تقدم مقاتلو "طالبان" في ولاية بنجشير، آخر جيب للقوات المناهضة، في وقت حذر رئيس الأركان الأميركي من أن أفغانستان تواجه خطر الانزلاق في حرب أهلية أوسع نطاقاً، من شأنها أن توفر أرضاً خصبة "للإرهاب".
وإثر هزيمتها الخاطفة للجيش الأفغاني الشهر الماضي والاحتفالات بمغادرة آخر الجنود الأميركيين، الاثنين، بعد 20 عاماً من الحرب، تسعى "طالبان" لسحق قوات المقاومة التي لا تزال تدافع عن وادي بنجشير.
تشكيل حكومي أم حرب أهلية؟
وينتظر أن تضع "طالبان" اللمسات الأخيرة على شكل نظامها الجديد، بعد ثلاثة أسابيع من سيطرتها السريعة على كابول التي يشير محللون إلى أنها شكلت مفاجأة للحركة المتطرفة ذاتها.
لكن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي شكك في مدى قدرة الحركة على ترسيخ سلطتها مع تحولها من قوة تخوض حرب عصابات إلى حكومة.
وقال ميلي لشبكة "فوكس نيوز"، السبت، "أعتقد أن هناك على الأقل احتمالاً كبيراً جداً باندلاع حرب أهلية أوسع، من شأنها أن تؤدي إلى ظروف يمكنها في الواقع أن تفضي إلى إعادة تشكل للقاعدة أو تنامي تنظيم داعش أو مجموعات إرهابية أخرى".
وتعهد قادة أفغانستان الجدد بالحكم بطريقة أكثر تساهلاً من ولايتهم الأولى التي جاءت أيضاً بعد سنوات من النزاع تمثل أولاً باجتياح القوات السوفياتية البلاد سنة 1979 أعقبته حرب أهلية.
ووعدت بحكومة "شاملة للجميع" تمثل تركيبة أفغانستان العرقية المعقدة، على الرغم من أنه من المستبعد أن تتولى النساء أي مناصب عليا.
لكن وعودها وقعت على آذان صماء في بنجشير، وهو واد وعر شمال كابول صمد لنحو عقد في وجه الاحتلال السوفياتي ومن ثم خلال ولاية "طالبان" الأولى من عام 1996 حتى 2001.
مواجهات عنيفة
وأفاد المسؤول في "طالبان" بلال كريمي، الأحد، عن وقوع مواجهات عنيفة في بنجشير. وفيما أكد عناصر المقاومة الأفغانية قدرتهم على إبعاد مسلحي الحركة، حذر محللون من أن قوات المعارضة تواجه صعوبات.
وأفادت وكالة الإغاثة الإيطالية "إميرجنسي" (طوارئ) أن قوات "طالبان" وصلت إلى قرية أنابة، حيث تدير الهيئة مركزاً للعمليات الجراحية.
وأفادت "إميرجنسي" في بيان السبت أن "عديداً من الأشخاص هربوا من قرى في الأيام الأخيرة"، مضيفة أنها تواصل تقديم الخدمات الطبية وتعالج "عدداً صغيراً من المصابين".
وتقع أنابة على بعد نحو 25 كلم شمالاً داخل الوادي البالغ طوله 115 كلم، لكن تقارير غير مؤكدة أشارت إلى أن "طالبان" استولت على مناطق أخرى كذلك.
وقال مدير تحرير "لونغ وور جورنال" ومقرها الولايات المتحدة بيل روجيو، الأحد، إن الوضع لا يزال "ضبابياً بالنسبة إلى المقاتلين" وسط تقارير غير مؤكدة بأن "طالبان" انتزعت عدة مناطق، لكن الوضع "يبدو سيئاً". ويشير كل طرف إلى أنه كبد الآخر خسائر كبيرة.
وأفاد روجيو، الأحد، أن "جيش "طالبان" اكتسب خبرة خلال 20 عاماً من الحرب، ولا مجال للشك في أن مقاتلي الحركة تدربوا كجيش"، مضيفاً أن "النصر غير مرجح" بالنسبة إلى قوات المقاومة في بنجشير.
"طالبان" تتفوق بالسلاح الأميركي
وأكد أن "جيش "طالبان" حصل على كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة بعد الانسحاب الأميركي وانهيار الجيش الوطني الأفغاني".
بدوره، حذر نائب الرئيس السابق أمر الله صالح، الموجود في بنجشير إلى جانب أحمد مسعود، نجل القيادي التاريخي المناهض لـ"طالبان" أحمد شاه مسعود، من وضع قاتم.
وتحدث صالح في بيان عن "أزمة إنسانية واسعة النطاق" مع آلاف "النازحين جراء هجوم "طالبان"".
ويوفر وادي بنجشير، المحاط بقمم جبلية وعرة تغطيها الثلوج، ميزة دفاعية طبيعية، إذ يمكن المقاتلين من التخفي في وجه القوات المتقدمة لشن كمائن لاحقاً من المرتفعات باتجاه الوادي.
احتفال بالسيطرة على إقليم بنجشير
وكانت وكالات أنباء اليوم السبت، قد ذكرت أن ما لا يقل عن 17 شخصاً لقوا حتفهم بسبب إطلاق أعيرة نارية بغرض الاحتفال في العاصمة الأفغانية كابول، بعدما قالت مصادر في حركة "طالبان"، إن المقاتلين بسطوا سيطرتهم على إقليم بنجشير الذي ظل صامداً في وجه الحركة.
وقالت وكالة "شمشاد" للأنباء، إن "إطلاق نار في الهواء" في كابول أمس الجمعة أسفر عن مقتل 17 وإصابة 41. وتحدثت وكالة "طلوع" للأنباء عن عدد مماثل.
وقال جول زادة سانجار، وهو متحدث باسم مستشفى في مدينة جلال أباد عاصمة إقليم ننكرهار، إن ما لا يقل عن 14 شخصاً أصيبوا بأعيرة نارية احتفالية في الإقليم الذي يقع إلى الشرق من العاصمة كابول.
وانتقد ذبيح الله مجاهد المتحدث الرئيس باسم "طالبان" هذا السلوك. وقال على "تويتر"، "تجنبوا إطلاق النار في الهواء، واشكروا الله بدلاً من ذلك. يمكن للرصاص إيذاء المدنيين، لذا لا تطلقوا النار لغير الضرورة".
3 قتلى بتفجير انتحاري في باكستان
وعند الحدود الأفغانية - الباكستانية، قُتل ثلاثة حراس على الأقل من القوات الداعمة للجيش الباكستاني وأصيب 20 شخصاً بجروح، عندما فجر انتحاري على دراجة نارية نفسه في كويتا، جنوب غربي باكستان، وفق ما أعلنت الشرطة.
واستهدف المهاجم حراساً تابعين لقوة "فرونتيير كونستابولاري" في حي ميان غوندي في المدينة، على مقربة من الحدود الأفغانية، حيث كان تجار من أقلية الهزارة يبيعون الخضروات.
وقال نائب المفتش العام في الشرطة أزهر أكرم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن 20 شخصاً أصيبوا بجروح في الهجوم، بينهم مدنيون. وأكد ناطق باسم قسم مكافحة الإرهاب التابع للشرطة الحصيلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قناة "تولو نيوز" تواصل البث
وفي ملف حرية التعبير في أفغانستان، فعند وصول "طالبان" إلى كابول في 15 أغسطس (آب)، كان على المسؤولين عن قناة "تولو نيوز" الأفغانية الخاصة اتخاذ قرار إما بمواصلة البث أو قطعه.
وقررت القناة في نهاية المطاف المضي في الخيار الأول، لكنها على غرار سائر القنوات والإذاعات في البلاد، أصبحت تبث وسط ضبابية كبيرة وانعدام يقين ومخاوف إزاء نوايا قادة أفغانستان الجدد.
فالصحافة الأفغانية لم تنسَ التهديدات واغتيالات الصحافيين التي طبعت فترة تمرد الحركة التي استمرت عشرين عاماً بعد طردها من الحكم عام 2001 على أيدي تحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ولا تزال فترة حكم "طالبان" الأولى (1996-2001) مطبوعة في ذاكرة الأفغان بشكل واضح، إذ إن التلفزيون ومعظم الوسائل الترفيهية كانت آنذاك محظورة.
واعتبر مدير قناة "تولو نيوز" لطف الله نجفي زادة في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن عودة "طالبان" إلى الحكم "وضعتنا في موقف صعب جداً". وأضاف "كخدمة إخبارية تعمل 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع، لم تكن لدينا حتى فرصة أخذ استراحة لمدة ساعة للتفكير".
وأوضح أنه في نهاية المطاف اتُخذ قرار الاستمرار في البث، لأن قناة "تولو نيوز" لديها واجب تغطية الأحداث، ولأنه كان "شبه مستحيل" التفاوض مع "طالبان" حول استئناف البرامج في حال كانت هذه الأخيرة معلقة أصلاً.
ومنذ عودتها إلى الحكم، تبذل الحركة قصارى جهدها، لإظهار صورة أكثر اعتدالاً في محاولة لطمأنة الأسرة الدولية والشعب الأفغاني، وطلبت من وسائل الإعلام الأفغانية عدم تغيير أي شيء في عاداتها.
وكدليل على الانفتاح الذي ترغب الحركة في إظهاره، وافق مسؤول من "طالبان" في 17 أغسطس، على الرد على أسئلة الصحافية بهشتا أرغند أثناء بث مباشر من استديوهات "تولو نيوز". لكن هذه التصرفات والتصريحات لا تقنع كثيراً. وفي مؤشر على الريبة والخوف المسيطرين، فرت أرغند مذ ذاك إلى قطر، خشية على حياتها.
وقال سعد محسني، رئيس مجلس إدارة مجموعة "موبي غروب" الشركة الأم لقناة "تولو"، لمنظمة "لجنة حماية الصحافيين" من دبي، "نحن خائفون، أريد أن أكون صادقاً معكم، نحن متوترون كثيراً". وأضاف "نمضي جميعاً ليالي من دون نوم، لكن حالتنا ليست بعيدة جداً عما يعيشه مشاهدونا".
إلزام الطالبات بارتداء العباءة والنقاب في الجامعات
وجاء في مرسوم صادر عن نظام "طالبان" الجديد عشية إعادة فتح الجامعات الخاصة في أفغانستان أن على الطالبات ارتداء العباءة السوداء والنقاب، وسيتابعن الفصول في صفوف غير مختلطة.
كما سيتعين على الشابات المسجلات في هذه الجامعات مغادرة الفصل قبل الطلاب بخمس دقائق والانتظار في قاعات انتظار إلى أن يغادر أولئك المبنى، بحسب هذا المرسوم الصادر السبت ونشرته وزارة التعليم العالي. وسيُطلب من الجامعات "توظيف معلمات للطالبات" أو محاولة توظيف "أساتذة مسنين" بعد التحقق من أخلاقهم الحميدة، كما ذكر المرسوم.
وكانت الحركة المتطرفة فرضت قاعدة حظر اختلاط الذكور والإناث دون تمكن النساء من الدراسة. وفرضت ارتداء البرقع حينها إلزامياً عندما وصلت إلى السلطة للمرة الأولى بين عامي 1996 و2001.
وملف حقوق المرأة يثير اهتمام المجتمع الدولي، بعد أن استولت "طالبان" على السلطة في 15 أغسطس بعد هجوم عسكري خاطف. ولا يزال المجتمع الدولي يتذكر، وكذلك جزء من الشعب الأفغاني، وحشية الحركة التي تسعى منذ عودتها إلى السلطة، لإظهار وجه أكثر اعتدالاً.
وفي ما يتعلق بالفصول غير المختلطة "سيكون الأمر معقداً من الناحية العملية، ليس لدينا عدد كاف من المعلمات أو الفصول الدراسية لفصل الإناث عن الذكور"، كما قال أستاذ جامعي لوكالة الصحافة الفرنسية طلب عدم الكشف عن هويته. وأضاف "لكن مجرد السماح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة والجامعة هو في ذاته خطوة مهمة وإيجابية".
وقبل عودة "طالبان"، كان بإمكان الطالبات الأفغانيات حضور فصول دراسية مختلطة والمشاركة في ندوات يلقيها رجال. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، لم تسلم المدارس والجامعات من أعمال العنف التي هزت البلاد وشهدت اعتداءات دموية عدة. ولطالما نفت "طالبان" أي تورط لها في هذه الهجمات التي أعلن الفرع المحلي لتنظيم "داعش" مسؤوليته عن بعضها.
غوتيريش يدعو الأفغان إلى وقف العنف
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تقرير رفع إلى مجلس الأمن نهاية الأسبوع، جميع الأفغان على وقف العنف وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة في أفغانستان. وكتب، "أدعو إلى وضع حد فوري للعنف واحترام أمن وحقوق جميع الأفغان واحترام التزامات أفغانستان الدولية بما في ذلك جميع الاتفاقات الدولية التي تعهد بها هذا البلد".
وأضاف، في الوثيقة الصادرة في سياق تجديد تفويض البعثة السياسية للأمم المتحدة في أفغانستان الذي ينتهي في 17 سبتمبر، "أدعو طالبان وجميع الأطراف الأخرى الى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لحماية الأرواح وضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية".
وفقاً للأمم المتحدة، تؤثر الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد في 18 مليون شخص، أو نصف عدد سكانها. وتم تمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية بنسبة 38 في المئة فقط، وتسعى المنظمة بشكل عاجل للحصول على 800 مليون دولار، كما ذكر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال غوتيريش الذي دعا إلى اجتماع دولي في 13 سبتمبر في جنيف لزيادة المساعدات الإنسانية لأفغانستان "أدعو جميع المانحين إلى تجديد دعمهم حتى يتم تعزيز الاستجابة الحيوية بشكل عاجل وتسليمها في الوقت المحدد وتخفيف المعاناة". كما دعا "جميع الدول لقبول استقبال اللاجئين الأفغان والامتناع عن أي عملية طرد".
وقال غوتيريش إن "التقارير عن قيود صارمة على حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد مقلقة للغاية، لا سيما التقارير عن انتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان ضد النساء والفتيات الأفغانيات التي تثير مخاوف من العودة إلى أحلك الأيام". وأضاف "من الضروري حماية الحقوق التي تم انتزاعها بصعوبة للنساء والفتيات الأفغانيات. ومن الضروري أيضاً تشكيل حكومة جامعة تمثل جميع الأفغان بمن فيهم النساء والمجموعات العرقية المختلفة".
ميركل تدعو إلى مواصلة المحادثات مع طالبان لإجلاء المزيد
من جانبها، دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الأحد، إلى إجراء حوار مع طالبان التي تستعد لإعلان حكومتها في أفغانستان بهدف مواصلة عمليات الإجلاء من كابول.
وقالت ميركل، في مؤتمر صحافي في مقاطعة رينانيا شمال فستفاليا، "علينا ببساطة التحدث إلى طالبان عن كيفية تمكننا من إخراج الأشخاص الذين عملوا لصالح ألمانيا ونقلهم إلى مكان آمن". وأضافت "علينا الآن أن نتحدث إليهم. خصوصا أن نخرج من عملوا لمنظمات التنمية الالمانية ويشعرون بأنهم مهددون".
وأقامت الدول الغربية جسرا جويا ضخما في 14 أغسطس (آب) الماضي، عشية سيطرة طالبان على كابول. لكن عمليات الإجلاء انتهت في 30 منه من دون التمكن من نقل جميع الأفغان الراغبين في ترك البلاد.
ويرصد المجتمع الدولي حركة طالبان التي عادت إلى الحكم بعد 20 عاماً من إطاحة نظامها، محذراً من أنه سيقيّم سلوكها بناء على أفعالها. وفي وقت سابق الأحد، أكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد لصحيفة "فلت إم تسونتاغ"، "إن الحركة ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية صلبة ورسمية مع ألمانيا".
واجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان وأطاحت أول نظام لـ"طالبان" عام 2001، غداة اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) التي نفذها تنظيم القاعدة، فيما كانت كابول توفر له ملاذاً آمناً. وتخشى الحكومات الغربية من احتمال تحول أفغانستان مجدداً إلى ملاذ للمتطرفين الساعين لشن هجمات. وأكدت الولايات المتحدة أنها ستحتفظ بحقها في ضرب أي تهديدات لأمنها في أفغانستان.
ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، قطر، التي تلعب دوراً رئيساً في مجريات الأحداث في أفغانستان، وتستضيف المكتب السياسي لحركة "طالبان". لكن لا يتوقع أن يلتقي الوزير عناصر الحركة. وسيتوجه لاحقاً إلى ألمانيا لترأس اجتماع وزاري يضم 20 بلداً في شأن أفغانستان إلى جانب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.