استضافت العاصمة العراقية بغداد، السبت الماضي، مؤتمراً شهد حضوراً إقليمياً ودولياً، وركز على إرساء الأمن في العراق والمنطقة وتعزيز الشراكات الاقتصادية بين البلدان المشاركة.
ويُعد هذا المؤتمر الفعالية الدولية الثانية التي تحتضنها بغداد، بعد القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر التي عُقدت في نهاية يونيو (حزيران) الماضي.
ونجحت الحكومة العراقية التي يرأسها مصطفى الكاظمي، من خلال احتضانها "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون"، في جمع الأضداد وخصوم الأمس في مدينة واحدة وتحت سقف واحد، إذ حققت القمة لقاءات ثنائية وثلاثية، أبرزها اللقاء القطري - الإماراتي واللقاء القطري - المصري الذي تحقق بعد قطيعة دامت سنوات.
مطلب عقد مؤتمر آخر
وبرز نجاح "مؤتمر بغداد" الذي ستكون له انعكاسات على الداخل العراقي، بخاصة مع انعقاده وسط تمثيل رفيع المستوى لم يسبق أن شهده العراق منذ أكثر من 18 سنة، إذ شهدت بغداد حضور أول أمير قطري هو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد سنوات طويلة، ومشاركة ملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الثانية، ووجود رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إضافة إلى استضافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزراء خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وتركيا مولود جاويش أوغلو، وإيران حسين أمير عبد اللهيان.
وظهرت في المقابل حاجة إلى قمة أخرى، لكن هذه المرة على المستوى العراقي الداخلي، تجمع الخصوم، بخاصة مع قرب إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إذ طفت على السطح خلافات ضمن المكون العراقي الواحد وبين بعضهم بعضاً، ما انعكس على الداخل العراقي والأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب منذ أكثر من 18 سنة جراء تلك الخلافات والتقاطعات السياسية.
دعوات إلى حوار وطني
وبين الحين والآخر، يطلق الساسة والأطراف المشاركة في العملية السياسية دعوات إلى عقد حوار وطني، لكنها لا تلقى الاستجابة المطلوبة، وكان آخرها للرئيس العراقي برهم صالح، الذي دعا في 18 أغسطس (آب) إلى "إطلاق حوار وطني يهيئ لأجواء انتخابية تسودها الثقة". وقال صالح إن "العراق يمر بمرحلة فاصلة ولحظة وطنية فارقة، واستحقاقات ملحة لا تخلو من تحديات جسيمة، من بينها إنهاء الفساد وترسيخ مرجعية الدولة المقتدرة بسيادة كاملة". وزاد "علينا الاحتكام إلى إرادة الشعب عبر الانتخابات، ويجب ألا نستخف بحجم التحديات التي تكتنف العملية الانتخابية وأن نتعامل مع المخاوف القائمة حولها بجدية عبر حوار وطني لتطمين العراقيين وغلق الثغرات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى الرئيس العراقي أن "الانتخابات يجب أن تكون المسار السلمي للتغيير والإصلاح والخروج بالبلد من أزماته المتراكمة، وهذا لن يتحقق من دون الإرادة الحرة للعراقيين بعيداً عن أي تدخل أو تلاعب، فالشعب مصدر السلطة وأساس الحكم".
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دعا في مارس (آذار) الماضي، إلى حوار وطني بين مختلف القوى السياسية والحركة الاحتجاجية، من أجل تحقيق تطلعات العراقيين. كما طالب القوى السياسية والأحزاب بـ"تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج، والتهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح الشعب الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي".
قمة أخرى تنعكس على الواقع الداخلي
ويرى مراقبون للشأن السياسي العراقي أن الشعب بحاجة إلى مؤتمر على الصعيد المحلي ينعكس على واقعه عبر توفير الاستقرار السياسي ومحاربة الفساد ورفع مستوى الخدمات وإيجاد حلول جذرية لمشاكل البلد، من كهرباء وماء وإنشاء المدارس والمستشفيات وتوفير فرص عمل للخريجين وغيرها.
واعتبر سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي أن "مشاكل العراق ومتطلبات مواجهة أزمته البنيوية أكبر من أن تحلها المؤتمرات، وعندما يكون البلد ضعيفاً داخلياً، من الصعب أن يحقق الكثير خارجياً".
أما الباحث السياسي علي البيدر فقال "علينا أن نتفق على أن العملية السياسية في العراق بُنيت من الخارج ولم يؤخذ رأي الشعب العراقي بها أو أنها لم تكن نتاج واقع، ولذلك نجد أن التجربة الديمقراطية لم تنجح ولم تتمكن من تحقيق أهداف وأحلام العراقيين". وأكد أن "الصراع السياسي في البلاد يقوم على أساس المصالح المباشرة دون النظر إلى مبادئ وقيم إنسانية يجب أن تكون في مقدمة الاهتمام". وأضاف البيدر أن "الكثير من مكونات المنظومة السياسية في العراق لا تريد تحقيق حالة إصلاح، كون أن ذلك سيصطدم بمصالحها وربما يزج بالكثير من رجالها في السجن، وهناك حالة من التخادم السياسي داخل المنظومة السياسية، وذلك ما يجعل مساحة الإصلاح في تراجع".
مصالحة وطنية ومجتمعية
وتابع البيدر "نحن نحتاج إلى إرادة سياسية لتقديم برنامج يعالج الواقع العراقي على كل المستويات والصعد وهذا ما نفتقر إليه اليوم. ما يحتاج إليه العراق اليوم هو إقامة مصالحة وطنية ومجتمعية حقيقية تلغى من خلالها قوانين وأنظمة عدة أُقرت في فترات طارئة، وتعديل الدستور وإبعاد البلاد عن التدخلات الخارجية، كي نتمكن من النأي بالعراق عن الأجندات التي تسهم في زيادة أزماته، والاستفادة من الدول ذات التجارب المشابهة والاستعانة بدول صديقة وتكثيف علاقاتنا مع الدول ذات المصالح المشتركة وذات الإمكانية المتقدمة".