في عام 2010، وصفت مذكرة داخلية للبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أفغانستان بأنها "سعودية العالم بالنسبة إلى معدن الليثيوم"، في إشارة إلى ريادة السعودية في قطاع إنتاج وتصدير النفط في العالم. واستندت المذكرة، حسب ما كشف موقع "كوارتز" الإخباري الأميركي قبل أيام، إلى اكتشافات الجيولوجيين الأميركيين الثروة الهائلة غير المستغلة من المعادن النادرة في أفغانستان.
في وقت سابق من هذا العام، قدر تقرير في موقع "ذا هيل" الإخباري الأميركي حجم الثروة المعدنية في أفغانستان بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار. وكانت التقديرات العام الماضي لحجم الثروات المعدنية في باطن الأراضي الأفغانية بين تريليون وثلاثة تريليونات دولار. وأكد ذلك أحمد شاه كاتاوازي، الدبلوماسي السابق في السفارة الأفغانية في واشنطن، كما نقلت عنه مجلة "ذا ديبلومات".
وحسب نتائج أبحاث الجيولوجيين الأميركيين المذكورة في تقارير وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون، تحوي الصحراء والجبال الأفغانية كميات كبيرة من معادن الأرض النادرة مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس، إضافة إلى كميات من الزئبق والزنك والفضة والذهب والألمنيوم والنيوداميوم والسيريوم واللانثانوم وغيرها. وأهم تلك المعادن النادرة هو الليثيوم، الذي ارتفع الطلب العالمي عليه في السنوات الأخيرة بنحو 40 ضعفاً.
مخاوف أميركية
تخشى الولايات المتحدة من تقارب بين بكين وحركة "طالبان" يسمح للصينيين باستغلال الثروات المعدنية في الأراضي الأفغانية، بخاصة المعادن النادرة التي تعد مكوناً أساسياً في صناعات الاقتصاد الأخضر في السنوات المقبلة. فالليثيوم مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية وحفظ الطاقة من المصادر المتجددة كالشمس والرياح. والكوبالت والنحاس معادن أساسية في أغلب الصناعات التكنولوجية.
وفشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى السنوات الماضية في استغلال تلك الثروات المعدنية الأفغانية، كما يخلص كثير من المحللين والمعلقين. ويرجع هؤلاء السبب إلى الفساد الهائل وإلى عدم وجود حكومة مستقرة في كابول، إضافة إلى استمرار الصراعات المسلحة بين قوات الحكومة المدعومة من أميركا وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومقاتلي حركة "طالبان" وأمراء الحرب الآخرين.
وحسب تقرير فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة المقدم لمجلس الأمن في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بلغت حصيلة حركة "طالبان" من عمليات التعدين غير القانونية في المناطق الخاضعة لسيطرتها ما يقارب نصف مليار دولار (464 مليون دولار) عام 2020. وذلك من نحو 280 موقع تعدين موزعة على 26 إقليماً تحت سيطرة حركة "طالبان". هذا في الوقت الذي لم تمتد فيه سيطرة الحكومة الأفغانية سوى إلى 281 منطقة تعدين في 16 إقليماً أفغانياً. بينما سيطر أمراء الحرب الآخرون على 148 موقع تعدين في 12 إقليماً أفغانياً.
ومع سيطرة "طالبان" على الحكم، ستضم تلك المواقع التعدينية التي كانت تحت سيطرة الحكومة إلى المواقع التي خضعت لسيطرتها من قبل. وإن كان من غير الواضح كيف ستسيطر على مواقع التعدين المتبقية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات مقاتلة أخرى.
الصراع مع الصين
أكثر ما يقلق الأميركيين الآن هو أي تقارب صيني مع "طالبان"، يعطي الصينيين فرصة استغلال تلك الثروات المعدنية الثمينة. وتعد الصين أكبر منتج لمعدن الليثيوم في العالم، لكن تطوير صناعاتها الإلكترونية وتلك الضرورية للاقتصاد الجديد الصديق للبيئة تجعل الطلب الصيني يفوق كثيراً إنتاجها من تلك المعادن النادرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا في الوقت الذي تسعى فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تطوير الاقتصاد الأميركي في قطاع الصناعات الصديقة البيئة وغيرها من مكونات الاقتصاد الأخضر، التي تزيد من الاحتياجات لتلك المعادن النادرة بشكل كبير، ولأن الصين في علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم غير معنية بقضايا يثيرها الأميركيون والغرب عموماً مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، فإن فرص بكين للوصول إلى الثروات المعدنية الأفغانية أكبر بكثير من فرص الأميركيين والغرب.
في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الأميركية قبل يومين، حذرت مديرة قطاع ديون الأسواق الصاعدة في شركة "أليانس برنستاين"، شمايلا خان، من وجود الثروة المعدنية غير المستغلة في أفغانستان تحت يد حكم "طالبان". وتخشى الولايات المتحدة من أن وجود الحركة في الحكم في كابول قد يحرم شركاتها من استغلال تلك الثروات المعدنية الهائلة.
وقالت خان "يتعين أن تكون هناك مبادرة دولية لضمان أنه إذا قامت أي دولة باستغلال الثروة المعدنية (الأفغانية) لصالح طالبان، فإنها ملزمة بالقيام بذلك تحت شروط إنسانية صارمة بمعنى احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة... لذا يجب أن تكون هناك ضغوط على الصين. إذا كانت ستتحالف مع طالبان لتوفر لها دعماً اقتصادياً، فعليها أن تفعل ذلك طبقاً للمعايير الدولية".
وإذا نجحت الصين في الوصول إلى مصادر الثروة المعدنية الأفغانية، فسيكون ذلك ضربة قوية للاقتصاد الأميركي، بخاصة في القطاعات الصاعدة مثل الاقتصاد الأخضر والذكي.
وتتفوق الصين بالفعل في هذا المجال. فوفق أحدث أرقام المسح الجيولوجي الأميركي، توجد 35 في المئة من الاحتياطات العالمية للمعادن النادرة في الصين، أي أنها تملك أكبر احتياطات في العالم. وفي عام 2018، أنتج قطاع التعدين في الصين نحو 70 في المئة من تلك المعادن، ليصل إنتاجه إلى 120 ألف طن متري منها. في المقابل، كان الإنتاج الأميركي من المعادن النادرة في ذلك العام عند 15 ألف طن متري فقط. وبينما لا تزيد الاحتياطات الأميركية من المعادن النادرة على 1.4 مليون طن متري، تزيد الاحتياطات الصينية منها على 44 مليون طن متري.
ويبقى الرهان الآن على مدى قدرة حركة "طالبان" على بسط سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، بخاصة مواقع التعدين المنتشرة في الأقاليم المختلفة ويخضع بعضها لسيطرة جماعات مناوئة لها.