توفي السياسي اليمني ونائب رئيس مجلس النواب السابق عبدالوهاب محمود، في العاصمة الأردنية عمّان بعد صراع طويل مع المرض.
ونعت جهات رسمية وسياسية محمود، واعتبرته أحد أبرز السياسيين اليمنيين الذين شاركوا في صنع التاريخ السياسي الحديث لليمن.
في رحاب البعث
كان عبدالوهاب من أقدم الذين انضموا إلى حزب البعث العربي، غير أنه يتعذر على الباحثين تعيين تاريخ دقيق لظهور فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن، لكنهم يفترضون أن الحزب تأسس في جنوب اليمن سنة 1956 وفي شماله 1958.
وفقاً للكاتب والباحث شاكر الجوهري، انضمت عناصر يمنية شمالية وجنوبية إلى حزب البعث في الأقطار العربية التي كانت توجد فيها، سواء للعمل أو الدراسة قبل تأسيس فرع حزب البعث في اليمن.
وتشكل حزب البعث باليمن في ظل الظروف التي رافقت قيام الوحدة المصرية السورية 1958، وساعدت أجواء الصراع والتحالفات في اليمن شماله وجنوبه على نشوء الحزب، ثم دخول عناصره لاحقاً في الحكومات التي تشكلت في اليمن الجنوبي والشمالي على السواء.
كان البعث حزباً واحداً في الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن)، غير أنه شهد صراعات سياسية وتنظيمية داخلية أفضت إلى انقسامه بعد حرب 1994 الأهلية التي شهدتها البلاد إلى حزبين، هما حزب البعث العربي الاشتراكي - قطر اليمن - (موالي لسوريا)، وحصل على قرار التسجيل لممارسة نشاطه في ديسمبر (كانون الأول) 1995 ورئيسه عبدالوهاب محمود وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي - قطر اليمن - (موالي للعراق)، وحصل على قرار التسجيل لممارسة النشاط في فبراير (شباط) 1997.
صراعات البعث
لكن في المقابل لم تخل حياة عبدالوهاب محمود من سلسلة من المعارك السياسية والصراعات والانشقاقات بين قيادات حزبه خلال العقدين الماضيين، كان أبرزها في أثناء المؤتمر العام الثالث للحزب سنة 2002، الذي عُقد في أجواء خلافات وصفت بأنها حادة، بيد أن قيادة الحزب قللت منها، قائلة "إنها إشكالات في المجال التنظيمي والفكري، واتخذت جملة من المعالجات والإجراءات بشأنها، بما يصون ويعزز تماسكه التنظيمي والفكري".
وقبيل اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، تعرض تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض الذي رأسه محمود لاتهامات جمة من الحكومة بوضع العراقيل والشروط التعجيزية، لإعاقة تنفيذ الاتفاقات المبرمة معها، في إطار مخطط مكشوف لعرقلة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، وإدخال البلاد في متاهات الفراغ الدستوري.
غير أن رئيس المجلس الأعلى لتكتل أحزاب اللقاء المشترك عبدالوهاب محمود، أكد حرصه المشترك على إزالة وترميم كل العقبات التي تقف أمام الحوار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهد البعث في 2012 صراعاً وانشقاقات بين قيادات الحزب وشبابه الذين أيدوا حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، على عكس موقف قيادة الحزب التي أيدت النظام السوري.
وجمد الحزب حينها ثلاثة من قياداته، ووُجهت إليهم اتهامات بتسلم أموال من دول أخرى، وتفاقم الصراع السياسي بين أجنحة الحزب على شرعية تمثيل الحزب.
في مقعد المعارضة
وفي مطلع 2010 ترأس عبدالوهاب محمود رئاسة تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تكون من مجموعة أحزاب اليسار واليمين معاً، وكان التكتل حجر الزاوية في مقارعة نظام صالح.
وعلى الرغم من تلك الزعامة السياسية، فإن محمود بحسب مراقبين كان لا يحب الأضواء، وعُرف عنه زهده في التعامل مع الصحافة ووسائل الإعلام، لكن في المقابل كان كثير الحركة والتواصل مع القوى السياسية بالسلطة والمعارضة لإخراج اليمن من أزمة أحداث 2011.
مكانة اجتماعية
وأشار مستشار رئيس الجمهورية عبدالملك المخلافي إلى أن اليمن خسر برحيل محمود أحد أبنائه المخلصين، إذ كان له دور بارز في تاريخ البلاد المعاصر ومسيرته السياسية والتنموية على مدى عقود طويلة من الزمن من بعد "ثورة 26 سبتمبر" تشهد على ذلك.
وأضاف، "كان له إسهامه الكبير في مسيرة الحركة القومية في اليمن، وتجاه قضايا الأمة العربية وكفاحها من أجل حريتها ووحدتها وتقدمها، كما كان له مكانة اجتماعية مميزة كأحد أبرز شيوخ اليمن، جعلته باستمرار مقرب من الناس وهمومهم وقضاياهم، واتصف الفقيد الكبير بصفات إنسانية وأخلاقية حميدة جعلته محل تقدير على الدوام لدى الجميع".
مناصب الرحلة الطويلة
وتقلد محمود في حياته مواقع سياسية ورسمية رفيعة، حيث عمل في السلك الدبلوماسي وشغل حقائب وزارية عدة، منها عضو في البرلمان وأمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في اليمن.
وكانت بدايته العملية باحثاً في وزارة الاقتصاد ثم مديراً لمكتب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عام 1971، ثم وكيلاً لوزارة الاقتصاد، وعضو أول لجنة مالية واقتصادية للإعداد للوحدة اليمنية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي اليمني وعضواً في مجلس إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير.
كما عُين عبدالوهاب مستشاراً اقتصادياً للسفارة اليمنية في لندن، وفي عام 1974 عُين وزيراً للاقتصاد ورئيساً لمجلس الإدارة الموحد للمؤسسات الاقتصادية اليمنية، وترأس خلال ذلك عدداً من الوفود الاقتصادية في المؤتمرات الخارجية، ثم عين عام 1975 خبيراً لدى مجلس الوحدة العربية في العاصمة المصرية القاهرة.
وفي 1977 عُين عضواً في المجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية، ثم وزيراً للزراعة عام 1980، وفي 1982 كان سفيراً لليمن في دولة الكويت، ثم سفيراً في المغرب عام 1984، ثم وزيراً للاقتصاد، ورئيساً لمجلس الإدارة الموحد للمؤسسات الاقتصادية اليمنية عام 1987.
وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990 عين وزيراً للكهرباء، ورئيساً لمجلس الإدارة الموحدة للمؤسسة العامة للكهرباء والمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، وفي أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة اليمنية عام 1993 انتخب عضواً في مجلس النواب، ثم انتخب في العام ذاته نائباً لرئيس مجلس النواب للشؤون الخارجية والعلاقات البرلمانية.
وفي عام 1997 أعيد انتخابه عضواً في مجلس النواب، ونائباً لرئيس مجلس النواب للشؤون الخارجية والعلاقات البرلمانية، وفي عام 2003 أعيد انتخابه للمرة الثالثة عضواً في مجلس النواب ونائباً لرئيس مجلس النواب للشؤون التشريعية والرقابية، وترأس عدداً من الوفود البرلمانية إلى المؤتمرات العربية والدولية.