لوقت طويل كان الحديث عن موضوع التحرش الجنسي يعد من المحرمات، ويجب ألا يتم التطرق إليه، إلى حد أن استخدام كلمة "تحرش" دخلت حديثاً قاموس التداول الاجتماعي. وكان موضوع التحرش من التابوهات حتى في المجتمعات الغربية، حيث كانت النساء يتحفظن عن الحديث عنه، لأنه يعرضهن للإحراج، خصوصاً أن أغلب الحالات تأتي من زملاء مقربين تعمل النساء معهم، أو حتى من الأقارب والمديرين في العمل. ونشطت في الآونة الأخيرة جمعيات وحملات إعلامية كثيرة تشجع النساء والفتيات على البوح وتحطيم حاجز الصمت المحيط بظاهرة التحرش الجنسي، لا سيما بعد أن تبين حجم تفشي هذه الظاهرة، بحيث لا يمكن السكوت عنها، أو التظاهر بعدم وجودها. والخطير أن هذا الأمر كان يحدث يومياً أمام أعين الجميع، ولكن لنقص التوعية كانت بعض النساء، إما يصمتن اعتباراً منها أن ذلك طبيعي في مجتمع ذكوري مسيطر، أو تهادن خوفاً من خسارة مركز أو وظيفة، أو استحياءً تحت تسميات "العيب" والحرام الموجودة في المجتمعات العربية، علماً بأن ظاهرة التحرش الجنسي تشمل الرجال أيضاً. فالجدير ذكره أن مصطلح "التحرش الجنسي" ظل غير معلوم للكثيرين (خارج الدوائر الأكاديمية) حتى بداية التسعينيات، عندما أدلت أنيتا هيل، وهي السيدة التي اعتذر منها الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد 30 عاماً، والتي كانت ضحية تحرش جنسي (عام 1991) من قبل كلارينس توماس، المرشح للمحكمة العليا في الولايات المتحدة حينها، واستجوبتها اللجنة البرلمانية التي كان يقودها بايدن في ذلك الحين بعدوانية. وبعد شهادة هيل، زاد عدد شكاوى التحرش الجنسي في أميركا وكندا بنسبة 58 في المئة.
أشكال ونسب التحرش
بحسب إحصاء أجرته مؤسسة "تومسون رويترز" عام 2018، يقول إن نسبة انتشار التحرش اللفظي تصل إلى 29 في المئة، أما الجسدي تصل إلى 18 في المئة، كما سجلت مصر أعلى معدلات التحرش في العالم العربي، حيث وصلت نسبة التحرش بالنساء إلى نحو 90 في المئة، خصوصاً الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 17 و28 عاماً، أما نسبة تعرض الرجال في مصر للتحرش تصل إلى 27 في المئة. واعتبر التقرير أن القاهرة أخطر مدينة على النساء. وجاء المغرب في المرتبة الثانية في نسبة التحرش الجنسي للنساء، إذ وصلت النسبة إلى 89 في المئة، لا سيما للفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 17 و28 عاماً أيضاً، ونسبة التحرش بالرجال 16 في المئة. أما في لبنان فقد وصلت نسبة التحرش إلى 29 في المئة، وبلغت نسبة التحرش بالسيدات إلى 40 في المئة، للفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 17 و28 عاماً، والتحرش بالرجال بنسبة 22 في المئة. وفي فلسطين تصل نسبة التحرش بالنساء إلى 31 في المئة، و19 في المئة بالنسبة للرجال. وفي الأردن بلغت النسبة 55 في المئة للنساء، و11 في المئة للرجال.
وعالمياً، فإن واحدة من أصل ثلاث سيدات تتعرض لهذا الفعل الجرمي كل يوم، أما في الدول العربية فتصل نسبة التحرش بالنساء بشكل يومي إلى 37 في المئة، وهناك دراسات أخرى تؤكد أن النسبة الحقيقة أكبر من هذه بكثير. ويتدرج التحرش الجنسي من الكلمات غير المرغوب بها، إلى الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك جسداً أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك، أو أنه مجرد جسد. كما أنه قد يأخذ أشكالاً مختلفة، من خلال التحديق، أو النظر بشكل غير لائق إلى جسم شخص ما، وأجزاء من جسمه وعينيه، وأحياناً التعابير التي تظهر على الوجه تحمل إيحاءات جنسية كالغمز، وما إلى ذلك من حركات خادشة للحياء، وكذلك التصفير والهمس أو أي نوع من الأصوات ذات الإيحاءات الجنسية، قد تندرج في هذا الإطار، بالإضافة إلى إبداء ملاحظات جنسية عن جسد أحدهم أو ملابسه أو طريقة مشيه أو تصرفه، وإلقاء النكات أو الحكايات الجنسية أو طرح اقتراحات جنسية أو مسيئة.
كذلك، يكون التحرش بتتبع شخص ما، سواء بالقرب منه أو من على مسافة مشياً أو باستخدام سيارة بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أو الانتظار خارج مكان عمل أو منزل أو سيارة أحدهم، والدعوة الصريحة لممارسة الجنس ووصف الممارسات الجنسية أو التخيلات الجنسية، ومنها طلب رقم الهاتف، خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتوجيه دعوات للخروج أو تناول العشاء، أو اقتراحات أخرى قد تحمل طابعاً جنسياً بشكل ضمني أو علني، إضافة إلى التدخل في عمل شخص ما أو شؤونه من خلال السعي لاتصال غير مرحب به، والإلحاح في طلب التعارف والاختلاط، أو طرح مطالب جنسية مقابل أداء أعمال، أو غير ذلك من الفوائد والخدمات، وتقديم الهدايا بمصاحبة إيحاءات جنسية، أو الإصرار على المشي مع الشخص أو توصيله بالسيارة إلى منزله أو عمله على الرغم من رفضه.
أما التحرش عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فيكون عبر القيام بإرسال التعليقات والرسائل أو الصور والفيديوهات غير المرغوب بها أو المسيئة أو غير اللائقة عبر الإيميل، أو عرض صور جنسية، سواء عبر الإنترنت أو بشكل فعلي، وصولاً إلى اللمس أو محاولة الاحتكاك بشخص ما، والتهديد والترهيب بما فيها التهديد بالاغتصاب.
وهناك التحرش الجنسي الجماعي، ويكون عبارة عن تحرش من قبل مجموعة كبيرة من الأشخاص تجاه فرد أو أفراد عدة، وما حصل في باكستان في وقت سابق من الشهر الحالي، يجسد الظاهرة بشكل علني وصارخ، حين أقدم أكثر من 400 شاب بالتحرش بإحدى مشاهير السوشيال ميديا أثناء تصويرها فيديو "تيك توك". وقالت الشرطة الباكستانية إن فتاة تعرضت لاعتداء عنيف وتمزيق ملابسها أثناء تصويرها فيديو الـ"تيك توك" في إحدى الحدائق العامة في مدينة لاهور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحرش الجنسي جريمة
وتشير إحصائية نشرها موقع (World Population Review) عام 2020، إلى أن نحو 35 في المئة من النساء حول العالم عانين بعض أشكال التحرش الجنسي، وأن 40 في المئة فقط يطلبن المساعدة، وأقل من 10 في المئة يلجأن للقانون لإنصافهن. وقادت جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة، تظاهرات كثيرة مطالبة الحكومات بضرورة اتخاذ خطوات فعالة لسنّ قوانين من شأنها مكافحة العنف المتزايد ضد النساء بشكل خاص في أماكن العمل. وأدّت نحو 60 امرأة تونسية، في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أمام مقر الحكومة أغنية "المغتصب هو أنت"، أو "مغتصب في طريقك"، والتي ظهرت للمرة الأولى في تشيلي قبل أن تنتشر في أنحاء العالم كنشيد احتجاجي نسوي ضد الاغتصاب والتحرش والتمييز، الذي تعانيه المرأة. وأشعل هذه الحملة قيام فتاة تونسية بنشر صور التقطتها لنائب منتخب حديثاً تزعم أنه كان يقوم بحركات جنسية على الملأ داخل سيارته أمام إحدى المدارس. وجاء تقديم أغنية "المغتصب هو أنت" في تونس بعد عشرات العروض المماثلة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك باريس ومدريد وبيروت ونيويورك.
وتختلف عقوبة التحرش القانونية باختلاف السلطة القضائية. فبحسب الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يحدث التحرش في عديد من البيئات الاجتماعية المختلفة، مثل أماكن العمل، والمنزل، والمدرسة، والأماكن الدينية، وغيرها. أما في الولايات المتحدة فهو يعد ممارسة توظيف غير قانونية وانتهاكاً للمادة السابعة من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، وهو القانون الفيدرالي للمساواة في فرص العمل، والذي ينص على منع العنصرية بناءً على خمس فئات وهي: الجنس، والعرق، واللون، والدين، والأصل الوطني. وعلى الرغم من وجود القوانين التي تمنع التحرش، فإنها لا تمنع المعاكسات البسيطة والتعليقات المسيئة. ويعد التحرش في العمل غير قانوني عندما يكون حاداً ومتكرراً، لدرجة خلق جو عمل عدائي وعدواني، أو عندما يؤدي إلى قرارات توظيف سلبية (كإنزال رتبة الضحية أو طردها أو استقالتها)، ولكن مع ذلك يختلف تعريف التحرش الجنسي باختلاف الثقافة والبلد.
ويعرف "المركز المصري لحقوق المرأة" التحرش الجنسي، بأنه "كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساساً بعدم الأمان".
وفي لبنان، كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أعلنت قبيل "اليوم العالمي للمرأة" في 8 مارس (آذار) 2021، أن القانون الجديد لتجريم التحرش الجنسي في لبنان لا يستوفي المعايير الدولية. فالقانون يكتفي بتناول التحرش الجنسي كجريمة، ويتجاهل التدابير الوقائية وإصلاحات قانون العمل والرصد وسبل الإنصاف المدني. وينبغي على الحكومة اللبنانية أن تتبنى مقاربة شاملة، بما فيها المصادقة على "اتفاقية منظمة العمل الدولية في شأن القضاء على العنف والتحرش" وتطبيقها. وكان لبنان قد أقر في 21 ديسمبر 2020، "قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه".
إحصائيات عالمية عن الاستغلال الجنسي
تتعرض واحدة من ﺛﻼث ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ الجسدي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال حياتهن، ويكون ﻓﻲ معظم اﻷﺣﻴﺎن من قِبَل الشريك، بحسب تقرير الأمم المتحدة نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
52 في المئة فقط من النساء المتزوجات أو المرتبطات يتمتعن بحرية اتخاذ قراراتهن في شأن العلاقات الجنسية واستخدام وسائل منع الحمل والرعاية الصحية.
750 مليون امرأة حول العالم تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18، في حين خضعت 200 مليون امرأة وفتاة لتشويه الأعضاء التناسلية (ختان الإناث).
واحدة من كل اثنتين من النساء اللاتي قُتلن في العالم على أيدي الشريك أو أسرهن في عام 2017، بينما قُتل واحد فقط من بين 20 رجلاً في ظروف مماثلة.
71 في المئة من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هن من النساء والفتيات، وثلاث من أصل أربع من هؤلاء النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال الجنسي.