أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تنمية ودعم كثيرين من الرسامين وأصحاب الأعمال والترويج لهم، لكنها أيضاً قللت من إقامة المعارض الفنية على أرض الواقع، بخاصة مع تفشي كورونا والتوجه نحو العالم الرقمي، وأصبحت هذه المنصات معرضاً دائماً لمعظم الفنانين، كما أن بإمكان أي مهتم بهذه اللوحات الفنية المعروضة على تلك المواقع حفظها واستعمالها في أي وقت وتوفير الوقت والجهد والتكلفة.
الفن صناعة
وقال الفنان التشكيلي سيف العمري لـ"اندبندنت عربية"، "بداية، لنتفق أن الفن صناعة، وكل صناعة تحتاج إلى المال، ولكي تتطور، تحتاج إلى طرق ترويج وإعلان، في الوقت الحاضر مواقع التواصل الاجتماعي في متناول الجميع، وهي أقصر طريق للإعلان والشهرة"، لكن العمري شدد، في المقابل، على ضرورة أن "يبقى ما يعلن ويروج له فناً محترماً وليس مبتذلاً".
أضاف، "لا يمكن لصفحات التواصل الاجتماعي أن تكون بديلة عن المعارض، نعم قد يكون من باب السهولة أن تشاهد ما تريد، لكن ليس كمتعة المعرض والوقوف أمام لوحة وفهم ما يريد الفنان إيصاله، ومهما تطورت التكنولوجيا، فإنها لا تأتي لنا بلوحة بقيمة (موناليزا) دا فينشي أو لوحة (دورية الليل) للفنان رامبرانت وبقية الأعمال العالمية".
المغتربون
وفي سياق متصل، قالت التشكيلية العراقية المغتربة، يسر القزويني، لـ"اندبندنت عربية"، "جاءت وسائل التواصل الاجتماعي كالمنقذ لبعض الفنانين التشكيليين وبخاصة المغتربين الذين تتناول أعمالهم مواضيع تخص بلدهم الأم لصعوبة عرض الأعمال في القاعات والمعارض التشكيلية في المهجر، لكن بالمقابل، هناك عوائق، منها تعرض الأعمال للسرقة وأحياناً صعوبة الوصول إلى رواد المعارض، ومحبي اقتناء الأعمال الفنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، وأضافت القزويني أنها "وسيلة جيدة إذا تعذر الوصول إلى المعارض، وهي جيدة جداً خلال فترة جائحة كورونا وتحول العالم إلى عالم رقمي، إذ إن قاعات كبيرة أصبحت تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وتعرض الأعمال بسبب الجائحة".
وتابعت أن "مواقع التواصل ساعدت في الترويج لفناني الأعمال اليدوية ورسوم الديكور، لأنها وفرت منصة مجانية لهم سواء داخل أو خارج العراق، وكذلك بسبب إقبال الناس على تصفح تلك المواقع والتعلم من صفحات الديكور الداخلي وتزيين منازلهم وفقاً لما هو منتشر".
متاحة ومجانية
التشكيلي العراقي المغترب والبروفيسور مصدق ألحبيب تحدث بدوره لـ"اندبندنت عربية" عن تجربته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وكيف أسهمت في الترويج لأعماله، وقال، "لم أفتح حساباً في مواقع التواصل الاجتماعي إلا متأخراً نسبياً، لأنني كنت أتصور أن (فيسبوك) وبقية المواقع إنما لتبادل الأخبار والصور بين الأصدقاء، ولم تكن عندي النية للانشغال بمثل هذا النشاط. ثم بعد مدة، فكرت أن أفتح حساباً على (فيسبوك)، وأجعله موقعاً شخصياً لعرض أعمالي الفنية بدلاً من أن أفتح موقعاً خاصاً بأعمالي كما فعلت مع أعمال الخط، ما کلفني مبلغاً من المال وجهوداً في التصميم والإدارة، ولا يدخله إلا عدد قليل جداً من الزوار في السنة"، وتساءل، "مواقع التواصل الاجتماعي متاحة أمامي ومجانية وكفء ومنتشرة في كل أنحاء العالم؟ لهذا، وجدت الفكرة ممتازة وفتحت حسابين، أحدهما باللغة الإنجليزية لأصدقائي الأجانب، والثاني بالعربية لأصدقائي العرب، ومنذ ذلك الحين، وأنا أعتبر صفحتي على (فيسبوك) عبارة عن صالة عرض مفتوحة 24 ساعة، وعلى طول أيام السنة، وتصل لآخر بقاع الأرض، ولا أحتاج إلى معارض خاصة أدفع أجورها، ولا إلى الإعلان عن معرضي، وطبع بطاقات دعوة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن آخر معرض أقامه، قال ألحبيب، "كان آخر معرض لي عام 2009"، مضيفاً، "اعتبرت صفحتي في (فيسبوك) عبارة عن مجلتي الشخصية، أنشر فيها كتاباتي ورسومي وخطوطي وتعليقاتي كما أشاء"، وأكد ألحبيب أنه "الوضع الأمثل في زمن ولى فيه تسلّط ناشري المجلات والصحف، في ما ينشرون ولا ينشرون. والحال نفسها بالنسبة إلى أصحاب قاعات العرض، فقد تضاءل إلى حد كبير دورها في الاستئثار بما يعرض وما لا يعرض من أعمال فنية، أما البيع من خلال هذه المواقع فهو مسألة شخصية بين الفنان ومن يروم شراء أعماله. بالنسبة إليَّ، لم أفكر في هذا الجانب، ولم أعتمد عليه، ولم أبع حتى الآن لوحة واحدة، لكن هذا لم يكن غرضي بالأساس".
العرض الزائد يقلل الطلب
بدورها، رفضت رئيسة جمعية "كهرمانة"، ملاك جمال، ظاهرة ترويج الرسامين العراقيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعزت السبب إلى أن "العرض الزائد يقلل الطلب، وفي الوقت نفسه، يمكن سرقة الفكرة أو الأسلوب"، وأضافت لـ"اندبندنت عربية"، "دائماً، المتلقي يحب شيئاً جديداً وتجربة أسلوب جديد، أما الشهرة فتعتمد على قوة العمل الفني، كما أن العمل الفني يفرض نفسه"، وأكدت أن "الأعمال التي تعرض للبيع غالبيتها تجارية وليست فنية، وهناك لوحات لفنانين كبار تُعرض لغرض إطلاع الجيل الجديد على تجربة الرواد".
من جهتها، قالت الفنانة التشكيلية، مينا الصابونجي، "لأننا فنانون محترفون، لا نروج لأعمالنا في مواقع التواصل الاجتماعي لبيعها، وإنما نقدمها لأجل المشاهدة من قبل المتذوقين والمهتمين ولكن ليس لترويجها للبيع"، وأضافت، "يوجد فرق شاسع بين الرسام والفنان المتخصص بالرسم، كما يوجد فرق بين النحات والفنان المتخصص بالنحت وهكذا"، وأوضحت لـ"اندبندنت عربية"، "الفرق هو الرؤية والفكر والاحترافية، وهنا نستطيع التوقف عند مواقع لبيع الأعمال بالنسبة إلى المحترفين من خلال موقع إلكتروني متخصص، فيه تطبيق مدروس جداً لتقديمه لمن يهتم بالاقتناء"، وشددت في الوقت نفسه على ضرورة ألا "نتخلى عن صالات العرض الخاصة بالفنون التشكيلية، لا سيما المهمة والمشهورة بالوطن العربي، أو أوروبا، أو أميركا، وهذا لا يشمل فقط الفنان التشكيلي العراقي وإنما يشمل الفنانين عامة في كل العالم، كذلك، التواصل لعرض بعض أعمالنا كفنانين تشكيليين عراقيين بالذات هو مهم للغاية، لإثبات أن الفن التشكيلي العراقي لا يزال متصدراً المشهد التشكيلي، لذلك كان ولا يزال لهذا الفن خصوصيته وتميزه، ولا تقل أهميته عالمياً عن المبدعين والمشاهير دولياً".
وشهد العراق إقامة العشرات من المعارض الإلكترونية لفنانين بسبب تفشي وباء كورونا، العام الماضي.