قبل فترة كنت أدردش مع ابني المراهق، وكان يصف كيف كان يشتري أحذية رياضية فاخرة ويبيعها ويحقق ربحاً جيداً. وهذا صحيح، فقد كنا نضطر في شكل مستمر إلى تسليم طرد باسمه إلى مكتب البريد أو فتح الباب لتسلم طرد جديد.
والأمر المربح في شكل خاص، وفق قوله، هو حين يتمكن من الحصول على أحد "التخفيضات"، أي التنزيلات السعرية الخاصة في أحد المتاجر، عندئذ يستطيع تحقيق ربح وفير، لكنني قلت إن الأمر لا يزال محفوفاً بالمخاطر، فقد ينتهي به الأمر وبين يديه حذاء لم يعد مطلوباً، فابني كان عرضة إلى تقلبات الموضة.
وبصفتي رجلا تقليديا ولا تستهويني المغامرة، قلت إن ثمة طريقة مضمونة لكسب مبلغ ثابت من المال، وتمثلت الفكرة في تأسيس بورصة على غرار بورصة لندن، يتداول فيها الناس الأحذية الرياضية. تنهد ابني وأجاب بأن بورصة كهذه موجودة واسمها "ستوك إكس"، وهو استخدمها باستمرار، ونعم، هي تعمل كبورصة، مع أسواق مختلفة لبنود مختلفة، تشمل الأحذية والملابس غير الرسمية للشبان والمجوهرات والساعات.
دققت في الأمر، وهو محق، فـ"ستوك إكس" تعمل بالفعل مثل بورصة، فالبضائع المتحقق منها فقط تكون مدرجة على غرار متطلبات الإدراج من الشركات، مع أسعار شفافة تماماً للشراء والمبيع، وأتذكر أنني فكرت في أن من المفيد لابني أن يتعلم كيف يعمل هذا النوع من الأسواق، فهو قد يطور رغبة فيها.
والمؤكد بما فيه الكفاية أنه يريد الآن أن يمارس التداول الحقيقي، فهو يرغب في بيع الأسهم وشرائها، أي المشاركة في البورصة الحقيقة، وفي هذه الأثناء يرغب أيضاً في الاستثمار في "بيتكوين".
ووجدت نفسي أشرح له بعضاَ من حقائق الأسواق، وأن أسعار الأسهم يمكن أن تنخفض مثلما قد ترتفع، وأن شيئاً إذا بدا أفضل من أن يُصدق يكون السبب عادة أنه غير قابل للتصديق، وأن للتداول جانبين، ففي مقابل كل رابح ثمة خاسر، وبدا لي، ليس للمرة الأولى، أن ذلك يجب أن يُعلم في المدارس، وأن الناس يجب أن يُعلموا طريقة التداول ومخاطرها.
لكن ثمة حاجة حالية ملحة، فهناك قفزة في التداول اليومي (الشراء والبيع خلال 24 ساعة)، لا سيما في صفوف الشبان الذين نشأت لدى كثر منهم رغبة في ذلك من خلال التعامل بالأحذية وملبوسات أخرى مثل ابني. وتشكل الأرباح المزعومة من التداول بـ "بيتكوين" والعملات المشفرة الأخرى عاملاً آخر، إضافة إلى الملل من الاضطرار إلى البقاء في المنازل خلال الإغلاقات المفروضة بسبب كوفيد والرغبة في بعض الحركة.
وتشهد إحدى الجهات البارزة البائعة لرهانات المشتقات الأكثر مخاطرة ازدهاراً في أعمالها، فالأرباح السابقة لاحتساب الضرائب لدى الجهة واسمها "بلاس 500" قفزت إلى مستوى قياسي بلغ 523.3 مليون دولار أميركي العام الماضي، من 189.3 مليون دولار العام السابق، نتيجة لتجربة مضاربين أفراد التحركات الجارية في الأسواق المالية باستخدام عقود للفوارق (تسدد الفوارق بين سعري الافتتاح والإغلاق) مبرمة على منصتها للتداول عبر الإنترنت.
وشهدت "بلاس 500" ارتفاعاً في عدد عملائها النشطين فاق الضعفين، وذلك إلى 434 ألفاً و296 عميلاً من 199 ألفاً و720 عميلاً عام 2019. وقفز عدد عمليات التداول بالمشتقات المنفذة من قبل العملاء إلى أكثر من 82 مليون عملية من حوالى 35 مليون عملية العام السابق، في حين زادت ودائع العملاء بحوالى ثلاثة أضعاف إلى 2.9 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والشركة تتخذ من إسرائيل مقراً لكنها مدرجة في بورصة لندن، وليست "بلاس 500" التي توفر عقوداً للفوارق، وهي مشتقات تمكن العملاء من المراهنة على الأسواق المالية الخاصة بما يتراوح بين الأسهم والسندات وبين السلع والعملات، سوى شركة من بين شركات كثيرة، وتحقق الشركات التي تخدم المتداولين الهواة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عوائد قياسية.
غير أن هذا يجب أن يجعل نواقيس الخطر تدق، فهل يعرف المتداولون الهواة ماذا يفعلون؟ وهل يتمتعون بالحكمة إزاء الانقلاب الذي قد يحدث في السوق فجأة؟ وهل يتحملون كُلف الخسارة؟
ولست الشخص الوحيد الذي يشعر بالقلق، فالقلق ينتاب أيضاً اللورد لي، الوزير المحافظ السابق والمستثمر النشط هو نفسه والرجل الذي أُشيد به عام 2003 باعتباره الشخص الأول في بريطانيا الذي حقق مليون جنيه استرليني (1.38 مليون دولار) من امتلاك حساب توفير فردي (يشمل نقوداً وأسهماً وصناديق استثمار).
لقد وجه اللورد لي سؤالاً رسمياً إلى الحكومة عن استعداها "لعقد محادثات مع ممثلين عن أبرز القنوات التلفزيونية وهيئة السلوك المالي ومكتب التواصل (الجهة المنظمة لقطاع الاتصالات) تهدف إلى وضع طريقة عمل تمكن من بث برامج تركز على الاستثمار وتشجع بالتالي على ملكية أوسع للأسهم، لا سيما في الشركات المدرجة في البورصات البريطانية".
ولي هو مؤلف الكتاب "كيف تكسبون مليوناً ببطء"، والكتاب المخصص للأطفال "الزبادي اللذيذ... تجربة أولى في الاستثمار في البورصات". لقد جذب لي المناصر للمستثمرين الصغار الانتباه إلى غياب تغطية تلفزيونية سائدة للاستثمار في البورصات باعتباره "سخيفاً" حين يُقارن مثلاً بالكمية المطلقة من الإعلانات الخاصة بالمراهنة واللعب.
وفي حين أن برامج تلفزيونية عن البورصات قد لا تجتذب جمهوراً كبيراً بما فيه الكفاية في الفترة الرئيسة من البث، وتحد في شكل كبير القواعد والتنظيمات المطبقة من قبل هيئة السلوك المالي ومكتب التواصل، المنظم للبث، مما يمكن وما لا يمكن عرضه، ويصح الأمر إلى درجة أن محاولة إنتاج برنامج تصبح صعبة وغير مستحقة للجهد، فبالنسبة إلى أي شيء يروج لشيء أو يوصي به، أو يمكن تفسيره على أنه يروج لشيء أو يوصي به، تُعد الأسهم والاستثمارات المحددة خارج النطاق تماماً.
نحن نلعب بالنار هنا، ولا يمكن ترك هذا الجيل الجديد من المتداولين اليوميين، الشبان في شكل رئيس، ليعرفوا من الوالدين أو غيرهم مطبات الاستثمار.
هذا عشوائي أكثر مما ينبغي، فيجب تعليمهم في شكل مناسب في المدارس ومن خلال التلفزيون، وثمة طريقة أخرى للتعلم وذلك من أخطائهم، لكن في ضوء التقلبات في "بيتكوين" والعملات المشفرة، ناهيكم عن الأدوات المالية المتداولة، قد تثبت هذه الطريقة أنها مؤلمة في شكل بشع وقد تفسد حياة كثر، ويجب توعية المتداولين الشبان.
© The Independent