قدرت المنظمة العالمية للأحوال الجوية، التابعة للأمم المتحدة، أن الظروف المناخية المتطرفة كبدت العالم خسائر تزيد على 3.6 تريليون دولار في العقود الخمسة الأخيرة. ذلك غير الخسائر البشرية التي بلغت حوالى 2 مليون قتيل في تلك الفترة. وحسب "أطلس الوفيات والخسائر الاقتصادية للتغيرات المتطرفة في الطقس والمناخ والمياه" الذي أصدرته المنظمة، ويغطي الفترة من 1970 إلى 2019، فإن متوسط الخسائر اليومية في تلك الفترة يصل إلى 200 مليون دولار، بينما يصل عدد الضحايا إلى 115 قتيلاً يومياً في المتوسط.
تنقل صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن الأمين العام للمنظمة العالمية للأحوال الجوية بيتري تالاس، قوله إن "عدد الحوادث الخطرة للطقس والمناخ والمياه في ازدياد مضطرد، بل إنها ستصبح أكثر عدداً وأشد خطراً في كثير من أنحاء العالم نتيجة التغيرات المناخية".
ويقدر علماء الأمم المتحدة أن عدد الأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية تضاعف خمس مرات في غضون الـ50 عاماً الأخيرة. ويرون أن استمرار التغيرات المناخية الناتجة من الاحتباس الحراري نتيجة الانبعاثات الملوثة للبيئة من النشاطات البشرية سيزيد من تلك الأضرار. ويشير هؤلاء إلى حرائق الغابات في أوروبا وأميركا الشمالية وسيبيريا والفيضانات في شمال أوروبا هذا العام كمثال على ذلك التأثير المتوقع.
الأعاصير الأخيرة
لا تتضمن أرقام الأطلس مثلاً أضرار إعصار "أيدا" الأخير في الولايات المتحدة الذي أدى إلى وفاة 45 شخصاً في الأقل، أغلبهم في ولاية نيويورك نتيجة الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تسبب بها الإعصار وطالت ولايات أخرى في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. لكن العواصف والرياح الشديدة في قمة الإعصار كانت في الجنوب الشرقي عند خليج المكسيك.
حسب التقديرات الأولية التي أعلنتها شركة التوقعات الاقتصادية "أكيو ويذر"، فإن الخسائر الاقتصادية لإعصار "أيدا" بلغت 80 مليار دولار. لا تشمل هذه التقديرات الخسائر الناجمة عن الأمطار والفيضانات في نيويورك وغيرها. وفي التفاصيل، تقول مجموعة تقدير المخاطر والكوارث "إي آي آر" إن تلك الخسائر الأولية تشمل التعويضات على شركات التأمين التي تتراوح ما بين 17 و25 مليار دولار. وتغطي دعاوى تعويضات التأمين تلك الخسائر الناجمة عن الرياح الشديدة والعاصفة، وتشكل القدر الأكبر من كلفة إصلاح الأضرار في السيارات والمنازل والمباني التجارية والصناعية. وتقول مجموعة "إي آي آر" إن "كلفة إصلاح المنشآت والمباني اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام".
وحسب رصد الأطلس الصادر عن المنظمة التابعة للأمم المتحدة، فإن ثلاثة من أشد 10 أعاصير في العقود الخمسة الماضية وقعت في عام 2017 وحده. وهي إعصار "هارفي" الذي بلغت خسائره 96.9 مليار دولار، وإعصار "ماريا" ووصلت كلفة الخسائر الناجمة عنه 69.4 مليار دولار، وإعصار "إيرنا" الذي خلف خسائر بقيمة 58.2 مليار دولار.
تتراجع أعداد الضحايا بين البشر نتيجة تلك التغيرات المناخية المتطرفة وحوادث الطقس والمناخ والمياه، حسب تقديرات خبراء الأمم المتحدة. لكن الكلفة الاقتصادية تزيد مع زيادة حدة وعدد تلك الأعاصير والحرائق والزلازل، وما ينتج منها من تسوماني إلى جانب الفيضانات.
تباين عالمي
يعود السبب في تراجع عدد الضحايا بين البشر إلى تطور أنظمة الإنذار المبكر بالتغيرات المناخية والأحوال الجوية وأيضاً تطور إجراءات الإجلاء والوقاية من أضرار تلك الكوارث الطبيعية. ويلحظ علماء الأمم المتحدة التباين الواسع بين الدول المتقدمة والدول النامية والفقيرة في تحمل تبعات الخسائر الاقتصادية والبشرية لتلك التغيرات المناخية المتطرفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فبينما تقع كلفة الخسائر الاقتصادية الأكبر على الدول المتقدمة، فإن أعداد الضحايا البشرية أكبر بكثير في الدول النامية والفقيرة، إضافة إلى الأعداد الأكبر من النازحين داخلياً نتيجة تلك الكوارث، الذين تتدهور أحوالهم المعيشية لفترة أطول. وإذا كان عدد الوفيات من تلك الكوارث في أوروبا وأميركا الشمالية بالعشرات، فإن الأعداد في كوارث أخرى من قبل في مناطق أخرى من العالم كانت بمئات الآلاف. ومما يرصده الأطلس المشار إليه، إعصار "بولا" الذي ضرب شرق باكستان وغرب البنغال عام 1970، وأدى إلى مقتل نصف مليون شخص، فضلاً عن أضعاف هذا العدد من المشردين والنازحين داخلياً. أما الجفاف في السودان وموزمبيق وإثيوبيا في النصف الأول من الثمانينيات، فقد أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، غير ملايين آخرين تضررت أحوالهم المعيشية بشكل شبه دائم تقريباً.
طبعاً، لا توجد في الأطلس المذكور أي تقديرات من علماء الأمم المتحدة للمقابل المادي لتلك الخسائر البشرية، فهي في النهاية لا تقدر بمال. لكن في المقابل نجد أن الأعاصير في نصف الكرة الشمالي تسبب الضرر الاقتصادي الأكبر. وربما كانت أعلى الخسائر من إعصار "كاترينا" قبل أكثر من 15 عاماً، التي بلغت وقتها 163.6 مليار دولار.
وترجع المنظمة العالمية للأحوال الجوية ذلك التباين في الكلفة الاقتصادية والبشرية بين الدول الغنية والدول الفقيرة إلى أن الأولى توسعت في استخدام أنظمة الإنذار المبكر التي لا تتوفر للدول النامية. كما أن قدرة الدول المتقدمة على عمليات الإخلاء والإنقاذ أكبر بكثير من قدرة الدول النامية. على سبيل المثال، فإن نصف الدول الأعضاء في المنظمة، وعددهم 139 دولة، لديها أنظمة رصد وإنذار مبكر متطورة للتغيرات المناخية وتوقعات الكوارث الطبيعية. بينما النصف الآخر لا تتوفر له تلك الأنظمة.
لذا تتوقع المنظمة زيادة واضحة في التأثيرات الضارة لتلك التغيرات المتطرفة في مناطق مثل أفريقيا وجزر الكاريبي والمحيط الهادئ، وبعض مناطق أميركا اللاتينية. ويحذر علماء الأمم المتحدة من أن استمرار التغير المناخي بمستوياته الحالية يمكن أن يضاعف من تلك الأضرار الاقتصادية والبشرية للكوارث الطبيعية.