أثارت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب ردود فعل عربية وغربية، وفي حين اختارت عدة دول الدعوة إلى الحوار لتجاوز الانسداد، لاحت في الأفق بوادر "وساطة" سعودية - مصرية لمنع التصعيد بين البلدين وإعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية.
يبدو أن المضمار مفتوح أمام السعودية لقيادة وساطة من شأنها تخفيف التوتر بين البلدين، لعدة اعتبارات، أهمها القبول الذي يحظى به قادة هذا البلد، وكذلك تجاربها السابقة، إضافة إلى المسارعة للتعليق على قرار قطع العلاقات كأول دولة عربية، ودعوتها لتغليب الحوار والحلول الدبلوماسية.
ولم يتوقف تحرك الرياض عند حد بيان خارجيتها، وإنما استمر التواصل مع الجزائر والمغرب، ولم تتوقف المكالمات الهاتفية مع وزيري خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، والمغرب ناصر بوريطة، وهو ما كشف عنه لعمامرة، في تغريدة، حين أبرز أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من وزيري خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، تناول العلاقات الثنائية، إلى جانب تبادل وجهات النظر حول قضايا إقليمية ودولية تحظى باهتمام مشترك، من دون أن يشير صراحة إلى وجود حديث عن الأزمة مع المغرب، و"هو تصرف مفهوم في الأعراف الدبلوماسية"، لكن بالمقابل، يؤكد حرص الرياض على إيجاد أرضية اتفاق بين المتخاصمين لإعادة الأمور إلى مجاريها.
دعوات لتغليب الحوار... ومصر تبحث عن دور
ودعت عدة دول من بينها مصر ولبنان والبحرين وموريتانيا وسلطنة عُمان وفرنسا وغيرها من الدول العربية والغربية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى ضبط النفس وعدم التصعيد وتغليب الحوار لحل الخلافات، فيما طالبت ليبيا بعقد اجتماع لأعضاء اتحاد المغرب العربي.
وفي حين تلتزم الجزائر والرياض "السرية" و"التمويه"، دخلت مصر على الخط مباشرة، بكشف ما دار بين وزير خارجيتها سامح شكري، في اتصاله مع نظيريه الجزائري والمغربي، إذ قال شكري في بيان، إنه أجرى اتصالين هاتفيين بكل من لعمامرة وبوريطة، حيث تم التطرق إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين، وسبل الدفع قدماً بتجاوز تلك الظروف، وشدد على ضرورة العمل على إعلاء الحلول الدبلوماسية والحوار إزاء تحريك المسائل العالقة بينهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السعودية تحظى برضا الطرفين
في السياق ذاته، يعتبر مدير مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات، الأكاديمي المغربي إدريس لكريني، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن بروز عدد من الوساطات التي عبرت عنها مجموعة من الدول كما هو الشأن بالنسبة للسعودية ومصر وموريتانيا وفرنسا، يعكس القلق الشديد من إمكانية تطور الأوضاع إلى منحى خطير يمكن أن يربك المنطقة ويؤثر سلباً على السلم والأمن. وقال إنه في المرحلة الحالية يحتاج البلدان إلى مثل هذه المبادرات التي بإمكانها إعادة المياه إلى مجاريها، خصوصاً أن الأمور كلما تأخرت زادت الاصطفافات وتعقدت الأوضاع، ما يجعل الحلول على مستوى الأفق القريب أو المتوسط صعبة، لذلك "أعتقد أن تحلي الطرفين المعنيين بالأزمة بحسن النية وباستحضار المشترك بين البلدين، ومستقبل البناء المغاربي وتطلعات الشعبين، وأيضاً التحديات التي تحيط بالمنطقة والمخاطر التي يمكنها أن تنجم عن بقاء العلاقات مقطوعة، يمكن أن يمثل أرضية مهمة تسمح بتوفير مناخ سليم يدعم حقيقة إمكانية تجاوز المشكلات القائمة، لا سيما إذا كانت الوساطات فيها كثير من الجدية وحسن النية ومن المسؤولية".
ويعتقد لكريني، أن الفرصة سانحة لبناء علاقات أكثر قوة ومتانة، خصوصاً أن الأزمة الحالية قد تمثل أرضية لإطلاق نقاشات بنّاءة قد تمكن من استئناف العلاقات وتسمح بتجاوز النقاط الخلافية بين البلدين، مشيراً إلى أن الأمر يتوقف على المساعي الحميدة للدول المعنية بالوساطة، والتي لها علاقات متينة مع الطرفين يمكن استثمارها لتوفير سبل تجاوز الخلافات. وشدد على أن السعودية يمكنها أن تلعب دوراً مهماً بالنظر إلى أنها تحظى برضا الطرفين، أو بالاشتراك مع مصر، "أما بالنسبة لموريتانيا وفرنسا فلا أعتقد أن بإمكانهما قيادة وساطة"، بحسب تعبيره.
خلافات يصعب التعامل معها
يبدو أن الخلافات بين المغرب والجزائر، والتي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، يصعب التعامل معها، وتعرقل أية فرصة للحوار أو الوساطة، وعليه فإن الأمور مرشحة لأن تأخذ كثيراً من الوقت لتهدئة النفوس وتوفير مناخ يسمح بجلوس البلدين على طاولة الحوار، وكل ذلك مرتبط بوجود رغبة وإرادة حقيقية لتقديم تنازلات، وصولاً إلى تفاهمات في الملفات العالقة، لكن ذلك لن يحل الأزمة نهائياً.
من جانبه، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الجزائري، بريك الله حبيب، أن "الجزائر هذه المرة لن تغير رأيها في إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع المغرب من دون شروط وضوابط من شأنها أن تخلق جواً من الاحترام المتبادل وضبط النفس وعدم تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة بالمساس بأمن واستقرار الدول". وأبرز أنه "منذ نجاح السعودية في الوساطة بين البلدين خلال حكم الملك المغربي الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، توالت الأحداث والتهم الجاهزة من المغرب ضد الجزائر، انطلاقاً من أحداث مراكش 1994، إلى التصريح الأخير لممثل المغرب في هيئة الأمم المتحدة بخصوص دعم انفصال منطقة القبائل عن الجزائر"، موضحاً أن المبادرة الوحيدة الحالية التي يمكن أن تصنف ضمن المبادرات الجدية تحت غطاء البراغماتية النفعية هي مبادرة فرنسا التي تسعى من ورائها إلى حفظ مصالحها.
وسبق للسعودية أن قامت بجهود كبيرة خلال توليها وساطة بين الجزائر والمغرب، سمحت بعودة العلاقات بين البلدين وفتح الحدود بينهما في 1988، وذلك على خلفية قطع المغرب علاقاته مع الجزائر عام 1976، بعد اعتراف الأخيرة بقيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، فهل تفعلها الرياض مرة أخرى وتذيب الجليد بين الجزائر والمغرب؟