الحكومة البريطانية توظيف مزيد من الاستثمار في تقنية "الحمض النووي الريبوزي" المستخدمة في تصنيع اللقاحات، حرصاً على أن تواكب المملكة المتحدة التقدم الذي أحرزته دول أخرى في تطوير هذه المنصة التكنولوجية.
ويقول البروفيسور شاتوك إن "هذا الميدان العلمي يتطلب حتماً استثماراً إضافياً. أشعر بتفاؤل بأن ذلك سيتحقق، ولكن كي تكون المملكة المتحدة قادرة على المنافسة في هذا المجال، من الضروري قطعاً صب قدر أكبر التركيز والاستثمار فيه، مقارنة بما كانت عليه الحال سابقاً".
"أسمع ضوضاء إيجابية من وكالات التمويل والحكومة البريطانية، ولكن واضح أن هذه الضوضاء يجب أن تتحول إلى مال"، كما أضاف البروفيسور شاتوك.
على غرار لقاحي "فايزر- بيونتيك" الأميركي الألماني و"موديرنا" الأميركي، يستخدم لقاح "إمبريال كوليدج" التشفير الجيني "آر أن أي" كما يُسمى، الذي يوعز إلى الخلايا البشرية بأن تنتج (نسخة مصغرة من) التركيب الجيني البروتيني "سبايك" الموجود على سطح "سارس- كوف- 2".
هكذا، بعد اكتشافه ما يبدو أنه غزاة أجانب داخل الجسم، يبدأ الجهاز المناعي في العمل لإنتاج الأجسام المضادة والخلايا التائية T cells الضرورية. تترك هذه العملية وراءها مستوى قوياً من الحماية يسمح للجسم بالتصدي لعدوى الفيروس الحقيقي.
ولكن لقاح "إمبريال" فريد من نوعه، ذلك أنه يستخدم الحمض النووي الريبوزي الذي يستطيع تضخيم نفسه ذاتياً، ولا يكتفي بتشفير بروتين "سبايك" الموجود على سطح "سارس- كوف- 2"، بل أيضاً يتكاثر بمجرد حقنه في البشر. يقول البروفيسور شاتوك. في الحقيقة، "الأمر أشبه نوعاً ما بوجود آلة نسخ. بعد التضخيم، لديك الآلاف من تلك الإجراءات التي يصار إلى تمريرها لاحقاً"، وفق البروفيسور شاتوك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نظرياً، يعني ذلك أن الجرعات المطلوبة من لقاح "إمبريال" ستكون أصغر، من ثم ستكون التكاليف أقل وسيفسح في المجال أمام المصنعين لإنتاج إمدادات إضافية من الجرعات.
كذلك يعمل فريق "إمبريال كوليدج لندن" على أن يكون في المستطاع حفظ الجرعة التحصينية من لقاحه في درجات حرارة الثلاجة العادية. صار معلوماً أن لقاحات "الحمض النووي الريبوزي" المعمول بها راهناً تتطلب التخزين في درجات حرارة منخفضة جداً دون الصفر، ما يعني أن البلدان الفقيرة عاجزة عن تخزينها بسبب المتطلبات التقنية الباهظة التكلفة.
يقول البروفيسور شاتوك في هذا الصدد، "نركز فعلاً على صنع ما نعتقد أنه مستقبل لقاحات "الحمض النووي الريبوزي"، ونصب قسطاً كبيراً من ذلك التركيز على صناعة جرعات منخفضة الكلفة واستخدام أساليب ثابتة. الميزة المحتملة في لقاحنا الجرعة المتدنية منه. يمنحنا ذلك، وفق عملية الإنتاج عينها، كمية أكبر كثيراً من جرعات اللقاحات لتوزيعها".
ولكن على البروفيسور شاتوك وزملائه الآن كما يقول، "الاستفادة من الوقت وبذل الجهد، وجمع الأموال في سبيل تصنيع اللقاح بطريقة منهجية وصارمة. في نواحٍ عدة، اعترتنا في العام الماضي حماسة للاستجابة بسرعة كبيرة (وتصنيع لقاح يواجه كورونا)، وربما قبل أن تبلغ هذه التقنية مرحلة الاستعداد الكامل".
وانطلقت المرحلتان الأولى والثانية من تجارب لقاح "إمبريال" الصيف الماضي في غمرة السباق العالمي لتطوير جرعة فاعلة ضد "كوفيد- 19".
400 متطوع تقريباً، تراوحت أعمارهم بين 18 و75 عاماً، أخذوا جرعتين من اللقاح تفصل بينهما أربعة أسابيع.
كان من المأمول أن يتقدم اللقاح إلى المرحلة الثالثة من التجارب في بداية عام 2021، ثم الحصول على الموافقة في الصيف. ولكن، قال البروفيسور شاتوك إن فريقه سيتريث الآن في تطوير اللقاح والتأكد من صناعته بالشكل الصحيح.
ويذكر أن "شركتا "موديرنا" و"بيونتيك" أنفقتا 10 سنوات في ممارسة هذه الصناعة وخوض تجارب سريرية عدة للوصول إلى المرحلة التي حصلتا فيها على (لقاح) فائز. أما نحن فلم يتوفر لنا هذا الترف".
لا يفترض البروفيسور شاتوك أن (تطوير لقاحه) "سيستغرق 10 سنوات، ولكننا في مرحلة يجدي فيها الحمض النووي الريبوزي التقليدي نفعاً، ولدينا فهم جيد وفكرة حول الكيفية التي تعمل بها هذه التكنولوجيا الجديدة في البشر".
"ندرك أن (اللقاح) تلزمه بعد تحسينات عدة، ولكن يمكننا أن نرى مساراً لتنفيذها خلال السنتين المقبلتين"، كما يوضح البروفيسور شاتوك.
ويأمل البروفيسور شاتوك أنه في حال حصول فريقه على التمويل اللازم لاختبار تلك التعديلات على البشر، سيكون اللقاح متاحاً للاستخدام ضد متحورات "كوفيد" الجديدة خلال السنتين المقبلتين.
© The Independent