في الوقت الذي تحاول "طالبان" التحول "غير المستقر" من حركة تمرّد إلى حكومة فاعلة، تواجه أفغانستان خطراً متزايداً بحدوث انهيار مالي بعد دعمها على مدى العقدين الماضيين من خلال المساعدات الخارجية التي تمثل قرابة نصف اقتصادها.
وسيُحديد مصير الاقتصاد الأفغاني من خلال القرارات التي ستتخذها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والدول الأخرى في شأن الاعتراف بحكومة "طالبان".
في غضون ذلك، تغلق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تدفق الأموال، تاركين أفغانستان في قبضة العقوبات التي كانت تهدف إلى عزل "طالبان" عن النظام المالي العالمي. ويقول محللون إن الصدمة التي تلوح في الأفق تهدد بتضخيم أزمة إنسانية في بلد عانى خلال أعوام من الحرب.
وظهرت علامات التوتر هذا الأسبوع مع انخفاض قيمة العملة الأفغانية إلى مستويات قياسية، في وقت حذّر محافظ البنك المركزي في البلاد أجمل أحمدي، من أن التضخم ربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
في الوقت ذاته، فإن الولايات المتحدة التي ضخت تريليون دولار وحدها في أفغانستان على مدى 20 عاماً، تحركت لمنع وصول "طالبان" إلى احتياطيات البلاد الدولية البالغة 9.4 مليار دولار. وعلّق صندوق النقد الدولي خططه لتوزيع أكثر من 400 مليون دولار من احتياطيات الطوارئ على البلاد.
وقال جاستن سانديفور، الزميل الأول في مركز التنمية العالمية لـ"نيويورك تايمز"، "على المدى القصير، من المحتمل أن تكون الأوضاع كارثية". وأضاف "أنت تنظر في احتمال انهيار العملة والأزمة المالية التي يمكن أن تلحق ألماً حقيقياً بالناس العاديين".
وكان الاقتصاد الأفغاني يواجه تحديات خطيرة، وبدأ الدعم الدولي بالتراجع حتى قبل استيلاء الحركة على السلطة.
انعدام الأمن الغذائي
في حين أدى الانسحاب الأولي خلال العام الماضي للقوات الأميركية والمتعاقدين الحكوميين الذين أسهموا في القاعدة الضريبية في أفغانستان، إلى استنفاد الإيرادات عندما كانت البلاد، مثلها مثل معظم البلدان، تتعامل مع جائحة فيروس كورونا. وأشارت خدمة أبحاث الكونغرس هذا العام إلى أن 90 في المئة من سكان أفغانستان يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، محذّرة من أن فقدان الدعم الأميركي سيضعف أحد أصغر الاقتصادات في العالم.
وفي أواخر عام 2020، تعهّد المانحون الأجانب الذين اجتمعوا في جنيف بتقديم 12 مليار دولار كمساعدات لكابول على مدى الأعوام الأربعة المقبلة، بانخفاض 20 في المئة عن السنوات الأربع السابقة. في حين وضع بعض وكالات الإغاثة شروطاً جديدة على منح الأموال ومنها في مجال حقوق الإنسان وفي محادثات السلام بين الحكومة و"طالبان".
وتتزايد المخاوف بشأن انعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يؤدي الجفاف الذي يلوح في الأفق إلى تفاقم الأمور.
وكتب البنك الدولي في تقريره بشأن التنمية في أفغانستان، الذي نُشر في أبريل (نيسان) 2021، أن "انسحاب القوات الأميركية، أو التخفيضات في دعم المنح الدولية لقوات الأمن الأفغانية، ستكون لهما مجموعة من الآثار غير المتوقعة على الأمن والتماسك السياسي والاقتصاد". وأضاف البنك "لا يزال الحيز المالي مقيّداً بشدة في سياق ضعف أداء الإيرادات وتراجع المنح الدولية".
وعلى الرغم من أن عجز الموازنة في أفغانستان كان منخفضاً نسبياً كحصة من اقتصادها، حذّر البنك الدولي من أن البلاد كانت "في خطر كبير من ضائقة الديون الخارجية والشاملة" بسبب اعتمادها على المنح الأجنبية وانخفاض الصادرات.
وأجلى البنك الدولي، الذي قدّم أكثر من 5.3 مليار دولار لمشاريع التنمية وإعادة الإعمار الطارئة في أفغانستان منذ 2002، موظفيه وأسرهم إلى إسلام آباد، في باكستان، هذا الأسبوع. ولم يعلّق متحدث باسمه على مستقبل عمل المجموعة في البلاد.
عائدات "طالبان" من المصادر غير المشروعة
وأشار بول كاداريو، المسؤول السابق في البنك الدولي، إلى أن القضية الرئيسة تتعلّق في قدرة "طالبان" على تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تمولها مجموعات التنمية الأجنبية والحفاظ على الخدمات العامة لخلق اقتصاد فاعل. مع ذلك، قال، لا يزال من غير المؤكد إذا كانت الحركة ستسمح بمواصلة العمل في المشاريع المتعلقة بالصحة العامة والتعليم، ولا يزال وضع المؤسسات الأساسية مثل إدارة الضرائب في طي النسيان.
ولم يستبعد كاداريو، وهو أيضاً زميل في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة في جامعة تورنتو، "احتمال استعانتها بأموال مصادر أخرى للدخل مثل الأفيون لدعم اقتصاد البلاد".
في حين أكد تقرير للأمم المتحدة في يونيو (حزيران) الماضي افتقار "طالبان" إلى الصدقية الاقتصادية، موضحاً بالتفصيل كيف يتم تمويلها من الأنشطة الإجرامية مثل تهريب المخدرات وإنتاج خشخاش الأفيون والابتزاز والاختطاف من أجل الحصول على فدية واستغلال المعادن. وقدّر التقرير أن عائدات الحركة من تلك الممارسات بلغت ما بين 300 مليون دولار و1.6 مليار دولار في السنة.
وقال أليكس زيردن، الملحق المالي في وزارة الخزانة الأميركية في سفارة الولايات المتحدة لدى كابول من 2018 إلى 2019، إنه سيتعيّن على واشنطن أن تقرر بسرعة كيفية فك علاقاتها المالية مع أفغانستان.
احتياطيات أفغانستان المحتحزة في أميركا
وكان الكونغرس خصص 3 مليارات دولار لصندوق قوات الأمن الأفغانية لعام 2021، فيما طلبت إدارة بايدن مزيداً من الأموال للعام المقبل. ومن المرجح أن تضغط "طالبان" للوصول إلى احتياطيات البلاد المحتجزة في الولايات المتحدة.
ويُتوقع أن يواجَه أي تحرك للإفراج عن الأموال بمقاومة سياسية شرسة من الجمهوريين. وحثت مجموعة من المشرعين الجمهوريين وزيرة الخزانة جانيت يلين، هذا الأسبوع، على منع صندوق النقد الدولي من منح "طالبان" حق الوصول إلى احتياطيات العملة الطارئة. وبشكل منفصل، كتب الجمهوريون في مجلس النواب إلى المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان يسألون عما إذا كانت المساعدة المستمرة لكابول قانونية وفي مصلحة الولايات المتحدة.
وكشف مسؤولون في إدارة بايدن عن أنهم يراقبون بعناية تصرفات الحركة وأنه من السابق لأوانه القول إذا ما كانت الولايات المتحدة ستعترف بالحكومة الجديدة على أنها شرعية.
العقوبات أقوى نفوذ
وتُعتبرالعقوبات أقوى نفوذ تملكه واشنطن وبقية العالم ضد "طالبان"، إذ تم توظيفها بقوة لمحاصرة تمويل الحركة وتقليص قدرة قادتها على السفر. في حين دعا اتفاق عام 2020 بين إدارة دونالد ترمب والحركة إلى مراجعة العقوبات الأميركية ضد هذه الأخيرة بهدف إزالتها، لكن إطاحة الحكومة الأفغانية يجعل هذا الأمر أقل احتمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال خوان سي زاراتي، المساعد الأول لوزير الخزانة في قضايا تمويل الإرهاب والجرائم المالية، "أفغانستان الآن في المجتمع الدولي في بحر من العقوبات المرتبطة بطالبان التي يعود تاريخها إلى 11 سبتمبر (أيلول)، وستكون العقوبات حاجزاً أمام الشرعية والنشاط التجاري مع طالبان والكيانات الأفغانية والاقتصاد".
ولم يكُن لدى وزارة الخزانة الأميركية أي تعليق للصحيفة في شأن إذا كانت بدأت مراجعة العقوبات المفروضة على "طالبان". وغالباً ما تقدّم الولايات المتحدة استثناءات للعقوبات من خلال التراخيص العامة للسماح بأنواع معينة من المعاملات لأسباب إنسانية.
عقوبات أشد إيلاماً من المفروضة على إيران
في حين ستكون أي عقوبات تُفرض على أفغانستان أكثر إيلاماً من تلك التي فرضتها أميركا على إيران، التي تتمتع باقتصاد أكثر تطوراً من أفغانستان، وتمكّنت من التهرب من القيود ومواصلة تصدير مئات الآلاف من براميل النفط.
وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على "طالبان"، ما زاد من تعقيد إلغائها حتى لو أرادت دول مثل الصين وروسيا التعامل مع أفغانستان. وستواجه جماعات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية صعوبة في العمل في أفغانستان أثناء سريان العقوبات.
وقال زاراتي إن العقوبات المفروضة على الحركة ربما ستُرفع إذا غيّرت سلوكها، لكن تاريخها في انتهاكات حقوق الإنسان والاعتماد على التمويل غير المشروع جعل ذلك غير مرجح.
وأضاف زاراتي، "أتصور أن الوضع سيزداد سوءاً ولن يتحسن"، مشيراً إلى أنه ستكون هناك دعوات في الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات... ولن يكون هناك كثير من التعاطف مع طالبان".