انتصار حركة "طالبان" والفشل العسكري للولايات المتحدة وحلفائها بعد حضور دام 20 عاماً في أفغانستان، أعاد إلى الجماعات المتطرفة الثقة بنفسها وتوجهاتها. فبعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تكاتفت الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب وتفكيك قواعده وخلاياه التي انتشرت ونفذت عمليات مروعة استهدفت دولاً عدة.
وكان لتونس نصيب منها، حيث نفذ الإرهابي التونسي نزار نوار عملية تفجير شاحنة مفخخة في الكنيس اليهودي في جزيرة جربة في أبريل (نيسان) 2002، أسفر عن مقتل 14 شخصاً منهم ستة ألمان وستة تونسيون وفرنسي واحد، وجرح ما يزيد على 30 شخصاً. وقد تورطت في الإعداد والتخطيط للاعتداء قيادات في تنظيم "القاعدة"، ومنهم خالد شيخ محمد والألماني كريستيان غانزارسكي.
يقول العميد التونسي المتقاعد علي الزرمديني، إن ما جرى في أفغانستان سيعطي الجماعات الإرهابية، بخاصة في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، دفعة معنوية قوية، لأنها تعتبر "انتصار طالبان على القوة الأعظم في العالم هو انتصار للجهاد في وجه الطغاة".
خطر الأفغان العرب
ويحذر الزرمديني من الدعم الذي سيتلقاه الأفغان العرب، إخوة السلاح مع "طالبان" في زمن الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، والذين وصل عدد منهم بعد ثورات الربيع العربي إلى مناصب قيادية عالية في عدد من الدول، بخاصة في شمال أفريقيا، معتبراً أن انتصار الحركة رسالة دعم للجماعات المتطرفة التي لها حضور في المنطقة، مشيراً إلى أن ساحة الصراع المقبلة ستكون المنطقة الممتدة من غرب أفريقيا إلى دول الساحل والصحراء.
ويضيف الزرمديني أن الأفغان العرب بقوا على اتصال مع "طالبان"، ورسائل المباركة التي وجهتها شخصيات قيادية إسلامية، معتبرة ما حصل "الجهاد الحقيقي الذي تحقق بالصبر وطول المدة على قوة عظمى أكبر دليل على ذلك. فما بالك بمواجهة قوى أخرى لا تضاهي أميركا في القوة؟".
واشنطن لم تنهزم
لا يرى السفير عز الدين الزياني، رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن الولايات المتحدة فشلت في أفغانستان، إذ لو كانت راغبة بالبقاء فيها لظلت قواتها 20 سنة أخرى.
ويعتبر أن ما حصل هو "طريقة أخرى لمواصلة الحرب، وهي مناورة أميركية، لأن من يعرف جغرافيا المنطقة التي توجد فيها أفغانستان، سيجد منطقة الحدود مع الصين، التي على الرغم من مساحتها المحدودة (75 كيلومتراً)، لكنها غير قابلة للمراقبة بسبب طبيعتها الوعرة جداً، بالتالي بكين المعني الأول بما سيجري في أفغانستان في المدى المنظور ومعها دول في المنطقة، أوزباكستان وطاجيكستان وتركمانستان، التي تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين الأفغان، وستشهد حالة من عدم الاستقرار، كما هي الحال بالنسبة إلى إيران وباكستان".
رسائل أميركية
ويقول الزياني إن "الإدارة الديمقراطية الأميركية تريد إيصال رسائل إلى جماعات الإسلام السياسي التي ساندتها، بأنها لن تتخلى عنها، أي أنها لن تندثر وستعود مثل طالبان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحذر الزياني "من التصور الأميركي بأن فشل مشاريع رموز جماعات الإسلام السياسي لا يعني فشل المشروع نفسه، بل يمكن تعويضهم بآخرين لديهم القدرة على التعامل مع الواقع الحاضر والمقبل. ومن غير المستبعد في المرحلة المقبلة بروز مجموعة مستعدة لمواصلة المشوار باتباع نواميس الديمقراطية".
ويضيف "ما حصل في أفغانستان باب جديد يفتح أمام الإسلام السياسي، لنشره بأقل دموية، ولكن بالاعتماد على العنف عندما تقتضي الحاجة".
الجغرافيا المعقدة
يقول الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية الدكتور رافع طبيب، إن "فشل واشنطن يمكن وصفه بعدم النجاح في التخطيط لوجود القوات الأميركية في المنطقة، على الرغم من أنها كانت قد صرحت بأن بقاء قواتها في العراق وأفغانستان سيكون دائماً، ضمن ما أطلق عليه حينها القرن الأميركي، وهذا ما لم يتحقق".
ويضيف طبيب أن أفغانستان ساحة مفتوحة، وفيها وجود حقيقي للجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أن "لا طالبان ولا غيرها تستطيع السيطرة على الأراضي الأفغانية، وعلينا أن نذكر أنه عام 2018 ظهرت فكرة الرايات البيض (جيش خراسان)، وهذه المنطقة توجد في تلاق بين أربعة تجمعات كبرى، تعيد تشكيل العالم خارج نطاق المنظور الأميركي: روسيا في الشمال، والصين في الشرق، وباكستان في الجنوب وإيران في الغرب. وهذا يجعل من الساحة الأفغانية مفتوحة لكل الجماعات الإرهابية الساعية لتوسيع نشاطها بعيداً عن أعين الأميركيين، والقوات الأميركية في المدة الأخيرة لم تعد تحارب الجماعات الإرهابية هناك".
التركيبة الاجتماعية
ويوضح طبيب أن واشنطن لم تستطع فهم متغيرات الوضع القبلي في أفغانستان، وأعادت صياغة المشهد على أساس "لويا جيرغا" إحدى المؤسسات القديمة التي أعيد استحداثها، وتناست واشنطن أن القبيلة في أفغانستان تشهد إعادة صياغة تركيبتها والقوى الفاعلة فيها وتمثيلها، وهناك قوى عسكرية وميليشيات تتشكل اليوم خارج الإطار القبلي وسيكون لها دور كبير في المرحلة المقبلة".
الساحة الأوروبية
ويحذر طبيب من أن محاصرة أفغانستان، كما تطالب بعض دول مثل كندا وألمانيا، ستدفع "طالبان" إلى أن تكون حاضنة جديدة للإرهاب، مشيراً إلى أن التهديد الأكبر اليوم موجه إلى دول أوروبا، لأن جزءاً كبيراً من الإرهابيين الذين كانوا في سوريا والعراق قدموا من أوروبا.
ويوضح أن "طالبان ستكون لها قدرة استعمال هؤلاء الإرهابيين في صراعاتها، حيث سيعاد تشكيل كثير من الجماعات على أسس جديدة"، قائلاً إن "قاعدة الجهاد الأوروبي ستكون في أفغانستان، بخاصة في المناطق الرمادية التي ستبقى خارج سيطرة طالبان، وتشكل حواضن مثالية لهذه الجماعات".