تشهد العلاقات المغربية - الجزائرية تدهوراً مزمناً، بسبب تراكم الخلافات التي نشبت نتيجة قضية تقسيم الحدود، واستمرت إلى الآن. ومنذ ذلك الحين أصبح نظاما البلدين على طرفي نقيض، يتنافس كل واحد منهما على الريادة الإقليمية والقارية، إضافة إلى تبادلهما الاتهامات، وعملهما على كسب تحالفات في المنظمات الإقليمية والقارية والدولية، لضرب مصالح الطرف الآخر.
وكان آخر تطور في تدهور علاقات البلدين إعلان وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الثلاثاء الماضي، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، "على خلفية أفعاله العدائية المتواصلة ضد الجزائر"، محملاً صناع القرار في المغرب مسؤولية تردي العلاقات بين البلدين، بسبب دعم الرباط منظمتين إرهابيتين ضالعتين بالحرائق الأخيرة، التي اندلعت في الجزائر. وأشار الوزير الجزائري إلى أن قطع العلاقات مع المغرب لا يعني تضرر مواطني البلدين، وستمارس القنصليات دورها المعتاد.
ردة فعل
وفي أول تعليق له على القرار الجزائري أعرب رئيس الحكومة المغربي، سعد الدين العثماني، عن تفاجئه من التوجه الجزائري، معبراً عن أسفه الشديد، باعتبار أن تلك الخطوة تأتي بعد الدعوة الثالثة التي وجهها الملك محمد السادس، ومد من خلالها اليد للمصالحة، وبدء الحوار مع الإخوة في الجزائر دون شروط.
وعلى الرغم من تشديد وزير الخارجية الجزائري على أن مصالح مواطني البلدين "لن تتأثر" بالقرار، فإن المغرب في رده يتجه إلى غلق سفارته في العاصمة الجزائر، على أن يعود الطاقم الدبلوماسي العامل بها إلى المملكة، فيما ستظل القنصليات المغربية في كل من العاصمة الجزائر ووهران وسيدي بلعباس، مفتوحة، حسب مصادر دبلوماسية مغربية.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، المغرب والجزائر، إلى تجاوز خلافهما، حيث صرح المتحدث باسمه، استيفان دوجاريك، بأن "الأمين العام يشجع الدولتين الجارتين على إيجاد طريق للمضي قدماً نحو إصلاح العلاقات بينهما، بما في ذلك السعي نحو السلام والاستقرار في المنطقة".
العودة إلى القطيعة
إن قرار الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب يدخل البلدان مرحلة القطيعة، بسبب تراكمات عديدة من الخلافات والصراعات، لكنها ليست المرة الأولى التي تدخل فيها علاقة البلدين مرحلة القطيعة التامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان المغرب قد أقدم على قطع علاقاته مع جارته الشرقية في عام 1976، اعتراضاً على إعلان الجزائر اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية"، جاء ذلك بعد عام واحد من قيام الراحل الحسن الثاني بتنظيم المسيرة الخضراء، التي شارك فيها 350 ألف شخص، بهدف استرجاع منطقة الصحراء، التي يعتبرها المغرب امتداداً لأراضيه بعد انتهاء الاحتلال الإسباني لها.
من جانبها، لا تستسيغ الرباط امتعاض الجزائر من استرجاع المغرب أراضيه الجنوبية، فيما تذهب تحليلات أن الجزائر ترغب بشكل كبير في منفذ على المحيط الأطلسي، إضافة إلى الثروات المعدنية والنفطية المحتمل وجودها بمنطقة الصحراء، كما لا يستسيغ المغرب استقبال الجزائر على أراضيه لـ"جبهة البوليساريو" ودعمها بالمال والسلاح، ذلك التنظيم الذي تتنازع الرباط معه السيادة على الصحراء، وتعتبره إرهابياً.
لائحة الاتهامات
كانت الرئاسة الجزائرية قد أصدرت بياناً على أثر اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن في 18 أغسطس (آب) الحالي، الذي خصص لتقييم الوضع العام عقب سلسلة الحرائق الذي عرفتها البلاد، مشيرة إلى ثبوت "ضلوع الحركتين الإرهابيتين (الماك) و(رشاد) في إشعالها، وكذا تورطهما في اغتيال المرحوم جمال بن سماعيل".
وأضافت أن "المجلس الأعلى للأمن قرر تكثيف المصالح الأمنية، لجهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين، وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين، اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذرياً، لا سيما (الماك) التي تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، خاصة المغرب والكيان الصهيوني".
وأوضح البيان، أن الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر، تطلبت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية.
اتهامات مضادة
من جانبه، يوجه المغرب مجموعة من الاتهامات لجارته الشرقية، فبعد العداء بين النظامين، الذي نشب بسبب نزاع تقسيم الحدود، الذي وصل إلى حد المواجهة العسكرية خلال "حرب الرمال"، تتهم المملكة الجزائر بالعمل على تقوية شوكة "جبهة البوليساريو" عبر منحها جزءاً من أرضها ودعمها المالي المهم، كما تتهم الرباط مخابرات جارتها بالضلوع في تفجير فندق "أطلس أسني" بمدينة مراكش في عام 1994، الذي ردت السلطات الجزائرية عليه بغلق الحدود البرية مع المغرب.
كما تتهم الرباط المخابرات الجزائرية بالتعاون مع مدريد في تنظيم نقل زعيم "البوليساريو"، إبراهيم غالي، للاستشفاء في أحد المستشفيات الإسبانية بشكل سري، وبهوية مزورة، كما يستغرب المغرب اعتراض الجزائر على دعم السفير المغربي لدى الأمم المتحدة لاستقلال منطقة القبائل في الوقت الذي تدعم فيه مبدأ تقرير المصير في الصحراء.
وفي الوقت الذي تعلن فيه الجزائر رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، وترفض استقبال حاملي الجوازات الإسرائيلية، ركزت وسائل الإعلام المغربية على تناقل ما اعتبرته فضيحة فجّرتها مجلة "ميديا بارت" الفرنسية تخص الكشف عن اتفاق سري بين جنرالات الجزائر وإسرائيل عقد عام 2014، مشيرة إلى أن الجزائر قبلت توقيع اتفاق تجاري مع إسرائيل بوساطة مصرية بشرط أن يبقى الأمر سراً.
حرب المحروقات
تروج أنباء حول توجه الجزائر إلى توريد النفط إلى إسبانيا عبر خط "ميدغاز" والاستغناء عن الأنابيب العابرة للأراضي المغربية، في الوقت الذي ينتهي فيه العقد الخاص بها في أكتوبر المقبل، وكانت قد طرحت تكهنات خلال الشهور الأخيرة عن عدم رغبة الجزائر في تجديد العقد الذي يربطها مع إسبانيا والمغرب، على الرغم من أن وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، اكتفى، الخميس الماضي، خلال استقباله سفير إسبانيا لدى الجزائر، فرناندو موران كالفو سوتيلو، بالحديث عن الجهود التي تبذلها الجزائر لضمان أمن إمدادات الغاز الطبيعي للسوق الإسبانية عبر المشاريع الأخيرة التي جرى إطلاقها، مثل مشروع توسيع طاقة خط أنابيب الغاز "ميدغاز" الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا.