شهد القطاع العقاري في بريطانيا نشاطاً غير متوقع في أغسطس (آب) الماضي، وارتفعت أسعار البيوت بشكل يفوق أضعاف توقعات السوق، وذلك بعد عملية تصحيح لم تستمر طويلاً في يوليو (تموز). ووفق أرقام شركة السمسرة والإقراض العقاري "نيشن وايد"، الصادرة أمس الأربعاء، ارتفعت أسعار البيوت في بريطانيا لشهر أغسطس بنسبة 2.1 في المئة مقارنة مع الشهر السابق، ما جعل معدل الارتفاع السنوي لأسعار العقار في أغسطس عند نسبة 11 في المئة.
وهكذا يكون سعر البيت في المتوسط زاد بحوالى 7 آلاف دولار (5 آلاف جنيه استرليني) في الشهر الماضي وحده. ونتيجة معدل الارتفاع هذا، وصل متوسط أسعار البيوت إلى 342786 دولاراً (248857 جنيهاً) في أغسطس.
ووصفت "نيشن وايد" معدل ارتفاع أسعار البيوت الشهر الماضي بأنه "غير متوقع". وجاءت نسبة الزيادة أعلى بكثير من توقعات السوق. وكان اقتصاديون استطلعت وكالة "رويترز" آراءهم في مسح لها توقعوا ارتفاع أسعار البيوت في أغسطس بمعدل شهري في حدود نسبة 0.2 في المئة. وتعد الزيادة هي ثاني أكبر ارتفاع شهري لأسعار العقار في بريطانيا في غضون 15 عاماً. وتأتي في المرتبة الثانية منذ عام 2006 بعد نسبة الارتفاع الكبيرة في أبريل (نيسان) الماضي.
ومع الارتفاع الذي شهده أغسطس، تكون أسعار البيوت في بريطانيا ارتفعت عن مستواها ما قبل أزمة فيروس كورونا مطلع العام الماضي بنسبة 13 في المئة تقريباً. ومنذ عودة النشاط للقطاع العقاري في يوليو 2020 تشهد أسعار البيوت ارتفاعاً مضطرداً، باستثناء شهر يوليو الماضي حين تعرضت لحركة تصحيح لم تدم طويلاً حين انخفضت أسعار البيوت بنسبة 0.6 في المئة.
أسباب الارتفاع
تعددت أسباب استمرار ارتفاع أسعار البيوت في بريطانيا، وإن كان السبب الأول الذي يذكره أغلب المحللين والمعلقين في وسائل الإعلام البريطانية هو قرب انتهاء فترة السماح الضريبي المؤقت التي بدأت صيف العام الماضي.
وكانت الحكومة البريطانية أعلنت اعفاءً مؤقتاً من ضريبة الدمغة العقارية على نصف المليون جنيه الأول من سعر العقار المباع في شهر يوليو 2020 بغرض تشجيع السوق العقارية على الانتعاش في مواجهة أزمة كورونا. ثم مددتها حتى نهاية يونيو (حزيران) من هذا العام. وبدءاً من أول يوليو، تم تخفيض المبلغ المعفى ضريبياً من سعر العقار إلى النصف حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي.
ويقدر كثيرون أن سعي المشترين لإتمام صفقات شراء البيوت قبل نهاية فترة السماح الضريبي أسهم في الزيادة الكبيرة في الطلب في السوق العقارية، بينما لم يشهد العرض زيادة مماثلة، أي أن الارتفاع جاء نتيجة عدم توازن معادلة العرض والطلب. إلا أن روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في شركة "نيشن وايد"، قال لدى إعلان أرقام الشركة لشهر أغسطس، إنه من الصعب القول بأن قرب نهاية فترة الإعفاء الجزئي من ضريبة الدمغة العقارية هو السبب الوحيد لارتفاع الأسعار الكبير في أغسطس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك عوامل أخرى أسهمت في هذا الارتفاع، وهي ما تعزز توقعات غاردنر باستمرار النشاط في السوق العقارية البريطانية للفترة المقبلة. منها، زيادة مدخرات الأسر البريطانية في عام الوباء وأيضاً استمرار انخفاض نسبة الفائدة التي تقارب الصفر ما يقلل من كلفة الاقتراض.
ووفق ما أعلنه بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) الثلاثاء، انخفض معدل الفائدة على القروض العقارية بشكل واضح. ووصلت نسبة الفائدة الفعلية على القروض العقارية في يوليو إلى 1.83 في المئة، طبقاً لأرقام بنك إنجلترا.
هناك أيضاً التغير في توجهات المشترين نتيجة عام الوباء والاتجاه أكثر نحو العمل من البيت. فزاد الطلب على العقارات في الضواحي والمناطق البعيدة من المدن، وكذلك على البيوت أكثر من الشقق. ومن نتيجة ذلك مثلاً، أن قلب العاصمة لندن لا يشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار مقارنة بضواحيها أو المناطق خارج المدينة.
المشترون الأجانب
وربما كان ذلك سبباً في عودة المشترين الأجانب مرة أخرى إلى السوق العقارية البريطانية، مستفيدين من اقتناص الفرص في المدن ومنها لندن وكذلك كشكل من أشكال الاستثمار المضمون مع توقع استمرار قوة نشاط السوق لفترة.
وفي تقرير على موقع "ستيت إيجنتز توداي"، تتوقع مديرة إحدى الوكالات العقارية أن تشهد العاصمة البريطانية لندن إقبالاً أكبر من المشترين الأجانب في الأشهر المقبلة. وأضافت جو إيكلز، التي تدير وكالة "إيكورد" العقارية، أن شركتها تعمل بالفعل مع مشترين من أميركا وإسرائيل وأذربيجان وأستراليا لشراء عقارات في لندن. وأشارت إلى أن الإقبال يزيد، بخاصة ممن يسعون وراء عقارات في نطاق ما بين 3.5 مليون دولار (2.5 مليون جنيه) ونحو 14 مليون دولار (10 ملايين جنيه).
وقالت إيكلز إن الطلب من المشترين الأجانب يزيد على شقق الدوبلكس في أحياء وسط لندن مثل ماريليبون وسوهو وكينغز كروس. وأشارت إلى عودة الاهتمام بالتعليم في بريطانيا من قبل الأجانب كأحد أسباب إقبال غير البريطانيين على شراء العقار، إلى جانب عوامل أخرى بالطبع.
ووفق توقعات شركات عقارية أخرى، مثل "نايت فرانك" و"سافيل"، فإن عودة المشترين الأجانب قد تجعل أسعار العقارات في لندن تعاود الارتفاع لتتسق مع المعدل العام لارتفاع الأسعار في بريطانيا. ويقوم عدد من المطورين العقاريين ووكالات العقارات بالترويج في الخارج، حتى أن بعضها صمم نماذج محاكية للواقع للعقارات المعروضة للبيع في بعض مدن دول الخليج العربي.