نهضت بريطانيا بمحاولة أخيرة لإخراج نحو 2000 مترجم وموظف أفغاني من كابول، الخميس الماضي، الذي كان من المتوقع أن تنتهي فيه عملية الجسر الجوي التي نفذها سلاح الجو الملكي.
وإذ يتصاعد التوتر مع اقتراب 31 أغسطس (آب)، الموعد النهائي لعملية انسحاب القوى الأجنبية، ذكر مصدر عسكري أن هنالك "خطراً كبيراً للغاية من شن هجوم إرهابي" بواسطة تفجير انتحاري أو إطلاق نيران أسلحة صغيرة على الوحدة العسكرية البريطانية المؤلفة من 1000 جندي، في الأيام الأخيرة التي تسبق رحيلها النهائي عن كابول.
في هذه الأثناء، تتواصل المملكة المتحدة مع ممثلي حركة "طالبان" في أفغانستان، وأيضاً في الخليج [العربي]، من أجل تسهيل عمليات الإجلاء، وكذلك الحصول منها على ضمانات في شأن سلامة من يبقون في أفغانستان. في المقابل، أقر وزراء بريطانيون بأن الفوضى السائدة في كابول من شأنها أن تعوق حتماً إخراج بعض الأفغان المؤهلين للمجيء إلى المملكة المتحدة.
واستطراداً، أصر مسؤولون في لندن على أن توقيت رحلة الإجلاء الأخيرة إلى المملكة المتحدة لم يجرِ تحديده بعد. وكذلك أوضح بن والاس، وزير الدفاع، في مؤتمر أجراه من طريق الهاتف مع أعضاء في مجلس العموم مساء الأربعاء الماضي، أن الوقت قد بات قصيراً للغاية. ويتعين على بريطانيا بموجب الاتفاق الذي عقدته مع واشنطن، أن تنهي وجودها العسكري الفعلي في المطار قبل الانسحاب النهائي للقوات الأميركية ومعداتها العسكرية. وسيخصص اليومان الأخيران اللذان يسبقان الموعد النهائي الذي حدده الرئيس جو بايدين، الانسحاب القوات والمعدات بحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
يذكر أنه جرى إجلاء أفراد يبلغ عددهم الإجمالي 10291 شخصاً من 38 جنسية مختلفة، بمن فيهم ما يزيد على 5500 أفغاني مع عائلاتهم، إلى بريطانيا منذ 13 أغسطس، بمعدل 2000 شخص في اليوم. وتعتبر العملية الأميركية التي من المقرر أن تجلي ما يزيد على 80 ألف شخص يومياً، أكبر جسر جوي من نوعه في التاريخ، إذ يزيد عدد من ستنقلهم هذه العملية إلى الخارج على عدد أولئك الذين جرى إجلاؤهم من فيتنام عبر عملية مماثلة عند سقوط سايغون في 1975. وقد أقلعت 90 طائرة مليئة بالركاب من كابول بمعدل واحدة كل 39 دقيقة، على مدار 24 ساعة من يوم الثلاثاء وحتى الأربعاء الماضيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك تجمع ما يزيد على 10000 شخص ضمن مطار كابول في انتظار الرحيل عن أفغانستان. ووصف البريغادير دان بلانتشفورد، قائد بعثة الإجلاء البريطانية، مشاهد "صادمة" في المطار لـ"عائلات وأفراد اضطروا إلى أن يصارعوا في ظروف يائسة للغاية" حتى يتمكنوا من الوصول إلى البوابات.
وبحسب البريغادير، الذي تحدث من كابول،" لا يمكنني أن أشعر بقدر أكبر من الفخر الذي أحس به سلفاً من جنودنا، نساءً ورجالاً، الذين وضعتهم على خط المواجهة الأول هنا، وقد رأوا بعض المشاهد المحزنة للغاية. وتابعوا العمل على مدار الساعة طوال الأيام الثلاثة الماضية بهدف ضمان قدرتنا على تقديم المساعدة لأكبر عدد ممكن من الأفغان والأفراد المعرضين للخطر، وإخراجهم بأمان من أفغانستان إلى مكان آمن".
على نحو مماثل، أشارت وزارة الدفاع الأميركية إلى أنها ستواصل محاولة إخراج الناس في "كل يوم وكل ساعة متبقية أمامنا". في المقابل، حذرت الوزارة من أن القدرات ستوضع جانباً في اليومين الأخيرين "بهدف إعطاء الأولوية لخروج القوات والعتاد وكل ما يتعلق بهما".
في غضون ذلك، تعرض بوريس جونسون إلى ضغوط كي يكثف الاستعدادات من حصول "كارثة إنسانية" محتملة حذر نواب وجمعيات خيرية من وقوعها في أعقاب إغلاق المطار، حينما يبدأ الآلاف ممن لم يستطيعوا مغادرة البلاد بالفرار خوفاً من خطر الانتقام من جانب النظام الأصولي المتشدد في كابول، بعد أن يكون قد تحرر من القيود المتبقية على أفعاله.
في ذلك الصدد، نقل دان جارفيس، النائب العمالي الذي يعد من كبار أعضاء مجلس العموم، إضافة لكونه عسكرياً سابقاً خدم في إقليم هلمند في أفغانستان، إلى صحيفة "اندبندنت" أن الاستعدادات لدعم إجراءات استقبال سيل محتمل من اللاجئين في الدول المجاورة، لا سيما باكستان، تسير بطريقة "بطيئة" حتى الآن. واعتبر جارفيس أن بوريس جونسون يتحمل بوصفه رئيس "مجموعة الدول الكبرى السبع" مسؤولية قيادة الحملة الرامية إلى تنظيم استجابة دولية متضافرة، وكذلك تأمين ضمانات من "طالبان" خلال الأيام المقبلة بأن المنظمات الإنسانية ستكون قادرة على العمل بأمان داخل أفغانستان.
في المقابل، أفاد أندرو ميتشيل، وزير التنمية الدولية السابق الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، في حديث إلى "اندبندنت" بأنه بدا "من الضروري" أن يتخذ المجتمع الدولي الاستعدادات اللازمة الآن لمواجهة "نزوح كبير للأفغان المعدمين عبر الحدود إلى كل من باكستان وإيران".
في سياق متصل، حذر ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لـ"برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة"، من وجود "عاصفة كاملة وشيكة متأتية من سنوات عدة من الجفاف، والصراع، والتداعي الاقتصادي، وقد تفاقمت أيضاً بسبب (كوفيد)". وأضاف أن هناك نحو 14 مليون إنسان مهددين حالياً بالمجاعة.
وفي نفس مماثل، ذكر ديفيد ميليباند، رئيس "لجنة الإنقاذ الدولية" أن التركيز المنصب حالياً على الحالة السائدة في المطار، يجب ألا يصرف الانتباه عن المحنة التي يعانيها الأفغان في أجزاء أخرى من البلاد.
وأضاف، "ثمة حاجة لاتخاذ إجراءات في الوقت الحالي بهدف معالجة الأزمات الإنسانية المتنامية في ذلك البلد، علماً بأن 18.4 مليون أفغاني، بينهم 10 ملايين طفل، يعتمدون اعتماداً كبيراً على المساعدات".
وتابع ميليباند، "لقد حذر (برنامج الغذاء العالمي) من أن الإمدادات الغذائية الأساسية قد تنفد مع حلول أكتوبر (تشرين الأول)، فيما ينتشر الجوع الشديد في أنحاء البلاد. وبزيادة مقدارها 53 في المئة، قفز عدد الناس الذين باتوا بلا مأوى بسبب الصراع من 360000 إلى 550000 شخص خلال شهر أغسطس وحده".
وزاد ميليباند أن التعهدات الحالية من دول "مجموعة السبع"، تأتي فعلياً "أقل بكثير من أن تستطيع معالجة حاجات بهذا المستوى في البلاد"، بالتالي ينبغي أن تحذو الدول الغنية حذو المملكة المتحدة و"مجموعة السبع" في رفع مستوى التمويل الخاص بمساعدات من شأنها أن تنقذ حياة الناس على الأرض، وفق ميليباند.
وفي تطور مُوازٍ، أعرب نواب يصل عددهم إلى 200 من أعضاء مجلس العموم من مختلف المشارب السياسية، في إطار المؤتمر الذي أجراه الوزير والاس عبر الهاتف، عن مخاوفهم حيال حالات أفراد يخشون التعرض للاضطهاد بسبب روابطهم مع جهات دولية أو جراء ما أدوه من عمل في مجال حقوق الإنسان وتعليم المرأة.
وفي ذلك المؤتمر، أوضح أحد النواب أن "هنالك مقداراً كبيراً من التوتر حول ما سيجري بعد 31 أغسطس، إذ ستحدث ضغوط سياسية كثيرة على الحكومة من أجل أن تبذل قصارى جهدها في تهيئة الظروف لحماية أناس عديدين من القتل بسبب خدمتهم السابقة [مع الحكومة البريطانية]".
على هذا الصعيد، ذكر دومينيك راب وزير الخارجية، أن "كل ساعة وكل يوم لدينا" سيستعمل في مساعدة الناس على الفرار. في المقابل، رفض راب استبعاد احتمال اضطرار القوات البريطانية إلى استكمال عملية الانسحاب مع حلول نهاية يوم الجمعة. وأقر بأن بعض الأشخاص المؤهلين للإجلاء لن يغادروا، بل سيبقون في أفغانستان.
في سياق مشابه، أفادت فرنسا بأنه من المرجح أن تنهي عملية الإجلاء خلال ساعات أو أيام، فيما أبلغت المستشارة أنغيلا ميركيل البرلمان الألماني أن "إنهاء عملية الجسر الجوي في أيام قليلة يجب ألا تعني نهاية الجهود الرامية إلى حماية الأفغان الذين قدموا مساعدات". وكذلك أوضح دبلوماسي ألماني كبير أن جماعة "طالبان" قدمت ضمانات بأن المواطنين الأفغان ممن يحملون وثائق قانونية سيتمكنون من السفر إلى الخارج على متن رحلات جوية تجارية، بعد نهاية الشهر الحالي.
وفي ذلك الصدد، يذكر أن جونسون الذي تحدث بعد اجتماع قمة "مجموعة السبع"، قد جعل وجود ممر آمن للاجئين على رأس المطالب التي أرادها من "طالبان"، من دون أن يشير إلى احتمال تقديم مساعدات مالية ودبلوماسية، إضافة إلى الإفراج عن الأصول المجمدة "الضخمة"، إذا أظهر الحكام الجدد في كابول احتراماً لحقوق الإنسان وقرورا الإقلاع عن دعم الإرهاب.
وقد فتحت المملكة المتحدة قنوات اتصال مع عدد من ممثلي "طالبان" من مستويات متنوعة. في المقابل، تعترف مصادر في الحكومة البريطانية بأن لندن لا تزال غير متأكدة من الموقف الذي سيبادر النظام الجديد إلى اتخاذه في أعقاب مغادرة القوات الأجنبية، بالنظر إلى عدم وجود بنية واضحة في القيادة والسيطرة ضمن تلك الجماعة المتطرفة.
وفي ملمح بارز، ضاعفت المملكة المتحدة قيمة مساعدتها التي ارتفعت إلى 286 مليون جنيه استرليني (336.21 مليون دولار). في المقابل، ليس من شك في شأن اعتزام بريطانيا إنشاء مخيمات أو السعي إلى إخراج أفراد من البلاد، بعد انتهاء الجسر الجوي الحالي، إذ بدأت المباحثات فعلاً مع الدول المجاورة لأفغانستان في شأن إنشاء "مراكز إجراءات" خاصة بالأفغان الذين قد يحق لهم إعادة التوطن في المملكة المتحدة. واستكمالاً، من المتوقع أن تشمل تلك المراكز وحدات صغيرة تنشر في مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أو أنها قد تنشأ في السفارات ومقرات القنصليات المحلية.
وفي ذلك المجال، أوضح النائب جارفيس لصيحفة "اندبندنت" أنه في الوقت الحاضر "بات من الأولويات السياسية العاجلة التعامل مع نظام "طالبان" الجديد وإقناعه بالحاجة إلى تحمل عمليات المنظمات الإنسانية غير الحكومية وقبولها والسماح بالمرور الآمن إلى خارج البلاد".
واستطراداً، وجه جارفيس دعوة إلى رئيس الوزراء باعتباره رئيس "مجموعة السبع" حالياً، إلى قيادة الحملة الرامية إلى إنشاء مجموعة اتصال دولية من البلدان المستعدة لأن تدعم الجهود الإنسانية في المنطقة. واعتبر جارفيس أيضاً أن "المشاركة الإقليمية تبدو بطيئة في هذا المجال. هناك حاجة إلى تعامل سياسي على مستوى رفيع مع القيادة السياسية الباكستانية كجزء من جهود دولية متضافرة ترمي إلى ممارسة أقصى درجة ممكنة من التأثير".
وأخيراً، أضاف النائب العمالي "لا يوجد من يشعر بالحماس في شأن آفاق التعامل مع "طالبان"، غير أننا قد بذلنا كثيراً من الجهد في هذا البلد، ويجب علينا أن نؤدي دوراً بارزاً في الجهود الهادفة إلى بسط الاستقرار هناك. وباعتبار أن رئيس الوزراء يترأس "مجموعة الدول الكبرى السبع"، يتوجب عليه أن يؤدي دوراً قيادياً في المساعي الرامية إلى تنسيق ذلك النشاط، لأنه إن لم يحدث ذلك، فإن الكارثة الإنسانية التي ستقع ستكون خطيرة".
© The Independent