أثار هروب الموظف التقني في جهاز المخابرات الأميركية إدارود سنودن في صيف عام 2013، إلى الصين أولاً، ثم إلى روسيا، ضجة دخلت التاريخ، باسم فضيحة وكالة الأمن القومي الأميركية، وقد كان سبب هروب سنودن اندلاع هزة قوية عصفت بالسياسة الألمانية وبعملية الانتخابات التشريعية التي كانت ألمانيا تتهيأ لها، وتقف على أبوابها.
والشاهد أنه إذا كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) هي، في المقام الأول، الجهاز الأشهر لدى الرأي العام العالمي، باعتباره الجهاز المكلف بالتجسس على العالم الخارجي، فإن هذه الفضيحة سلطت الضوء على وكالة الأمن القومي National Security Agency المعروفة اختصاراً بـNSA، فتسريب سنودن وثائق سرية تتعلق بنشاطات هذه الوكالة إلى الصحافة، أزاح، بنحو مفاجئ وبدفعة واحدة، النقاب عن مدى وكثافة ما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على مستوى العالم أجمع من عمليات تنصت على الناس وعلى مكالماتهم الهاتفية، واختراقات لأجهزة الكمبيوتر ووسائط التواصل الاجتماعي.
على أن جزئية ما في قصة سنودن لم يتوقف عندها الإعلام الأميركي طويلاً، على الرغم من أهميتها، وهي لماذا مضى سنودن أول الأمر إلى الصين، ولم يذهب مباشرة إلى روسيا، وما الذي دار هناك عقب وصوله؟
حكماً ليس الأمر من قبيل المصادفة، فسنودن يعلم مقدار المحاولات التي تقوم بها الصين للتجسس على الولايات المتحدة، وبالقدر نفسه يعرف ما الذي تحيكه واشنطن للصينيين ليلاً ونهاراً، وبات السؤال طوال السنوات الثماني الماضية هل من يكسب معركة التجسس تجاه الآخر، هو من سيفوز في نهاية السباق بالقطبية الدولية منفرداً؟
المؤكد أن الصين بالنسبة للولايات المتحدة تبقى العدو رقم واحد، والعهدة هنا على التقرير الذي صدر في أبريل (نيسان) الماضي عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي، والذي يتنبأ بشكل العالم في عام 2040، معتمداً في تقييمه على آراء أكاديميين ومحللين ومسؤولين استخباراتيين، لرسم سيناريوهات تقرييية تساعد صناع القرار الأميركيين على وضع الاستراتيجيات والتنبه مبكراً للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة وحول العالم.
على أن السؤال مفتتح هذه القراءة: هل سيتوقف الأميركيون عند حدود التنظير السياس والأيديولوجي فيما يخص الصين، أم سيمضي الأمر لجهة نشوء وارتقاء منظومة استخباراتية أميركية جديدة؟
أميركا ومركز مهام مستقل للصين
في الثاني عشر من أغسطس (آب) الجاري، كانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تزيح الستار عن توجه أميركي جديد يهدف إلى إنشاء "مركز مهام مستقل للصين"، وبلغة أخرى مكتب متابعة مستقل خاص بالصين، مهمته مراقبة ما يجري في الداخل الصيني، ومحاولة بلورة رؤية أكثر وضوحاً عن المنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة الأميركية.
من يقف وراء هذا المركز، وما الهدف منه؟
من الواضح للغاية أن الفكرة جاءت مع التقييمات الجديدة التي يقوم بها المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، والذي يبدو مهموماً بنوع خاص بالتركيز على الصين داخل الوكالة، بعدما كانت الصين ولفترة طويلة جزءاً من "مركز مهام شرق آسيا والمحيط الهادي".
ما الذي يزعج الولايات المتحدة في هذا التوقيت بنوع خاص، ويستدعي رقابة وثيقة ولصيقة على الصين؟
يمكن القطع بأن إشكالية فيروس كوفيد- 19، كانت في مقدمة الأسباب التي دعت إلى الاهتمام المكثف من قبل إدارة الرئيس بايدن بما يجري في الصين استخباراتياً، لا سيما في ظل رفض الصين التعاون مع لجنة تحقيق ثانية، طالبت بها منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي عمق شكوك الولايات المتحدة لجهة مصدر الفيروس الشائه، وهناك في داخل المؤسسات الاستخبارية الأميركية من يرى أنه ليس سوى جزء من حرب بيولوجية استنتها الصين ضد أميركا.
ولعل القارئ يدرك أن جل هدف مجمع الاستخبارات الأميركية، موصول بمعرفة الحقيقة وراء هذه الجائحة من ناحية، ومن ناحية ثانية محاولة قطع الطريق على تكرارها، وعدم السماح بالمزيد من تحورات وتغيرات الفيروس، والذي عاد يرهق الولايات المتحدة، ويوقع بها المزيد من الضحايا، ما يعني أنه تهديد صريح وغير مريح للأمن القومي الأميركي.
ولعل السبب الثاني ضمن طائفة الأسباب التي تجعل إدارة بايدن تقوم على مركز مهام مستقل للصين، وبعيداً عن البيروقراطية الاستخبارية التقليدية، الحديث الذي يتأكد للأميركيين بخصوص بناء الصينيين حائط صواريخ نووية تحت الأرض، وهو ما التقطته الأقمار الاصطناعية الأميركية، أخيراً.
لم تنكر الصين رغبتها في المضي قدماً نحو المزيد من التسلح النووي، فقد أعلنت مسبقاً عن نيتها حيازة عشرة آلاف رأس نووية بحلول عام 2030، ما يعني أن التوازنات النووية ستختل، ومع هذا التطور، لن تعود الصين تهدد أميركا فقط بقوة الردع النقدي، أي بمقدرتها المالية فقط، وإنما بالردع النووي، الأمر الذي لا يلفت انتباه الروس فقط، بل يتسبب لهم في انزعاج كبير وواضح، ولو كان مكتوماً حتى الساعة، في محاولة لإظهار توحد ما في مواجهة واشنطن.
في مهام مركز التجسس الجديد
ما الذي يمكن أن يقوم به "مركز المهام المستقل الخاص بالصين"، داخل منظومة الاستخبارات الأميركية؟
من الواضح أن هناك قصوراً شديداً لدى الأجهزة الأميركية الاستخبارية في متابعة ما يجري في الصين على الأرض، والدليل على صدقية هذا التقدير عدم معرفة الأميركيين حتى الساعة بأبعاد ما جرى منذ عام 2019 وحتى الساعة بشأن فيروس كوفيد-19.
في هذا الإطار تكون مهمة مثل هذا المركز هي تجميع الأفكار وتنسيق الجهود، وتأمين وإحصاء الموظفين والتمويل والاهتمام رفيع المستوى للأنشطة المتعلقة بالصين.
ولعل الجزء الأبرز في مهام هذا المركز، هو متابعة أعمال التجسس الصينية على الأراضي الأميركية، وإن كانت هذه الجزئية تحديداً تحتاج إلى قراءة مفصلة قائمة بذاتها.
هنا نشير إلى أن الاستخبارات الصينية، تعمل من منطلقات تتساوق وروح الصين الكونفوشيوسية، أي أنها تراهن على الصبر، وطول البال، والانتظار من غير تعجل أو تسرع، فهي تزرع عملاء، وتدعهم نائمين لما يقارب الربع قرن، ثم تعاود لاحقاً إيقاظهم والاستفادة منهم في مواقعهم ومواضعهم داخل المجتمع الأميركي.
عطفاً على ذلك فإن الصين تميل إلى فكرة عدم اختراع العجلة، بل الاستفادة مما هو متوافر لآخرين، وعند حصولها عليه، تمضي مضيفة إليه وبما يتسق مع أهدافها، وهو ما تفعله في السرقات التكنولوجية، والأسرار العسكرية.
هل الخطر الصيني بات محدقاً؟
للجواب على علامة الاستفهام المتقدمة نشير إلى أنه في أوائل ديسمبر (كانون أول) الماضي قال مساعد وزير العدل الأميركي لشؤون الأمن القومي، جون ديميرس، إن أكثر من ألف باحث صيني غادروا الولايات المتحدة في ظل حملة سرقات تكنولوجية مزعومة.
أما ويليام إيفانينا، مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس في الولايات المتحدة، فقد أفاد بأن عملاء صينيين يستهدفون بالفعل أفراداً من الإدارة الأميركية الخاصة ببايدن، إضافة إلى مقربين من فريق بايدن نفسه.
ما الذي يقوم به هؤلاء وأولئك من شباب الباحثين الصينيين في الداخل الأميركي؟
بحسب مصادر في المباحث الاتحادية الأميركية FBI يمثل هؤلاء طليعة القراصنة الصينيين المكلفين الحصول على المعلومات والبيانات، وسرقة الأبحاث العلمية من المعاهد والجامعات الأميركية، وكذا المختبرات العامة التي يعملون فيها.
ولعل المتابع لشأن الجاسوسية الصينية على الأراضي الأميركية، يتذكر ما قاله وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، في يوليو (تموز) 2020 من أن واشنطن أغلقت القنصلية الصينية في هيوستن لأنها كانت بؤرة للتجسس وسرقة الملكية الفكرية، ويومها أضاف أن "الصين نهبت ممتلكاتنا الفكرية وأسرارنا التجارية الثمينة، مما أدى إلى خسارة ملايين الوظائف في أنحاء أميركا".
هل يعمد الجيش الصيني إلى دس عملائه داخل مؤسسات أميركية رفيعة المستوى؟
من الواضح أن ذلك كذلك، وهو ما أكدته وزارة العدل الأميركية التي وجهت في الشهر ذاته لائحة اتهامات لـ4 باحثين صينيين يدرسون في الولايات المتحدة، وقالت إن لهم صلة بالجيش الأحمر، وإن أحدهم هرب وطلب اللجوء في القنصلية الصينية في مدينة سان فرانسيسكو، وقد أوضحت الوزارة أن الباحثين الأربعة هم جزء من جهود بكين للتغلغل في المؤسسات الأميركية، من أجل الحصول على معلومات علمية وتكنولوجية.
قبل ذلك وفي مايو (أيار) من العام الماضي، اتهمت الدوائر الاستخبارية الأميركية الصين بالسعي لقرصنة أبحاث بشأن لقاحات محتملة لفيروس كورونا.
عن مراقبة الصين حول العالم
هل تعمل الصين بمفردها حول العالم، أم أن هناك دوائر تتشكل من دول أخرى تحمل العداء السياسي للولايات المتحدة، تشاركها أعمال التجسس على الأميركيين بوجه خاص؟
الذين تابعوا التصريحات الأميركية بدءاً من النصف الثاني من العام الماضي 2020، قدر لهم الاستماع حتماً إلى حديث المسؤولين الأميركيين عن هجمات إلكترونية صينية وإيرانية مشتركة تعرقل الجهود الأميركية لتطوير علاج للفيروس الشائع، وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن قراصنة صينيين وإيرانيين يستهدفون بقوة الجامعات الأميركية وشركات الأدوية وشركات الرعاية الصحية الأخرى بطريقة يمكن أن تعوق الجهود لإيجاد لقاح لمكافحة وباء كورونا.
ولأن الصين باتت، أخيراً، في نظر الأميركيين كالأخطبوط الذي يمد أذرعه حول العالم، لذا بدا من الواضح أن واشنطن لديها رؤية ما للصين ولمن يتعاطى معها مهدداً الأمن القومي الأميركي... ماذا عن ذلك؟
في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة في يوليو (تموز) 2021 الماضي، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، إن مراجعة الوكالة الأوسع بشأن الصين تدرس أيضاً إمكانية نشر متخصصين في الشأن الصيني بمواقع حول العالم، على غرار النهج الذي استخدم لمواجهة النفوذ السوفياتي في الحرب الباردة. وتابع أن الوكالة تدرس كيفية التعامل مع "المراقبة الفنية واسعة الانتشار"، وغيرها من "القدرات المتقدمة جداً من جانب جهاز المخابرات الصيني"، مما يجعل من الصعب إجراء عمليات تجسس في الخارج.
يبدو الأميركيون اليوم وكأنهم يرفضون هذا الاختراق الذي يقوم به الصينيون، والذين يراهنون على توحدهم خلف راية بلادهم الشيوعية، فيما يعززون الفرقة والانقسام بين صفوف الأميركيين أنفسهم، وفي كل الأحوال لم يكونوا بعيدين عن محاولات الإيرانيين في زمن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تعميق الشرخ الحادث في الجدار المجتمعي الأميركي، بين الأحزاب الكبرى، ومن يؤمنون بفكرة أميركا كبوتقة للانصهار من جهة، وبين أميركا الجاكسونية التي تتطلع لوضع تمايز واضح للأعراق والأجناس، اللغات والأديان من جهة ثانية.
من هنا يمكن للمرء أن يتفهم الأسباب التي تستدعي مراجعة المشهد الاستخباري الأميركي ناحية الصين، وبخاصة بعد المخاوف الناجمة عن محاولات التجسس الصينية التي لا تنقطع في الداخل الأميركي.
ولأن عيون مكتب المباحث الاتحادية، هي المكلفة بمراقبة ومتابعة أنشطة التجسس من الدول المعادية ضد الأهداف الأميركية، لهذا صرح كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الاتحاديه عينه بأن التكتيكات الصينية، من التجسس الإلكتروني إلى التهديدات ضد المواطنين الصينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، خلقت وضعاً "يجد الأميركيون فيه أنفسهم تحت رحمة الحزب الشيوعي الصيني".
وعلى الجانب الآخر، وفيما يقوم الصينيون باستباحة الداخل الأميركي، تتصاعد الأسئلة حول قدرات أجهزة الاستخبارات الأميركية على جمع المعلومات من الداخل الصيني.
في هذا الإطار خلص تقرير صادر عن لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي في سبتمبر (أيلول) 2020 إلى أن وكالات التجسس الأميركية تواجه في واقع الأمر فشلاً في مواجهة التحديات متعددة الأوجه التي تفرضها الصين، بينما تركز بإفراط على الأهداف المباشرة مثل الإرهاب أو التهديدات العسكرية التقليدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصين تجسس سيبراني وتقليدي
هل يتوقف التجسس الصيني على الولايات المتحدة عند حدود الآليات التقليدية، تلك التي تستخدم البشر بنوع خاص، لتحقيق أهدافها؟
مؤكد أن الصين تجتاح أميركا اجتياحاً غير مسبوق في عالم التجسس الاعتيادي والعهدة هنا على الراوي، كريستوفر راي، السابق الإشارة إليه، فقد أكد أن هناك ألفي تحقيق مفتوح في عمليات تجسس صينية ضد الداخل الأميركي.
وفي مقابلة له مع قناة "فوكس نيوز"، أشار راي، إلى أن حكومة الصين الشيوعية أضحت تمثل أكبر تهديد للبلاد، مؤكداً زيادة عدد التحقيقات في محاولات التجسس الصيني خلال العقد الأخير بنسبة 130 في المئة.
وعلى الجانب الآخر الخاص بالتجسس السيبراني وعالم القرصنة تبدو الصين كمن يمتلك فرقاً عسكرية في العالم الرقمي، فرق تقوم على اختراق أنظمة الاتصالات وشبكات الكمبيوتر حول العالم عامة، وفي الداخل الأميركي خاصة.
في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، حملت حكومة الولايات المتحدة والعديد من حلفائها، الصين المسؤولية عن "أنشطة إلكترونية خبيثة غير مسؤولة" مثل هجمات القراصنة، وأعلنت مسؤولة حكومية أميركية في ذلك النهار، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا واليابان وحلف شمال الأطلسي تشجب علناً "الأنشطة السيبرانية الخبيثة" الصادرة عن الصين.
من يقوم على أنشطة الصين السيبرانية الاختراقية للغرب بجناحيه، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية؟
المسؤولة الأميركية تقطع بأن وزارة أمن الدولة الصينية، هي من يستخدم (الهاكرز) المجرمين للهجمات الإلكترونية، الأمر الذي تنكره الصين على الدوام، وما لا يتوافق مع تصريحات بكين المستمرة والمستقرة حول قيامها بدور مسؤول عن الأمن العالمي.
لم تتوقف الاتهامات عند حدود الأميركيين هذه المرة، فمن جهته ذكر الاتحاد الأوروبي أن الهجمات السيبرانية التي انطلقت من الصين اخترقت خادم "مايكروسوفت إكستشينج"، لتؤثر بذلك على الآلاف من أجهزة الكمبيوتر والشبكات حول العالم.
استدعت الاختراقات الأخيرة تصريحات خاصة من جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي قال فيها "لقد رصدنا أنشطة سيبرانية خبيثة ذات آثار كبيرة استهدفت المؤسسات الحكومية والمنظمات السياسية في الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء وكذلك الصناعات الأوروبية الرئيسة"، مضيفاً أن الهجوم "أثر بشدة على اقتصادنا وأمننا وديمقراطيتنا ومجتمعنا بشكل عام".
تطرح تصريحات بوريل تساؤلاً عميقاً عمن له مصلحة في إحداث مثل هذا الإرباك في الداخل الأوروبي، غير الصين، إذ لا يمكن أن تقوم واشنطن بذلك، كما أن موسكو لا تزال تتمسك ببصيص من الأمل لجهة المشروع الأوراسي، وأفضل دليل على صدقية هذا الحديث تمسك موسكو وألمانيا وعدد من دول أوروبا بمشروع، السيل الشمالي، الخاص بمد روسيا لأوروبا بالغاز والطاقة.
خداع السماء... مفتاح فهم اللغز
ويبقى التساؤل المثير لكثير من العقول: كيف يمكن للصين التي تأتي بعد أميركا بخطوات واسعة في مجالات التقدم العلمي والتكنولوجي أن تقوم بمثل هذه الأعمال من تجسس تقليدي قديم، وولوج إلى شبكات الكمبيوتر والوزارات الأميركية سيبرانياً بشكل حديث؟
الجواب ربما نجده لدى الكاتب الأميركي بيل غيرتز، في مؤلفه الجديد، والذي صدر في سبتمبر (أيلول) عام 2019 تحت عنوان "خداع السماء"، وفيه يبيّن أن الاستخبارات الصينية لديها قطاعان متخصصان في سرقة التكنولوجيا العسكرية الأميركية: القطاع الأول ويدعي 3PLA والذي تخصص في سرقة التكنولوجيا العسكرية الأميركية من خلال الهجمات السيبرانية. والقطاع الثاني يسمى الدائرة الثانية في إدارة الأركان العامة أو 2PLA والمخصص لجمع المعلومات عن الأسلحة، إضافة إلى جهاز 4PLA والذي يقوم بمهات التجسس والاختراق الإلكترونية.
عطفاً على ذلك فإن بكين تبرع في تشكيل لجان إلكترونية معروفة علناً باسم "فيفتي سنت آرمي"، وقد أشارت إليها قناة "الحرة" الأميركية في تقرير موسع، إلى جانب أجهزة أخرى أكثر غموضاً تعمل على سرقة التكنولوجيا العسكرية.
أما صحيفة "واشنطن بوست" فقد نشرت في تقرير لها أنباء حول محاولة الاستخبارات الصينية شراء برنامج "بويزن إيفي"، من إحدى شركات الأمن السيبراني الصينية، و"بويزن إيفي" معروف في دوائر المخترقين الإلكترونيين عالمياً، بأنه أكثر البرامج المفضلة من قبل الجيش الصيني، وهو إحدى الأدوات التي تستخدمها الاستخبارات الصينية لجمع المعلومات، والسبب في انتشار استخدام "بويزن إيفي"، هو أن كل الأجهزة التي تعمل على أنظمة ويندوز تعتبر فريسة سهلة له، وبمجرد الدخول للجهاز عن طريق البرنامج، فإنه يمكن التقاط صور وفيديوهات، ونقل ملفات، وسرقة كلمات سر، وأمور أخرى.
وفي الخلاصة، يبقى الخوف الأكبر من أنه عند لحظة من سخونة الرؤوس، وبسبب اختراق سيبراني عالي المستوى وخطير، أن تتحول تهديدات الرئيس الأميركي بايدن، إلى واقع حال، وقد أشار الرجل إلى أنه يمكن أن تتحول الهجمات السيبرانية إلى مواجهة عسكرية حقيقية... فهل تؤدي جاسوسية الصين إلى فخ ثيؤسيديدس؟