أثناء المعارك الضارية التي حاربت فيها عناصر حركة "طالبان" القوات الحكومية الأفغانية ورعاتها الأميركيين في ولاية نانغرهار، كان الطرفان المتناحران والمتواجهان يضعان خلافاتهما جانباً أحياناً في سبيل تركيز قوتهما القتالية على عدو مشترك هو تنظيم "داعش"، الذي جمع مقاتلين من كل أنحاء العالم وتوارى داخل الجبال الوعرة على طول الحدود بين باكستان وأفغانستان.
مرت عدة سنوات على هذه الأحداث، وأصبح القضاء على الخطر الذي يمثله الفرع المحلي لـ"داعش" على جنوب آسيا بأكملها حافزاً أساسياً وراء الاتفاق الذي أُبرم في النهاية بين واشنطن وحركة "طالبان".
والآن، أعلن تنظيم "داعش في خراسان" مسؤوليته عن التفجير الإرهابي الذي وقع خارج مطار حامد كرزاي في كابول، وأودى بحياة 60 شخصاً، من بينهم أطفال، وجاء ليفاقم حالة الفوضى واليأس في أفغانستان عشية الانسحاب النهائي للقوات الدولية من البلاد بعد 20 عاماً تقريباً من المحاولات الفاشلة لإرساء الاستقرار وبناء الدولة.
وبرأي فيراج سولانكي، الباحث من جنوب آسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "على الرغم من تصريح الناطق باسم طالبان بأن الحرب انتهت، فالمؤشر الأبرز [فيما جرى] يشير إلى أن الإرهاب ما زال موجوداً بقوة في أفغانستان وسوف يستمر هذا الحال في ظل حكم طالبان. سوف تظل أرواح المدنيين الأفغان بخطر".
ويُعتقد أن فرع "داعش" في جنوب آسيا، الذي أُعلن عن إنشائه في عام 2015 وأضيفت "ولاية خراسان" إلى اسمه الرسمي، مسؤول عن بعض أفظع الهجمات في أفغانستان، ومنها تفجيرات المساجد والمؤسسات الشيعية التي عمقت الارتياب الطائفي في البلاد.
كما شن هجمات داخل باكستان، إذ استهدف القوات الحكومية بالإضافة إلى أعضاء من الأقلية الصوفية في البلاد. وكانت الجماعات المرتبطة بـ"داعش" مسؤولة عن أسوأ هجوم إرهابي وقع في تاريخ سريلانكا، حين نفذ ثمانية انتحاريين سلسلة من الهجمات المنسقة أوقعت أكثر من 250 قتيلاً في أبريل (نيسان) 2019.
وصف الخبراء فرع تنظيم "داعش في خراسان" بأنه غطاء عام يضم أكثر من عشرة فصائل مقاتلة في الأقل تتعاون وتنسق عملها أحياناً عبر الحدود.
وجاء في تقرير وضعته أميرة جدون في عام 2018 لصالح مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت ما يلي "تشير عدة أوجه شبه وتميز في طبيعة هجمات تنظيم داعش في خراسان وتوقيتها داخل البلدين إلى تنسيق عالي المستوى لنشاط التنظيم على طول منطقة أفغانستان/ باكستان".
يضم التنظيم بين ألفين وخمسة آلاف مقاتل، أتى نصفهم من خارج منطقة جنوب آسيا، وقد جذبهم العنف المتطرف إلى المنطقة. أما زعيمه، فهو القائد السابق في حركة "طالبان" شهاب المهاجر، العضو السابق في شبكة "حقاني" المرتبطة بـ"القاعدة" في حركة "طالبان"، وهي، للمفارقة الساخرة، تتحمل جزئياً مسؤولية فرض الأمن في كابول في الوقت الراهن.
تَشكَّل تنظيم "داعش" الأساسي كأحد فروع "القاعدة" الذي تغلّب في النهاية على سلفه في العراق وسوريا، فأعلن عن تأسيس "خلافة" بسطت سلطتها على أجزاء كبيرة من أراضي بلاد الشام.
لكن التنظيم وضع جنوب آسيا نصب عينيه منذ فترة طويلة، وهي منطقة تضم نسبة مسلمين أكبر من [عديدهم في] الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعتين. وقد حدد أبو بكر البغدادي، الراحل الذي أسس دولة الخلافة، أفغانستان وباكستان والهند باعتبارها أهدافاً لطموحات التنظيم. وألهمت كلماته كما الانتصارات الأولى التي أحرزها تنظيمه، تشكيل حركات أشبه بفروع للتنظيم في كل أنحاء العالم، أحدها فرع جنوب آسيا، الذي برهن عن فعاليته الهائلة على الرغم من الخسائر التي تكبدتها القيادة المركزية لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
وأوضح كولين كلارك، مدير السياسة والأبحاث في مجموعة صوفان للاستشارات الأمنية، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، "تمتد فروع هذا التنظيم من شمال أفريقيا حتى جنوب شرق آسيا، لكن فرع أفغانستان هو أقواها". ومنذ تأسيسه، يعزز فرع "داعش" في جنوب آسيا قوته فيما أصبحت هجماته أكثر فتكاً على الرغم من الضربات الجوية الأميركية المستمرة والاشتباكات مع القوات الأفغانية والهجمات التي تشنها عليه حركة "طالبان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الذي هللت فيه الجماعات الجهادية الأخرى حول العالم لانتصار حركة "طالبان" على حكومة كابول، وأثنت عليها لهزيمتها الظاهرية قوات "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة، شتمت "داعش" الأسياد الجدد في أفغانستان ووصفتهم بمغفّلي واشنطن. وكتب أحد مناصري "داعش" على منصة المراسلة "تليغرام" "ليست طالبان سوى حركة سياسية تستخدم الإسلام غطاءً". وحتى مع إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من أفغانستان، استمر التنظيم بتبني هجمات محدودة ضد معاقل "طالبان". لكن الهجمات توقفت فجأة منذ عشرة أو 11 يوماً، كما قال كلارك الذي أعرب عن قلقه من أن التنظيم يخطط لشيء كبير.
وقال "يتطلب النجاح في تنفيذ هجوم معقد كهذا وقتاً وتخطيطاً وتدريباً. لم يكن هذا هجوماً عادياً، بل شارك فيه عدة انتحاريين ومسلحين".
قد يحدد الهجوم على مطار كابول شكل مستقبل أفغانستان، كما أرخى بظله القاتم تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد في عام 2003 على مستقبل وآفاق العراق. منذ وضعها يدها على البلاد سعت حركة "طالبان" للتواصل مع الصين وتركيا وإيران وروسيا، في محاولة منها لاستقطاب الاستثمارات والخبرات التقنية واكتساب مشروعية دولية. لكن استمرار وجود "داعش" في أفغانستان قد يقوض هذه الجهود. كما يمكن أن يستقطب الهجوم مجندين جدداً ينضمون إلى "داعش" ويسهمون في نمو التنظيم فيُقضى على أي محاولات لإنشاء حكومة مستدامة في أفغانستان. وقال كلارك "سوف يعطي هذا الأمر زخماً جديداً لتنظيم داعش في خراسان".
"إن النجاح مغرٍ. عندما يقع هجوم كهذا، يشد الأنظار ويستقطب مقاتلين جدداً. ويخلّف أثراً سياسياً ونفسياً هائلاً. لا يسعني التفكير في هجوم آخر سيكون له وقع بهذا الحجم".
© The Independent