أثارت قضية اختفاء خمسة سوريين بالقرب من السفارة السورية، بلبلةً كبيرة في لبنان، إذ تم التداول بأنهم استُدرجوا إلى السفارة لتسلّم جوازات سفرهم قبل أن يفقد الاتصال بهم، من بينهم توفيق الحاجي، الذي كان في السابق قائداً في "الجيش السوري الحر".
واللافت أن الشبان الخمسة كانوا قد دخلوا إلى لبنان يوم 18 أغسطس (آب)، وتقدموا بطلبات للحصول على جوازات سفر من السفارة السورية في بيروت، بهدف التوجه لاحقاً إلى كردستان العراق. وتداول ناشطون أنه تم الإيقاع بالشبان بعد أن طلب منهم القدوم هذا الأسبوع لتسلم جوازاتهم، إذ إنه "في العادة تحتاج جوازات السفر بين 14 و28 يوماً لتجهز"، وتم اعتقالهم واختطافهم إلى جهات غير معلومة حتى الساعة، بحسب متابعين.
إلا أن مصدراً في مديرية استخبارات الجيش اللبناني أكد أن المعلومات المتداولة عن عملية الاختطاف غير دقيقة، كاشفاً عن أن حاجزاً للجيش اللبناني أوقف هؤلاء الشباب بسبب عدم امتلاكهم وثائق رسمية، ليتبين لاحقاً أنهم دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، وأنه تم إطلاق سراح أربعة أشخاص من الموقوفين الخمسة.
وأشار بيان صادر عن الجيش إلى أنه بتاريخ 27/8/2021، أحالت مديرية الاستخبارات إلى المديرية العامة للأمن العام كلاً من السوريين (ت. ح)، و(ع. ق)، استناداً لإشارة النيابة العامة العسكرية، لدخولهما خلسة إلى الأراضي اللبنانية ووجودهما عليها بصورة غير قانونية.
كما أوقفت مديرية الاستخبارات في منطقة اليرزة – بعبدا، كلاً من (م. ع. و)، و(م. س. و)، و(أ. ع)، و(إ. ش)، وهم من الجنسية السورية، وقد دخلوا الأراضي اللبنانية خلسة بطريقة غير قانونية بمساعدة مهربين، بعدها بوشر التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص.
قائد في "الجيش السوري الحر"
وفي السياق ذاته، أكد المتخصص بالقانون الإنساني الدولي، ومدير مؤسسة "لايف" الحقوقية، نبيل الحلبي، أن مؤسسة "لايف"، وفي إطار متابعتها لملف اختفاء السوريين الخمسة قرب السفارة السورية، توصلت إلى معلومات خطيرة تتعلق بالمخطوف توفيق فايز الحجي، وهو من مواليد 1986، وكان قائد أحد ألوية جيش الأبابيل في الغوطتين، وفي جاسم، مؤكداً أنه "تم خطفه بالقرب من مبنى السفارة السورية في اليرزة على يد مجموعة أمنية"، مشيراً إلى أنه تم تسليمه لاحقاً إلى شعبة مكافحة الإرهاب في استخبارات الجيش، وأنه حتى الساعة لم تتأكد المؤسسة من عدم تسليم الجيش اللبناني لفايز الحجي إلى السلطات السورية، كاشفاً عن أن الشعبة ذاتها كانت قد سلمت قبل أيام شاباً سورياً إلى الاستخبارات السورية.
وأعلن الحلبي أنه من خلال متابعة مؤسسة "لايف" لهذه الحالات المتكررة هذا الأسبوع، تبين أن جميع المستهدفين بأعمال المتابعة والخطف هم من محافظة درعا، بالتالي تكون خلفية هذه الانتهاكات المتكررة متصلة على الأرجح بالنزاع الحاصل في الجنوب السوري، كما يدل على أن "مؤسسات الدولة اللبنانية لا تزال متورطة بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية السورية لتعقب وملاحقة وتسليم المعارضين السوريين"، مطالباً الدولة اللبنانية بتأمين الحماية للاجئين السوريين المعارضين لنظام الحكم في بلادهم.
وشدد الحلبي على ضرورة الكشف عن مصير باقي الشباب المخطوفين، مذكراً بجرائم خطف مشابهة استهدفت نشطاء سوريين معارضين تورطت فيها السفارة السورية في لبنان، وفق تحقيقات قام بها جهاز فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي اللبناني، أثبت من خلالها وقائع خطف خمسة إخوة من آل جاسم، وتم نقلهم لاحقاً إلى الداخل السوري عام 2011.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نفي قاطع"
في المقابل، نفى السفير السوري، علي عبدالكريم علي، نفياً قاطعاً هذا الأمر، مؤكداً أن هذا الخبر "غير صحيح، ولم يتم اعتقال أي شخص داخل السفارة".
وشدد قائلاً، "بالتأكيد، لم يختفِ أحد داخل السفارة، ونحن نتواصل الآن مع الأجهزة الأمنية ونأمل التوصل إلى جواب".
كذلك أشارت مصادر في "حزب الله" إلى أنها لم تعلم بعملية اختفاء خمسة سوريين سوى من بعض الوسائل الإعلامية، معتبرة أن الفوضى الحاصلة في لبنان تكشف البلاد أمام اختراقات وعمليات استخباراتية تستهدف الاستثمار السياسي.
شراكة لبنانية - سورية
من جانبه، ينفي المحامي والناشط الحقوقي، طارق شندب، أن يكون الشبان الخمسة تم توقيفهم على أحد الحواجز العسكرية، موضحاً أن أحد قادة الحراك الشعبي في درعا اعتقل في حرم السفارة السورية عندما حضر لتسلم جواز سفره بناءً على اتصال من قبل أحد موظفي السفارة. وقال إن سيارة فيها أربعة مسلحين اقتادته، لحظة وصوله إلى مدخل السفارة، إلى جهة مجهولة ضمن حرم السفارة، والأمر نفسه حصل مع الشبان الأربعة في اليوم التالي.
وبرأي المحامي، فإن السفارة السورية في بيروت متورطة بالشراكة مع الأمن العام اللبناني أو مع أحد أجهزة الاستخبارات بعملية الاختطاف بهدف تسليم المختطفين للنظام السوري بحجج واهية، مطالباً السلطات اللبنانية الدخول إلى السفارة السورية، لا سيما أن هناك معلومات عن وجود أقبية تعذيب داخل تلك السفارة.
وكشف شندب عن أنه ومجموعة من المحامين سيتقدمون، الاثنين 30 أغسطس، بدعوة جزائية أمام النيابة العامة بحق السفير السوري علي عبدالكريم علي بجرم خطف مدنيين على الأراضي اللبنانية.
وفي محاولة للوقوف على رأي السفارة السورية في لبنان حول تلك الأخبار المتداولة، حاولنا الاتصال بالسفارة من دون أن نحظى بأي جواب، في حين شدد مصدر مقرب من السفارة على أن "كل تلك الأخبار مختلقة، وأن نشاط السفارة يقتصر على الحدود الدبلوماسية وتمثيل سوريا في لبنان".
أنشطة غير دبلوماسية
من جانبه، اعتبر المحامي في القانون الدولي، أمين بشير، أن السلطات الأمنية اللبنانية تمارس انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، متسائلاً عن سبب تأخر الأجهزة الرسمية بكشف ملابسات اختفاء الشبان الخمسة، سواء إذا تم توقيفهم نتيجة شبهات معينة من قبل الأجهزة الرسمية اللبنانية، أو إن صحت المعلومات المتداولة عن اختطافهم من قبل عناصر أمنية تابعة للسفارة السورية.
ولفت إلى أن السفارة السورية في لبنان دأبت على انتهاك الأعراف والقوانين الدولية، مشيراً إلى أنه تم إدراج السفير السوري علي عبدالكريم ضمن لائحة الشخصيات السورية الواردة على لائحة العقوبات الأميركية بتهمة "ممارسة أنشطة لا تتفق مع وضعه الدبلوماسي".
وبرأي بشير، فإن السوريين الخمسة قد يكونون بعهدة الأجهزة الأمنية اللبنانية الآن بهدف لملة الأمور، إلا أن الثابت هو الاتصال الذي تلقاه هؤلاء بالقدوم إلى السفارة لتسلم جوازاتهم، بالتالي هناك ريبة شديدة من أن تكون جهات في السفارة أرادت اعتقال الشبان المعارضين للنظام، والذين تبين أنهم من محافظة درعا، حيث يواجه النظام انتفاضة شعبية متجددة، داعياً اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصفتها حارساً للقانون الدولي الإنساني، والحصانة التي تمنحها اتفاقية جنيف، والتي تخولها زيارة المدنيين المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، موضحاً أنه يحق للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تتصرف كبديل للدولة الحامية في حالة غيابها، بالتالي تمتلك الحق بزيارة السفارة السورية في لبنان والتحقيق مع الموظفين الذين اتصلوا بالشبان، ووضع تقريرها ليرفع إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وذكر بشير أن قانون اللاجئين، وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تحظر جميعاً على الدول إجراء عمليات إعادة قسرية للاجئين إلى بلدان يخشى فيها بناءً على أسس قوية الاضطهاد أو التعذيب، لافتاً إلى أن البروتوكول الثاني (المادة 17) يحظر الترحيل القسري للمدنيين، إذ لا يجوز الأمر بترحيلهم إلا بصفة استثنائية، وهذا ما نصت عليه المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي اعتبرت الترحيل القسري للسكان من قبيل الجرائم ضد الإنسانية.
انتهاك خطير
وفي السياق ذاته، أشار "الحزب التقدمي الاشتراكي" في بيان إلى أنه بعد تكرار حالة اختفاء مواطنين سوريين لدى مراجعتهم سفارة بلادهم في لبنان من دون أي مسوغ، ومن دون أي تفسير أو توضيح للوضعية القانونية، ومن دون تبيان مصيرهم، في خطوة أقل ما يقال فيها إنها خرق لكل المواثيق والأعراف الدولية والقوانين المرعية الإجراء وللسيادة اللبنانية ولمبادئ حقوق الإنسان، فإن ذلك يبعث على القلق على مدى التزام المؤسسات الرسمية اللبنانية بالقرارات ذات الصلة التي توجب حماية الفارين من القتل والدمار، ويطرح الأسئلة المشروعة حول مصير مختلف المعارضين السوريين، الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بطرق مختلفة هرباً من الاعتقال والتعذيب والموت.
وطالب البيان وزارة الخارجية بالتحرك حيال هذا الانتهاك الخطير لسيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، كما يطرح على المطالبين بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم السؤال حول النموذج الذي تقدمه مثل هذه الظاهرة الخطيرة عن العودة "الآمنة" المفترضة.