"الحرب سلسلة كوارث تفضي إلى النصر" قال مرة رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جورج كليمنصو في جملة شهيرة. ويمثل هذا القول مدخلاً مناسباً للتفكر بالرحلة الطويلة التي تخوضها الولايات المتحدة في سياق "الحرب على الإرهاب". إذ على مدى 20 عاماً كافحت واشنطن، وأخفقت في الغالب، بغية تقليص المستوى الإجمالي للإرهاب الدولي، وخلق مناخ سياسي أفضل في العالم الإسلامي. كما اتسمت هذه الرحلة التي تخوضها الولايات المتحدة، بالبطء، وقد تخللها ورطات عصيبة حادة ونكسات مذلة. لكن، في الجانب الأكثر أهمية، فإن الولايات المتحدة حققت هدفها الاستراتيجي. إذ إنها حالت دون تعرض أراضيها لهجمات مدمرة، وذاك تحقق بالدرجة الأولى لأنها غدت بالغة الخبرة في تدمير ملاذات الإرهابيين وتفكيك شبكاتهم.
ودفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لنجاحها هذا. إلا أن الثمن مع الوقت تراجع على نحو دراماتيكي، وذلك بموازاة قيام واشنطن بتطوير مقاربة عامة أفضل لمكافحة الإرهاب. إذ بعد خوضها في أفغانستان والعراق التزامات عسكرية مكلفة وغير قابلة للاستدامة [تعذر الحفاظ على المستوى نفسه من التدخل والإنفاق]، تتموضع الولايات المتحدة، وعلى نحو بالغ السرعة، عبر الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط الكبير، سامحة لتهديدات قديمة بمعاودة الظهور. لكن، منذ عام 2014 تقريباً، استقرت الولايات المتحدة على مقاربة نهج وسطي [غير مرئي] يستند إلى استثمارات معتدلة متواضعة قوامها تحديداً الاعتماد على عمليات القوات الخاصة وقدراتها الجوية، بغية دعم القوى المحلية التي تقوم بمعظم العمليات القتالية وتتكبد الخسائر في الأرواح. وهذه الأمور إذا عطفناها على الوسائل غير العسكرية، كالعمليات الاستخباراتية، وجهود تطبيق القانون والمساعدات الاقتصادية، فإن المقاربة تؤمن حماية جيدة نسبياً، وبثمن مقبول.
وتلك الاستراتيجية، القائمة على نهج وسطي، لا تمثل حلاً سحرياً. فهي لا تؤمن سوى حلول جزئية وغير مكتملة للمشكلات السياسية الكامنة وراء العنف المتطرف. كما أنها تقتضي تنازلات من ناحية أولويات أخرى، مثل التنافس مع الصين، وهي هشة سياسياً بسبب ارتباطها بحروب مديدة ومحبطة. إلا أن تجربة العقدين الماضيين تشير إلى أن تلك الاستراتيجية القائمة على أسلوب النهج الوسطي ما زالت أفضل الخيارات السيئة المتاحة أمام الولايات المتحدة الأميركية.
مكافحة إرهاب مستدامة
بالتأكيد لم تسلك الحرب على الإرهاب الوجهة التي كان يريدها صناع السياسة الأميركيون. إذ قليلون بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كان بوسعهم توقع أن الولايات المتحدة ستقضي عقدين من الأعوام تحارب في أفغانستان، وتغادر على وقع تقدم "طالبان" جديدة، وإنها ستجتاح العراق عام 2003، وتنسحب منه عام 2011، لتعاود بعد سنوات قليلة إرسال جنودها لتدمير خلافة مزعومة كانت الأخطاء السابقة التي ارتكبتها واشنطن أسهمت في إنتاجها، وإنها سوف تنفق ترليونات الدولارات وتضحي بأرواح الآلاف في معركة عالمية لا نهاية [لا قعر] لها ضد الإرهاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تلك الجهود وفق بعض الاعتبارات يمكن ببساطة اعتبارها فاشلة. إذ إن معدلات الإرهاب العالمية في الإجمال هي اليوم أعلى مما كانت عليه عام 2001. كما أنه، وبحسب الطريقة التي يعتمدها المرء، فإن عدد الهجمات الإرهابية والأشخاص الذين يقتلون سنوياً على يد إرهابيين في جميع أنحاء العالم هو أعلى بنسبة ثلاثة إلى خمسة مما كان عليه عام 2001، على الرغم من أن قلة من الضحايا هم أميركيون.
هذا الفشل أيضاً يعكس فشلاً آخر. إذ إن الولايات المتحدة لم تحقق سوى نجاح ضئيل نسبياً في تبديل الظروف السياسية الكامنة في الشرق الأوسط الكبير وفي أجزاء من أفريقيا. وفي أنحاء هذه المنطقة الشاسعة فإن مظاهر النمو السكاني المتسارع وغياب الفرص الاقتصادية، وتجذر إرث الفساد وسوء الحكم، قد ولدت حالة عدم استقرار وقمع. والتدخلات الأميركية الارتجالية، خصوصاً في العراق وليبيا، قامت في بعض الأحيان بمفاقمة الأمور وجعلها أكثر سوءاً. لكن، على الرغم من هذه الاخفاقات، حققت الولايات المتحدة هدفها الأهم في الحرب على الإرهاب، والمتمثل بمنع حصول هجمات بارزة على أرضها توقع الكثير من الضحايا. إذ على الرغم من تعرض إندونيسيا والسعودية وإسبانيا والمملكة المتحدة لهجمات إرهابية أساسية خلال السنوات الأربع التي تلت أحداث 11 سبتمبر، وتعرض أوروبا لعدد كبير من الهجمات بين 2014 و2017، فإن الولايات المتحدة لم تتكبد سوى 100 قتيل على يد إرهابيين إسلاميين متطرفين منذ 11 سبتمبر، وذاك يشكل جزءاً بسيطاً من عدد الأميركيين الذين قتلوا على يد آخرين خلال العقدين الأخيرين.
وقد حمت الولايات المتحدة نفسها عبر الجمع بين التشدد في إنفاذ القانون والاستخبارات، والجهود الدبلوماسية، وبين العمليات العسكرية ضد معظم التنظيمات الجهادية الأخطر. وقامت واشنطن مراراً، في كل من أفغانستان والعراق والصومال وسوريا وغيرها من الأمكنة، بتعطيل أو تدمير الملاذات المناطقية الآمنة التي أنشأها تنظيما "داعش" و"القاعدة"، وفروعهما وتوابعهما. وأدت تلك الجهود أيضاً إلى تطوير قدرة لا مثيل لها في تقويض المنظمات الإرهابية والقضاء على قادتها، وسحق مموليها ومسهلي أنشطتها وقادة عملياتها، وإبقائها تحت الضغط، فاقدة التوازن.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الدوليين استطاعوا قتل أو اعتقال 80 في المئة من قادة "القاعدة" وعناصرها في أفغانستان – وحين تربع قادة جدد مكان هؤلاء، فإنهم لم يلبثوا أن يلقوا المصير نفسه. ومسألة تمكن الولايات المتحدة من الحؤول دون وقوع هجمات أساسية على ترابها طوال العقدين المنصرمين تبقى موضوع سجال ساخن، لكن أحد الأجوبة على هذه المسألة يحمل جواباً واضحاً ويتمثل بأن الولايات المتحدة استطاعت أن تلحق بأعدائها خسائر فادحة، وهي أجبرتهم على التركيز أكثر على سبل النجاة، لا الازدهار والانتعاش والتمدد.
وقد جاء هذا النجاح مقابل ثمن يفوق كثيراً ما كان قد توقعه صناع القرار بدايةً – تقدير متحفظ يشير إلى قرابة 4 تريليونات دولار أنفقت على أكلاف مباشرة وغير مباشرة، و7 آلاف قتيل من الجيش الأميركي، وتشتيت انتباه الحكومة عن أولويات أخرى في السياسة الخارجية. لكن مستوى الإنفاق انخفض بمعدل لافت خلال العقد المنصرم. ومنذ 2015 فإن عدد الأفراد في الخدمة العسكرية الأميركية الذين قتلوا في معارك، لم يتجاوز العشرات أو أقل من ذلك سنوياً، مقارنة بالمئات الذين كانوا يقتلون في ذروة الحرب بالعراق وأفغانستان. كذلك، مقابل التكلفة التي كانت تتطلبها هاتان الحربان، تلك التكلفة التي بلغ مجموعها 200 مليار دولار في السنة، فإن التكلفة السنوية لحملة الولايات المتحدة على "داعش" من عام 2014 إلى 2019 لم تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات. ويكلف اليوم مجمل الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط الكبير، والذي يشمل مكافحة الإرهاب وغيرها من الأولويات، مثل كبح إيران، بين 50 و60 مليار دولار في السنة – أي نحو ثلث معدلات الذروة إبان آخر سنوات بوش ومطلع سنوات أوباما.
ومن ناحية لا تقل أهمية فإن الحرب على الإرهاب لم تعد جرحاً استراتيجياً ودبلوماسياً نازفاً. إذ فيما قامت واشنطن بتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط الكبير، فقد تمكنت من أن تغدو أكثر تركيزاً على الأولويات الأخرى. وباختصار، فإن الحرب على الأرهاب لم تعد تقتضي التكاليف التي كانت تتطلبها سابقاً، وذلك بالدرجة الأولى لأن الولايات المتحدة وجدت مقاربة مستدامة أكثر [القدرة على الحفاظ على المستوى نفسه من التدخل والإنفاق]، مقاربة تركز على إدارة المشكلات المستعصية، بدل حلها جذرياً، أو مجرد تركها على حالها.
تشذيب العشب
ولدت هذه الاستراتيجية أو المقاربة من طريق التجارب والأخطاء. إذ إن الولايات المتحدة خلال العقد التالي لواقعة 11 سبتمبر وجدت أن التدخلات التي تتطلب منها "حضوراً ثقيلاً"، كتلك التي اعتمدتها في العراق وأفغانستان، تمثل وصفة لاستنزاف عسكري واستراتيجي مستمر. في المقابل، فإن تخفيف الدور [دور خفيف] في مكافحة الإرهاب قد يستدعي انتكاسات كارثية. إذ عندما انسحبت الولايات المتحدة انسحاباً كاملاً من العراق عام 2011 تزامناً مع تخفيفها لعمليات مكافحة الإرهاب في أمكنة أخرى، خلقت فراغاً أمنياً خطيراً. فالانسحاب من العراق بالتحديد ترافق مع فوضى ولدتها الحرب الأهلية في سوريا، وأسهم في صعود تنظيم "داعش"، الذي غزا مناطق في سوريا والعراق وزعزع الاستقرار في شطر كبير من الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة بلغت أبرز أهداف الحرب على الإرهاب وأكثرها أهمية: الحؤول دون هجمات تخلف أعداداً كبيرة من الضحايا في البر الأميركي
والمحصلة تمثلت باستراتيجية "حضور متوسط" [دور وأثر متوسطي الوزن على مستويي الكلفة البشرية والمادية]، تسعى لأن تكون استراتيجية قوية ومحدودة في الوقت عينه. وتضمنت الاستراتيجية المذكورة استخداماً مباشراً للقوة العسكرية الأميركية – على وجه التحديد قوات العمليات الخاصة، والمسيرات (الدرونز)، وسلاح الجو الكلاسيكي – ضد تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية البارزة. بيد أن الاستراتيجية اعتمدت هذه الأدوات ووسائل أخرى (على غرار التدريب، والمهام الاستشارية، والاستخبارات، واللوجستيات) بالدرجة الأولى، لدعم القوى المحلية التي يمكنها تطهير الأراضي [من الإرهابيين] والسيطرة عليها والإمساك بمقاليدها.
وفي الصراع ضد "داعش"، مثلاً، فإن القوى الأمنية العراقية، قوات النخبة التابعة لبغداد في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى خليط متنافر من الحلفاء العرب والأكراد في سوريا، هم من وفروا غالبية القوى البرية التي قاتلت إلى جانب الأميركيين. وفي الوقت نفسه قام البنتاغون بتبني مقاربة مماثلة في أفغانستان، مستخدماً مزيجاً من العمليات العسكرية المباشرة، والدعم للقوى الحكومية بغية استهداف تنظيم "القاعدة" (و"داعش" في ما بعد) وإبقاء "طالبان" تحت المراقبة.
وقد سمحت هذه المقاربة للولايات المتحدة بالمحافظة على وجودها العسكري الذي تحتاجه في المنطقة كي تبقي الضغط على الجماعات المتطرفة، وأن تنقل الأكلاف البشرية والعسكرية الأكبر إلى شركائها وحلفائها. كما أنها حشدت الإمكانيات الأميركية الاستثنائية، مثل الطائرات المسيرة، وقوات العمليات الخاصة، كي تتيح الحملات العسكرية الأكبر. وهي أعادت النظر بالتوقعات السياسية غير الواقعية بالنسبة للدول المضيفة، واعدة فقط بتحسينات هامشية، مثل دعم قادة أقل طائفية [ليسوا من غلاة المذهبية] في العراق، وذلك كدفعات محتملة على الحساب لإصلاحات أعمق، ريثما تستقر الأمور. وفي الإجمال تبين أن استراتيجية "الحضور المتوسط" هذه قابلة أكثر للاستدامة، وأكثر تأثيراً وفعالية من كل ما سبق وجربته واشنطن.
وطبعاً ترتب على هذه الاستراتيجية الكثير من المشكلات. فهي فشلت في أفغانستان بتجاوز المأزق مع "طالبان". أما أفضل ما أنجزته هناك، فتمثل بإبقائها الضغط على "القاعدة" و"داعش"، ومنعها "طالبان" من إلحاق الهزيمة بالحكومة [هذا كان صحيحاً قبل الانسحاب الاميركي والغربي]. في سوريا، لم تستطع المقاربة الأميركية حل المشكلات الكامنة المتصلة بالحرب الأهلية الشرسة. كما أنها لم تتمكن من تحفيز التطورات الدراماتيكية الآيلة إلى استقرار سياسي وحوكمة فعالة كان من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بفك ارتباط آمن من هذه المناطق المتنازع عليها. ومقاربة "الحضور المتوسط" المذكورة تشبه ما يسميه القادة الإسرائيليون بـ "تشذيب العشب" – فثمارها تؤتى فقط إن طُبقت باستمرار، وإلى أجل غير محدد.
استراتيجية "الحضور المتوسط" قابلة أكثر للاستدامة وهي أكثر تأثيراً وفعالية من كل ما سبق وجربته واشنطن
وتلك الحاجة إلى الاستمرارية باتت مع الوقت تبدو أكثر عبئاً، كما أكده قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بالانسحاب من أفغانستان. إذ إن ضغط مسائل منطقة المحيطين الهندي والهادئ ازدادت إلحاحاً مع احتدام المنافسة الأميركية- الصينية. لأن الأكلاف الأولية للحرب على الإرهاب كانت عالية جداً، كما أنه بات من الصعب الحفاظ حتى على أكثر الالتزامات العسكرية انكماشاً [الصغيرة] من دون إثارة اتهامات خوض "الحروب الأبدية" التي لا طائل منها. وتبدو تجربة الزيادة العقيمة للقوات العسكرية في أفغانستان عام 2009، قد أثرت في قرار بايدن القاضي بإنهاء المهام العسكرية الأقل إرهاقاً هناك اليوم، تماماً مثلما أثرت السنوات المأساوية الأولى في العراق على قرار أوباما بسحب الجنود الأميركيين من ذاك البلد عام 2011.
مقاربة طويلة الأمد
وتلك الأولويات المتزاحمة وأكلاف الاستمرارية هي أمور حقيقية، لكنها ليست أسباباً تستدعي تخلي واشنطن عن مقاربتها الراهنة في مكافحة الإرهاب. السبب الأول يتمثل في أن المقايضة بين مكافحة الإرهاب وبين المنافسة على لقب القوة العظمى ليست لعبة صفرية [مكاسب على حساب خسائر]، وليست عصية على السيطرة والجمع بينها. فالالتزامات العسكرية التي تطلبها أمر استدامة التقدم في معركة مكافحة الإرهاب هي التزامات محدودة نسبياً. إذ إنها تتطلب بالتحديد بضعة آلاف من الجنود في بلد معين، معظمهم لا يواجهون معارك على الأرض على نحو اعتيادي، مدعومين بقوة جوية قادرة على تنفيذ آلاف الضربات في السنة بظروف معينة. تلك الالتزامات بالقوى العسكرية والمصادر لا تنتقص فعلياً من قدرة الولايات المتحدة في إظهار قوتها بالقارة الآسيوية، كما أن الوجود العسكري الأميركي الأوسع في الشرق الأوسط، بالحقيقة، يؤمن تفوقاً على الصين ويمنح واشنطن القدرة على خنق إمدادات الطاقة الصينية في حالة نشوب حرب، بالتالي هو وجود يعزز قوة الردع الأميركية.
إلى هذا، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحد الأدنى من الاستقرار في الشرق الأوسط الكبير – وإلى القدر الأدنى من الأمان إزاء التهديدات الإرهابية – كي يسعها التركيز، كما ينبغي، على التحديات التي تطرحها كل من الصين وروسيا. من دون هذين الاستقرار والأمان، تخاطر الولايات المتحدة في تكبد "تأثير (لعبة) الـ يويو" المخيف، حيث تقود انسحاباتها إلى تضافر المخاطر والتهديدات التي ستتطلب ساعتئذ تدخلات متجددة، ذات أثمان أكبر. وتلك وصفة للفشل في معركتي مكافحة الإرهاب والمنافسة على موقع القوة العظمى، على حد سواء.
التاريخ في السنوات العشرين الماضية يقول إن على الولايات المتحدة التأني وإنجاز الأمور بوتيرة مستقرة لتفادي الإرهاق السريع. فالتمدد المبالغ به يقود حتماً إلى الإحباط وإلى تبديد المصادر المحدودة. لكن الانسحاب المباشر والتام يمكنه تقويض جهود مكافحة الإرهاب ومصالح الأمن الإقليمية التي ما زالت مهمة للناخبين الأميركيين وللاستراتيجية الأميركية الدولية. إذ طالما استمر التهديد الإسلامي المتطرف بشكله الراهن، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى مقاربة في مكافحة الإرهاب تتيح لها تجنب التدخلات المنهكة التي تستنزف القدرات والانسحابات المؤذية.
أخيراً، ليس أمام الولايات المتحدة خيار سوى مقاربة طويل الأمد من ناحية الإصلاحات السياسية. إذ من دون مشاركة سياسية واسعة واستقرار سياسي في العالم الإسلامي، لن يكون هناك مهرباً من دوامة التهديدات وردود الفعل عليها التي أوقعت في شراكها آخر ثلاثة رؤساء أميركيين. لكن كما تعلمت الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، فإن السعي إلى تسريع دراماتيكي لوتيرة التغيير ينطوي على مخاطر هائلة وأكلاف باهظة. المقاربة العقلانية الوحيدة تتمثل في تعزيز التطورات البناءة في الهوامش، مع الاعتراف بأن الدافع الأول للإصلاح ينبغي أن يأتي من داخل المجتمعات الإسلامية نفسها. هذه الاستراتيجية تتطلب الصبر، لكن، كما يظهر تاريخ الحرب الباردة، فإن للولايات المتحدة القدرة على مزيد من الصبر الاستراتيجي، وربما أكثر مما يمنحها النقاد الفضل عليه أحياناً.
استراتيجية "الحضور المتوسط" [ ليست حلاً مثالياً لمشكلة الإرهاب الجهادي المستمرة. لكن ليس هناك حل مثالي. الدرسان الأكثر أهمية ربما خلال العشرين سنة الماضية هما أن جميع خيارات الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب كانت خيارات غير مثالية، وأنه مهما ساءت الأمور في الشرق الأوسط فإنها قد تسوء أكثر. واليوم مع بلوغ الولايات المتحدة مرحلة "جيلية" فاصلة في الحرب على الإرهاب، عليها الإقرار بالأخطاء – كذلك عليها أيضاً المحافظة على الاستراتيجية التي سمحت لها بمقدار لا بأس به من الصواب.
*هال براندز أستاذ كرسي في مركز هنري كيسنجر مختص في الشؤون الدولية في كلية جون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة، وباحث مقيم في معهد "أميركان إنتربرايز"، وكاتب رأي في بلومبيرغ.
**مايكل أوهانلون زميل أقدم ومدير البحوث في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز ومؤلف كتاب "مفارقة سينكاكو: المخاطرة بحرب القوة العظمى في سبيل مسائل صغيرة" The Senkaku Paradox: Risking Great Power War Over Small Stakes.
مترجم من فورين أفيرز، آب (أغسطس) 2021