يتخوف الاقتصاديون كما العائلات في الجزائر والمغرب من تأثيرات سلبية لقرار قطع العلاقات بين البلدين، بسبب التبادلات التجارية بين المهنيين من جهة، وروابط المصاهرة والتقارب بين العوائل بخاصة على مستوى المناطق الحدودية، من جهة أخرى.
تطمينات دبلوماسية
وعلى الرغم من تطمينات وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي أكد أن القنصليات الجزائرية والمغربية ستواصل عملها الإداري المحض، مرجحاً عدم تأثر مواطني البلدين بهذا القرار، فإن التخوفات ظهرت جلياً على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال طرح استفهامات وانشغالات، في ظل تشديد الجزائر الرقابة العسكرية على الحدود الغربية.
وبحسب الإحصائيات، فإن المغرب صدرت إلى الجزائر ما قيمته 133.8 مليون دولار في 2020، في حين بلغت صادراتها إلى العالم نحو 27.7 مليار دولار، ما يعني أن نسبة الصادرات المغربية إلى الجزائر بلغت نصف في المئة من إجمالي الصادرات، ويعتبر الحديد والصلب من أكثر المنتجات تصديراً من المغرب إلى الجزائر في عام 2020 بإجمالي 38.3 مليون دولار، تليها منتجات الأسمدة بإجمالي 18.3 مليون دولار، ثم مستلزمات الملابس بإجمالي 16.4 مليون دولار.
في المقابل، بلغ إجمالي صادرت الجزائر إلى المغرب في عام 2020 حوالى 433.4 مليون دولار، في حين حققت صادراتها إلى العالم نحو 20.9 مليار دولار، ما يعني أن نسبة الصادرات الجزائرية إلى المغرب بلغت اثنين في المئة من إجمالي الصادرات، وكانت منتجات الوقود والزيوت المعدنية هي الأكثر تصديراً إلى المغرب خلال عام 2020 بإجمالي 368 مليون دولار، تليها الفواكه والمكسرات بإجمالي 29 مليون دولار، ثم المنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية بإجمالي 16.6 مليون دولار.
العلاقات الاقتصادية لا تتأثر وقيمة التبادل التجاري ضئيلة
وفي السياق، يعتقد رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، يوسف ميلي، أن العلاقات الاقتصادية لا تتأثر كثيراً لأنها أصلاً ضعيفة وليست بذلك المستوى الكبير، بخاصة أن معظم المبادلات هي في مجال المحروقات، وقال إن الخاسر الأكبر من هذه الأزمة هو الاقتصاد المغربي لأنه في مرحلة تطور كبير ويبحث عن أسواق جديدة، عكس الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد كثيراً على تصدير المحروقات، مضيفاً أن المبادلات لن تتوقف، "ولا أعتقد أن يتم قطع العلاقات الاقتصادية".
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، أنه بالنظر للحجم الاقتصادي للدولتين، فهما يعتبران الأكبر في منطقة المغرب العربي، لكن حجم التبادل التجاري عرف تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة لا يعكس القدرات الاقتصادية للبلدين، إذ الجزائر بناتج إجمالي يقدر بـ151 مليار دولار، والمغرب بـ125 مليار دولار، مضيفاً أن قيمة التبادل التجاري ضئيلة جداً لا تكاد تذكر على الرغم من أن مقومات التكامل الاقتصادي الإقليمي موجودة سواء الجغرافيا، والتاريخ، والعنصر البشري، والتنوع الاقتصادي ليتأكد أن العوامل السياسية تقف حجر العثرة في طريق قيام سوق مغاربية مشتركة لأكثر من 100 مليون نسمة، وبناتج اقتصادي يقارب 400 مليار دولار، وختم أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لا يؤثر على المبادلات التجارية لأنها لم تكن موجودة، ولكن عدم قيام اتحاد المغرب العربي على أرض الواقع ضيع فرصاً على كل بلدان المنطقة.
ملف خط الغاز يطفو على السطح
وبمجرد إعلان الجزائر عن قرارها قطع العلاقات مع المغرب، تقدم ملف اتفاقيات الغاز التي تربط البلدين إلى الواجهة، في ظل مرور أنبوب الغاز الجزائري نحو إسبانيا على الأراضي المغربية، والذي ينتهي عقده في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بخاصة أن وزير الخارجية لعمامرة لفت إلى أنه سيتم اتخاذ قرار بشأن سير عمل شركة المحروقات "سوناطراك" بعد إجراء تقييم وفق الاعتبارات الدولية وبما يتناسب مع الوضع الجديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب، إحدى المصالح الاستراتيجية التي تجمع البلدين المتجاورين، حيث لم تجد الجزائر طريقاً أفضل لتصدير صادراتها الطاقوية نحو أوروبا سوى تدشين أنبوب غاز يمر عبر التراب المغربي، وتم إنجاز هذا المشروع في 1997، بتكلفة استثمارية تبلغ 2.3 مليار دولار، خصص منها قرابة 900 مليون دولار للشطر البري الممتد في المغرب ومضيق جبل طارق، ويمتد على طول 2136 كيلومتراً، انطلاقاً من الصحراء الجزائرية.
وبموجب الاتفاق المبرم بين كل من إسبانيا والجزائر والبنك الأوروبي للاستثمار، تحصل الرباط بدل الرسوم الضريبية على 10 في المئة من عائدات الغاز الجزائري المُسال في الأنبوب العابر للتراب المغربي، وتقدر كمية الغاز الجارية به حوالى 20 مليار متر مكعب سنوياً، أي أن نصيب المغرب يقارب ملياراً ونصف مليار دولار سنوياً.
تخوف العائلات؟
من جهة أخرى، تتخوف العائلات الجزائرية والمغربية من تأثير قرار قطع العلاقات بين البلدين، وتعتبر أن الخطوة من شأنها تشتيت الروابط بين الشعبين على الرغم من قوة التلاحم والتقارب، بخاصة أن الجزائر أعلنت عن تشديد الرقابة على الحدود، ما يزيد من معاناة العائلات التي تجمعها المصاهرة والجذور والأصول وكذلك التاريخ المشترك، بعد معاناة إغلاق الحدود، وقال أحدهم إنه من أجل لقاء عائلتك، وهي التي تراها أمامك على الحدود، يجب عليك أن تسافر من وجدة إلى الدار البيضاء المغربيتين نحو وهران الجزائرية، والعكس صحيح، حيث يتنقل الساكن بمغنية إلى وهران الجزائريتين من أجل السفر نحو الدار البيضاء المغربية.
وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة، بفيديوهات للأغنية الشهيرة "خاوة خاوة.. ماشي عداوة"، التي تؤكد كلماتها على روح الأخوة والتضامن بين الشعبين الجزائري والمغربي، ومد جسور التواصل بين الشعوب مهما بلغت مستويات التوتر السياسي بين العواصم، وتقول الأغنية، "حنا خاوة، ماشي عداوة، جزايري مغربي دمنا عربي.. جزائري مغربي إخوة في الدم والدين".
ما يربط الشعبين أعمق
إلى ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، أن قطع العلاقات كتصريح، شكل صدمة قوية لدى كثيرين هنا وهناك، ووقعه أشد صدمة وعنفاً لدى الأسر التي لديها علاقات قرابة في البلدين، بخاصة تلك التي لديها أفراد موزعون بين الجهتين في مناطق الحدود، وقال إن التواصل العائلي كان صعباً مع غلق الحدود البرية في 1994، وارتفاع تكاليف النقل الجوي بشكل خيالي، ما شكل معاناة لآلاف الأسر، وجاء قرار قطع العلاقات ليزيد الوضع قلقاً ويأساً، مضيفاً أن المعلومة الوحيدة المطمئنة التي صدرت عن وزير الخارجية لعمامرة، تلك التي تحدثت عن أن قطع العلاقات لن يضر بالمقيمين المغاربة ولن يؤدي إلى وقف النشاط القنصلي.
على العكس، يعتبر الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، حكيم مسعودي، أنه في الواقع لا يوجد أي تأثير على العلاقات العائلية ولا المودة القائمة بين الشعبين، لأن ما يربط الجزائريين والمغاربة أعمق من الخلافات السياسية من علاقات عائلية ومصاهرة، منذ قرون، وليست وليدة الدول الحديثة، وأبرز أن حديث القطيعة الدبلوماسية لا يعني أبداً الشعب المغربي الذي أكدت السلطات الجزائرية أنه غير معني بهذا الإجراء، موضحاً أنه معروف ومؤكد، أنه لا يوجد شعب يقرب للجزائر بقدر المغاربة والعكس صحيح، والدليل على ذلك العلاقات الشخصية والتعاون بين الأفراد وتواصل علاقات المصاهرة بين الجزائريين والمغربيين في أوروبا.