أدى الفنان حبيب غلوم إلى جانب مجموعة من الفنانين دوراً مهماً في الحركة الثقافية والفنية في الإمارات على مدى 42 عاماً. جمع بين ثلاثة خطوط، العلم من ناحية والإدارة من ناحية ثانية، بالإضافة إلى المجال المهني. عندما كان طالباً، كان من بين المجتهدين في الصحافة المدرسية والإذاعة المدرسية، فتبناه بعض أساتذة المدرسة لاقتحام المجال. كان أول إماراتي يحصل على الدكتوراه في مجال المسرح والفنون. أعطى المجال كثيراً من نفسه ووقته، علمياً ومهنياً وإدارياً من خلال شغله مناصب مختلفة، وآخرها منصبه الحالي المستشار الثقافي، وهو يحرص على المحافظة على مكانته الفنية ممثلاً ومخرجاً.
مخرج وممثل وعضو مؤسس لمسرح رأس الخيمة الوطني. شارك في عدد كبير من الأعمال المسرحية منها "واقدساه"، و"المهرجون"، و"الخوف"، و"الطوفة"، و"حكاية لم تروها شهر زاد" وسواها، بالإضافة إلى مشاركته في أعمال إذاعية وتلفزيونية ممثلاً ومخرجاً. أشرف على العديد من الدورات المسرحية التدريبية وألقى محاضرات عدة في الإمارات والعالم العربي. له إصدارات عدة، بالإضافة إلى كتابته نصوصاً مسرحية هي "هموم صغيرة"، و"أغنية الأخرس"، و"المصير"، و"عايشه".
بين المسرح والتلفزيون
يرى غلوم أن الثقافة مهمة للفنان لكن سلوكه وشخصيته له وحده، ويوضح "نحن الممثلين والعاملين في المجال الفني نتبنى يومياً فكراً جديداً ونسعى إلى التجديد وإلى تقديم أفكار وقضايا مختلفة للناس، لا علاقة لها بقناعاتنا. فالناس يحبون أن يشاهدوا أنفسهم من خلال أعمالنا. تعامل الفنان مع الناس بأعمال تحظى بالاحترام والتقدير أهم بكثير من تعامل أي شخص معهم، بأخلاقياته وطيبته، بعيداً عن الإبداع. لذا من المهم أن نكون حقيقيين في إبداعنا أكثر مما نحن في سلوكنا الخاص".
غلوم الذي شارك أخيراً في مسرحية "مجاريح"، ابتعد، كمعظم الممثلين، عن المسرح مفضلاً التلفزيون، لأن الإغراء المادي يكون أكبر، عدا عن أنه يسهم بانتشار الفنان أكثر. حول هذا الموضوع يقول "الجانب المادي مهم، لكوننا في زمن مادي بحت، والمغريات في التلفزيون كثيرة وعلى حساب المسرح، كما أن متابعة الجمهور أكبر، لأننا نصل إلى بيوت الناس وأماكنهم وهواتفهم. أما في المسرح فالناس يأتون إلينا، وهم في هذه الأيام مشغولون ولا وقت لديهم لحضور الندوات والمحاضرات والأمسيات، إلا المتخصصين منهم والنخبة. التلفزيون أكثر إغراء بالنسبة إلى الفنان، لأنه يمنحه شهرة بشكل واسع على عكس المسرح، عدا عن المردود المادي. فما نجنيه من عمل تلفزيوني خلال شهر واحد يعادل ما نجنيه من المسرح خلال عام كامل بل حتى أكثر، ولا يمكن أن نقول العكس. وأنا أستشهد دائماً بالفنانين السوريين وبمهرجان دمشق المسرحي، الذي كان الأفضل والأهم والأكثر تأثيراً بين المهرجانات المسرحية العربية. ولكنه كان أيضاً أول من أقفل أبوابه لأن كل من كانوا يشتغلون فيه انتقلوا إلى التلفزيون، خاصة بعد الأزمة الخليجية مع بعض دول الجوار العربية. فمعظم الإنتاجات الدرامية كانت في سوريا والفنان السوري لم يعد يريد إضاعة وقته في المسرح. وهذا الأمر أثر كثيراً حتى في مدير المهرجان الفنان أسعد فضة. هذا واقع وتاريخ، ومثال حي على أن التلفزيون يمكن أن يأخذ كبار الفنانين والنجوم من المسرح، لأن المردودَين المادي والمعنوي فيه أكبر بكثير، وحتى اهتمام القنوات والمؤسسات يكون أكبر، هذا إذا كانت المؤسسات الحكومية والخاصة تهتم في الأساس بالمسرح".
متصالح مع نفسي
عن شعوره كمخرج عندما يمثل تحت إدارة غيره من المخرجين، والمخرج الذي يشعر بالرضا عن تجربة التعامل معه أكثر من غيره، يقول غلوم "أنا متصالح مع نفسي، أعرف أين أقف، وفي الوقت نفسه أقدر الآخر وأحترم جهوده، بخاصة مخرج العمل لأنه سيده. نحن نكون جنوداً أمام أي مخرج إلى أن يبصر العمل النور ونلمس ردود فعل الجمهور. وهناك مخرجون أعتز بتجاربي معهم وآخرون لا أفضل أن أكررها، ومن دون ذكر أسماء لأن معظمهم زملاء وأصدقاء. هناك مخرج مبدع ومخرج منفذ ومخرج فاشل، ومن خلال التجربة يمكن أن نحدد كلاً منهم. ونحن كأصحاب صنعة عندما نكرر التجربة مع مخرج معين، فهذا يعني أننا مرتاحون في التعامل معه، والعكس صحيح. بشكل عام، معظم المخرجين (فيهم الخير والبركة)، ونتمنى عليهم بذل المزيد من الجهد لتحقيق مزيد من المكاسب الفنية في وطننا العربي وتحديداً في الخليج، لأن المخرجين قلة والمتميزين بينهم قلة. هي أمنية أتمنى أن تتحقق وأن يكون هناك اهتمام من الجهات والمؤسسات المعنية والحكومية تحديداً، لدعم هذا المجال بشكل أكبر، ودعم الجيل الشاب من المخرجين الإماراتيين والخليجيين عند اقتحامهم المجال، لتحقيق مكاسب فنية كبيرة، لأن الخليج هو الذي يستفيد في نهاية المطاف".
وفي مقارنة إخراجية بين آخر أفلامه "خلف جدار الصمت" الذي أخرجته نهلة الفهد والذي سبقه "خورفوكان" الذي تولى إخراجه مخرجان أجنبيان، يوضح غلوم "فيلم (خلف جدار الصمت) إماراتي صُنع بسواعد إماراتية نعتز بها وخصوصاً الأخت العزيزة نهلة الفهد، التي سبق أن تعاونت معها في العمل التلفزيوني (ساعة الصفر). هذه المخرجة لها خصوصية، لأن أدواتها جميلة وحساسة جداً عند تقديم أي عمل. أما (خورفوكان) فهو فيلم عالمي، والمسألة تتعلق بكل فريق العمل وليس بالمخرجين اللذين تناوبا على إخراجه. فريق العمل ضم طاقات إبداعية مختلفة من كل النواحي، وتقف وراءه جهة حكومية دعمته ورصدت له ميزانية مفتوحة على عكس فيلم (خلف جدار الصمت) الذي أًنتج بميزانية محددة. من الصعب المفاضلة والمقارنة بين العملين، وأنا كممثل أعتز بمشاركتي في كليهما كما بزميلة مبدعة كنهلة الفهد التي اقتحمت المجال وتبلي بلاء حسناً فيه، سواء تلفزيونياً أو سينمائياً".
الدور يطلب راعيه
انطلاقاً من تجارب حياة الفهد وهدى حسين وزهرة عرفات وإلهام الفضالة اللواتي هن بطلات أعمالهن، هل يوافق بأن المرأة متقدمة تمثيلياً على الرجل، وكيف يتحدث عن واقع الكتابة في الدراما الخليجية مقارنة مع دراما الدول العربية الأخرى، يجيب "لا أجد أنا أو غيري بأن المرأة تقدمت على الرجل أو العكس لأننا نشتغل فناً، وفي الوقت نفسه لا أعتقد أن المرأة في الدراما الخليجية تفوقت على الرجل، لأنه إلى جانب الزميلات اللواتي تمت الإشارة إلى أسمائهن، هناك أسماء كبيرة من الممثلين في المجال المسرحي والدرامي، على مستوى الكويت والسعودية والإمارات وغيرها. الجميع يبتعد عن النظر إلى الأمور من زاوية ضيقة، والدور هو الذي يطلب راعيه كما يقال. أحياناً يكون الدور مناسباً لشخصية معينة، كدور يتحدث عن تضحية أم أو معاناة أخت أو موظفة. والعكس صحيح، كدور آخر عن معاناة أب أو موظف أو سواها من الأدوار التي تقدمها الدراما الخليجية. نحن نخطو خطوات طيبة في الدراما الخليجية، مع الاعتراف بوجود بعض الملاحظات، إذ يشوبها الكثير من التكرار. بعض الإجراءات الرقابية تختلف في الخليج عنها في مصر أو سوريا أو لبنان، وهذا الأمر يؤثر في الإبداع الخليجي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف: "المؤلفون المميزون في الخليج قلة جداً من ناحية ومن ناحية أخرى تعترضهم خطوط حمراء كثيرة، ليس سياسياً بل اجتماعياً وأخلاقياً. حتى نحن كممثلين ومخرجين وكتاب نفرض على أنفسنا رقابة ذاتية، لكي لا نخرج عن الأطر التي لا علاقة بالعادات والتقاليد. ومع أن بعضهم يحاول الذهاب أبعد من ذلك ولكن للجمهور دور في تقبل العمل أم لا. لذا نحن نُتهم دائماً في الخليج بأننا نتجنى في أعمالنا على الواقع ونقدم أنماطاً سلوكية أو شخصيات لا تمت إليه بصلة. إذا كانت هذه الشخصيات موجودة، فبشكل محدود وهي ليست الأغلبية. ولا يجوز التأكيد عليها كظاهرة بل يفترض التعامل معها على أنها مجرد سلوك شخصي لعدد محدود من الأفراد. نحن نبحث دائماً في الدراما الخليجية، عن الجوانب الإيجابية في مجتمعاتنا، وهذا ما يجب أن يحصل وأنا مع هذا التوجه. ولا شك أننا نعاني قلة في التميز على مستوى الكتابة في دول الخليج".