يمثل العامل الأفغاني اليوم عدداً من التحديات الخطيرة التي سيتعين على جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة مواجهتها (على وجه الخصوص أوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان) على الصعيدين المحلي والإقليمي، وأولاً وقبل كل شيء، القضايا الأمنية.
ويخلق تدفق الفارين من العسكريين والمدنيين الأفغان، وضعاً متوتراً في المناطق الحدودية، إضافة الى الحاجة في المستقبل المنظور إلى بناء علاقات حدودية مع حركة "طالبان"، مع الأخذ في الاعتبار عينه عدم امتلاك دول آسيا الوسطى أي أدوات قوية للتأثير في تطور الأحداث في هذا البلد المجاور.
انهيار السلطة الرسمية
كما يثير انهيار السلطة الرسمية في أفغانستان تساؤلات حول الاتفاقات المتعلقة بكل المشاريع الاقتصادية، والبنية التحتية، والنقل، وغيرها، التي روجت لها بنشاط في السنوات الأخيرة معظم الدول الكبرى والإقليمية بما فيها المجاورة في آسيا الوسطى، إضافة إلى أن هناك أيضاً تحديات للاستقرار الاجتماعي داخل تلك البلدان، حيث إن إقامة اللاجئين تهدد دائماً بإثارة التوتر في المجتمع.
أما على المستوى الإقليمي، فإن عودة "طالبان" وفق كثيرين من الخبراء ستزيل بشكل نهائي من الأجندة "النظرية" القائلة إن أفغانستان يجب أن تكون جزءاً من آسيا الوسطى، وتدعو إلى دمجها في العمليات الإقليمية، حيث إن محاولات التمسك بها بشكل مصطنع في المنطقة، ستوجه ضربة إلى العملية الضعيفة بالفعل المتمثلة في استئناف الأقلمة، إضافة إلى ذلك، من غير المجدي محاولة إشراك قطعة من الأرض في العمليات الإقليمية حيث لا توجد دولة مستقرة، والتي تتفكك مؤسساتها بسرعة من دون دعم خارجي.
مشكلة المنطقة بأكملها
وستشكل الأزمة الإنسانية المحتملة في هذا البلد تحدياً معيناً للمنطقة، بما في ذلك اختبار التضامن، وسيكون من المهم القبول كبديهية أن المشكلة الأفغانية هي مشكلة المنطقة بأكملها، وليس فقط مشكلة للدول المجاورة لهذا البلد، والتي ستتحمل العبء الرئيس، وأن أمن كل دولة من جمهوريات آسيا الوسطى، يبدأ ليس فقط على حدودها، ولكن على حدود كل آسيا الوسطى مع أفغانستان.
وليس مستبعداً أن تجد دول آسيا الوسطى نفسها مضطرة، للتفكير في أخذ موقف مشترك بشأن أفغانستان، وفي أي مجالات يجب تنفيذ المشاريع المشتركة، وكذلك وضع الأسس لصيغة "آسيا الوسطى - أفغانستان"، علاوة على ذلك، لن تكون الأخيرة فعالة إلا إذا كان للحكومة الأفغانية، بأي شكل من الأشكال، نفوذ في كل أنحاء البلاد، وليس فقط في مناطق معينة.
المواجهة العسكرية؟
وصرحت "طالبان" مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة أنه ليست لديها خطط للتوسع في دول المنطقة، ومع ذلك، أولاً، المواجهة العسكرية (إن وجدت) على حدود المنطقة هي دائماً عامل خطير لزعزعة الاستقرار، وثانياً، الحديث عن "طالبان" كشيء موحد يثير الشكوك، وأظهر التاريخ أكثر من مرة أن المجموعات المختلفة في هذه الحركة لديها خطط عمل مختلفة، وثالثاً، لا أحد في مأمن من حقيقة أن الخطط قد تتغير، والثقة الكاملة بحشد مسلح أيديولوجي فكرة ساذجة إلى حد ما.
تبدو آفاق أفغانستان كدولة غير متوقعة حتى الآن، وعلى الأرجح، سيتم تحديد مصيرها ليس فقط في ساحة المعركة، ولكن أيضاً في عملية المفاوضات بين الرعاة الخارجيين للقوى السياسية في البلاد، فضلاً عن درجة نشاط التدخل الخارجي في العمليات، بما في ذلك العمليات العسكرية.
الأجندة الحقيقية لـ "طالبان"
وستتضح الأجندة الحقيقية لـ "طالبان" عندما تتولى السلطة، والتي ستحدد ثمن كل الوعود التي يقدمونها في المفاوضات، وفي التصريحات الإعلامية، إذا قرروا التصرف بالطريقة المتبعة نفسها خلال فترة وصولهم الأول، فسيواجه كل من حولهم مشكلات كبيرة، ومع ذلك، إذا كان هناك ممثلون براغماتيون في صفوف الحركة، فعند وصولهم إلى السلطة، سيحاولون بناء علاقات مع العالم الخارجي من دون عدائهم المتأصل، والسيناريو الأسوأ سيكون هو الوصول إلى السلطة وبدء المواجهة الداخلية بين التجمعات مع الانزلاق اللاحق للبلاد إلى حالة حرب "الكل ضد الكل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسواء قام الأميركيون والتحالف الدولي معهم بعمل سيء في تدريب الجيش الأفغاني، أو إذا كان ذلك التجمع غير مؤهل للتدريب، فهذا لا يهم الآن، والمؤكد أن واشنطن سئمت الجلوس في أفغانستان، وكل ما يحدث هناك اليوم وسيحدث لاحقاً سيكون بموافقة ضمنية من المجتمع الدولي، وسيكون المبدأ الأساس لدى الجميع هو تقليل العواقب السلبية، وليس منعها.
وقد تواجه دول آسيا الوسطى مناورات دبلوماسية معقدة إلى حد ما، فمن ناحية، هناك الأخبار التي تتحدث عن انهيار المنطقة في حالة زعزعة استقرار الوضع في أفغانستان، ومن ناحية أخرى، ضرورة الالتزام بأكثر السياسات واقعية والتركيز على سياسة المشاريع الاقتصادية الملموسة والمنفذة.
المفاوضات مع "طالبان"
أما الموضوع الأكثر حساسية فهو المفاوضات مع "طالبان"، التي لا تستطيع كابول الرسمية ولا جيران البلاد ولا المجتمع الدولي الهروب منها، بالتالي، سيتعين على الجميع التحدث معهم، على الأقل من أجل فهم الحالة المزاجية داخل الفصائل المختلفة لهذه الحركة، وكحد أقصى، من أجل تحديد الخطوط الحمراء والحصول على بعض الضمانات على الأقل. وفي الواقع، هذا ما يحاول كل من يشارك في الحوار شبه العالمي (وإن كان بشكل مجزأ) للمجتمع الدولي مع "طالبان" القيام به الآن.
يبقى القول، ستتعرف المنطقة والعالم ككل إلى صدقية أي تصريحات أو ضمانات من "طالبان" فقط عندما يصلون إلى السلطة في النهاية، لأن هذا ما سيضعهم في موقف الطرف الذي يحتاج إلى السيطرة على البلاد والبحث عن الموارد لضمان استقرار نظامها.