جاءت مهمتي الأولى كضابط في وحدات الـ"سي آي إي" [وكالة الاستخبارات المركزية] شبه العسكرية، ضمن عملية استهدفت واحداً من القادة العشر الأوائل في تنظيم "القاعدة". حدث ذلك في خريف 2009، ولم يكُن مضى أكثر من يومين على التحاقي بعملي الجديد. إلا أنني لم أكن غريباً عن أفغانستان، إذ سبق وحاربت هناك (كذلك في العراق) كضابط في وحدات الـ"مارينز" طوال الأعوام الستة السابقة. وانضمت إلينا في العملية ضد أحد قيادات "القاعدة"، وحدة أفغانية متخصصة في مكافحة الإرهاب، سبق لي أن قدّمتُ لها المشورة، إضافة إلى مجموعة من أفراد "سيل تييم سيكس" SEAL Team Six (وحدات من قوات البحرية الأميركية متخصصة في مكافحة الإرهاب الدولي). تمثلت خطتنا في تنفيذ مداهمة لاعتقال أو قتل الهدف، الذي أتى عبر الحدود من باكستان بغية حضور اجتماع في "وادي كورينغال".
كانت ليلة بلا قمر، وقد تسللنا إلى الوادي. وسار الأفراد السبعون في قواتنا التي ستنفذ المداهمة، قرابة ساعتين تحت جنح الظلام، مستعينين بمناظيرهم الليلية. وقطعنا مئات الأقدام في المرتفعات صامتين، إلى أن بلغنا قرية تقع فوق مرتفع صخري ناتئ حيث عُقد الاجتماع. وفيما جابت طائرات التجسس والهجوم السماء المملوءة بالنجوم، انطلقت مجموعة فرعية من قواتنا نحو البيت الذي أفادنا مخبر لنا بأن هدفنا موجود فيه. وسرعان ما نشبت معركة قصيرة وشرسة بالرشاشات. لم يُصَب أحد من رجالنا، وقُتل عدد من أعدائنا. وكذلك ألقينا القبض على هدفنا حياً. ثم تسللنا منسحبين من "وادي كورينغال" بالسرعة ذاتها التي أتينا فيها. وفي الصباح الباكر، وصلنا سالمين إلى قاعدة الجيش الأميركي، التي لن يلبث سجيننا أن يُنقل منها إلى قاعدة "باغرام" الجوية. سطعت الشمس فوق القمم المسننة، ورحنا نملأ الأوراق المطلوبة لإجراء عملية نقل السجين. وفجأةً، هدأ المزاج الحاد لأفراد قواتنا المداهمة بعد أن سادها طوال الليل. مكثنا في مساحة صغيرة قذرة تُستخدم موقفاً للسيارات. خلعنا خوذنا، ورحنا نضحك ونستعيد تفاصيل مهمتنا. وبعد قليل، وصل موكب كي يرشدنا ويعيدنا إلى قاعدتنا، حيث سنحصل على بعض الراحة التي تمسّ حاجتنا إليها، ونتناول وجبة مقبولة. وهناك، حينها، سنكون بانتظار هدفنا التالي، مستأنفين ما بدا أنه حملة ناجحة تنفذها الولايات المتحدة بهدف القضاء على قادة تنظيم "القاعدة". باختصار، كنّا نشعر بالنصر.
وأثناء انتظارنا في تلك المساحة القذرة، تقدّم رتل من جنود أميركيين مهملي اللحى، وبأعمار أكبر قليلاً من سن المراهقة. عاشوا في تلك القاعدة ومعاناتهم معروفة لدينا، إذ إنهم قضوا أعواماً عدة في خوض حملة عبثية، وغالباً غير ناجحة، هدفها مكافحة الجماعات الإرهابية في ذلك الوادي. وقُتل كثيرون من أصدقائهم هناك. بدت ملامح أولئك الجنود شاحبة، تحمل في طياتها مزيجاً من سمات الهزيمة والتحدي. ولا بد من أن تكون دعاباتنا المنتصرة بدت لهم مثل لغة غريبة، إذ وجّهوا إلينا نظرات استياء قاسية، واعتبرونا متطفلين. وبدا لي الأمر أنه على الرغم من وقوف وحداتنا المتخصصة في مكافحة الإرهاب على أرض المعركة ذاتها التي يقف عليها أولئك الجنود، إلا أننا في الحقيقة نخوض حربين مختلفتين.
وبالاستعادة، ضمن جلسة مشتركة للكونغرس في 20 سبتمبر (أيلول) 2001، أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش نمطاً جديداً من الحرب، تمثّل في "الحرب على الإرهاب". وحدّد بوش أحكام تلك الحرب كالتالي، "من أجل تعطيل شبكة الإرهاب وإلحاق الهزيمة به، سنوجّه في سبيل تلك الغاية كل المصادر التي بحوزتنا، كل وسيلة من وسائلنا الدبلوماسية، كل أداة استخباراتية، كل آلية من آليات فرض القانون، كل نفوذ مالي، وكل سلاح حربي ضروري". ثم انتقل (بوش) إلى وصف ما يمكن أن تبدو عليه الهزيمة، مشيراً إلى إنه "سوف نجفف مصادر تمويل الإرهابيين، ونُدبّ الفرقة بينهم، ونطاردهم من مكان إلى آخر حتى لا يعود هناك أمامهم ملاذ أو راحة". وإذا اعتبرنا كلمات بوش تلك إيجازاً للأهداف الرئيسة في الحرب على الإرهاب، فقد حققت الولايات المتحدة معظمها بعد عشرين عاماً، إذ بات أسامة بن لادن ميتاً. ودب الوهن في "القاعدة"، وتبعثر الأعضاء الأساسيون في التنظيم هذا. ولا يظهر أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، إلا عبر مواد ترويجية نادرة. وكذلك تضاءلت المناطق التي سيطر عليها الفرع الأقوى في "القاعدة"، أي "تنظيم الدولة الإسلامية" (أو "داعش")، داخل العراق وسوريا حتى تلاشت تقريباً.
هل بوسع الولايات المتحدة ادعاء النصر في الحرب على الإرهاب فيما تخسر الحرب في أفغانستان والعراق؟
في المقابل، يتمثّل الأمر الأكثر أهمية في نجاح الولايات المتحدة بتأمين سلامة أراضيها. ومثلاً، لو أخبر شخص ما الأميركيين خلال الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، فيما هم يتعقبون هجمات الـ"أنثراكس" على مبنى الكابيتول [مقر الكونغرس]، ويكابدون غرق سوق الأسهم وتوقعات انهيار قطاع السفر، لو أخبرهم أن قوات الجيش الأميركي ووكالات الاستخبارات الأميركية سوف تقي البلاد بنجاح من هجمات إرهابية أساسية أخرى طوال العقدين المقبلين، لتردّدوا في تصديق كلامه. فمنذ هجمات 11 سبتمبر، تكبدت الولايات المتحدة ست وفيات سنوياً كمعدل وسطي، بفعل الإرهاب المتطرف الاسلامي (كي نفهم هذا المعطى، [وعلى سبيل المقارنة] توفي في 2019 39 أميركياً يومياً بمعدل وسطي جراء جرعات زائدة من وصفات الأدوية الأفيونية). لذا، إذا تمثّل الهدف من الحرب الدولية على الإرهاب في الحؤول دون حصول أفعال إرهاب جسيمة، خصوصاً في الولايات المتحدة، فتكللت تلك الحرب بالنجاح.
لكن، بأي ثمن؟ بالعودة إلى تلك الليلة في "كورينغال"، نطرح سؤالاً عن إمكانية أن يتعايش النجاح والفشل معاً على أرض المعركة ذاتها؟ هل بوسع الولايات المتحدة ادعاء النصر في الحرب على الإرهاب فيما تخسر الحرب في أفغانستان والعراق؟ تتطلب الإجابة عن هذين السؤالين تحليل المعارك الكثيرة التي خاضتها أميركا منذ حوادث 11 سبتمبر، بهدف فهم تأثير تلك المعارك في النفسية الأميركية.
نحن وهُم
تطلبت كل حرب خاضتها الولايات المتحدة نموذجاً اقتصادياً محدداً يسهم في استمرارية تمويلها، وإمدادها بما يكفي من أفراد وأموال. ومثلاً، تأمّنت استمرارية الحرب الأهلية الأميركية بفضل قانونين لم يكونا مسبوقين تاريخياً، يتعلق أحدهما بالتجنيد والآخر بضريبة الدخل. على نحوٍ مشابه، شهدت الحرب العالمية الثانية تجييشاً وتحركاً دولياً، وتضمن ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة قانوناً جديداً في التجنيد، ومزيداً من الضرائب وعمليات بيع أسهم الحرب. في المقابل، تمثّل أول ما ميّز حرب فيتنام، في قانون تجنيد لم يكُن شعبياً على الإطلاق، بل أسهم في إطلاق الحركة المناهضة للحرب وسرّع في وضع حد لذلك الصراع.
واستطراداً، جاءت الحرب على الإرهاب كالحروب التي سبقتها بنموذجها (الاقتصادي) الخاص بها، إذ خيضت تلك الحرب بجيش كامل من المتطوعين، تأمّنت رواتبهم بالدرجة الأولى عبر الاقتراض من الإنفاق العام [أي ما يُعرف بعجز الإنفاق العام]. وينبغي أن لا يتفاجأ أحد من أن يكون هذا النموذج، بحكم تصميمه، صرف انتباه معظم الأميركيين عن تكاليف النزاع، وأدخلهم في أطول حروبهم تاريخياً. في هذا الإطار، وضمن خطابه في 20 سبتمبر 2001، حين تحدث عن الطريقة التي ربما يعتمدها الأميركيون في دعم جهود الحرب، دعا بوش الأميركيين [إلى المضي قدماً] قائلاً "أسألكم أن تعيشوا حياتكم، وتعانقوا أطفالكم".
واستطراداً، خلّف ذلك النموذج في الحقيقة تأثيراً كبيراً في الديمقراطية الأميركية، الأمر الذي لم يُدرك تماماً إلا بعد مضي 20 عاماً. واليوم، مع انتفاخ [تعاظم] العجز الوطني والتحذيرات من التضخم، من المفيد الإشارة إلى أن الحرب على الإرهاب غدت واحدة من أولى وأعلى النفقات التي وضعها الأميركيون في بطاقات ائتمانهم الوطنية، وذلك بعد الموازانات المعتدلة التي تميزت بها حقبة التسعينيات من القرن العشرين، إذ شكّل عام 2001، آخر عام لموازنة فيدرالية يمرّرها الكونغرس وتنتهي بفائض. وتمويل الحرب عبر الاقتراض من الإنفاق العام أتاح لذلك التمويل التزايد من إدارة (رئاسية) إلى أخرى، من دون أن يظهر سياسي واحد على الأقل ويتحدث عن مسألة "ضريبة الحرب" [بمعنى فرض ضريبة هدفها تمويل الإنفاق على الحرب]. وفي تلك الأثناء، جاءت أشكال أخرى من الإنفاق تمتد من برامج الإنقاذ المالية للرعاية الصحية إلى برامج تحفيز التعافي من الجائحة في الفترة الأخيرة، مع سجالات تستمر حتى انقطاع الأنفاس.
استكمالاً، إذا عمل الاقتراض من الإنفاق العام على تخدير الشعب الأميركي وصرف انتباهه عن الأكلاف المالية للحرب على الإرهاب، فإن التحولات التكنولوجية والاجتماعية جاءت كي تحجب عن الأميركيين الأكلاف البشرية المترتبة على تلك الحرب، إذ أسهم استخدام الطائرات المسيّرة (درون) وغيرها من المنصات الحربية، في نمو وتطور الحرب المؤتمتة، ما أتاح للجيش الأميركي تنفيذ عمليات القتل عن بُعد. وزاد ذاك التطور في إبعاد الأميركيين عن الوجه القاتم من أكلاف الحرب، سواء تمثلت تلك الأثمان في موت جنود أميركيين، أو مدنيين أجانب. وفي الآونة ذاتها، أسهم غياب القانون المتعلق بالحرب، في السماح للحكومة الأميركية أن تلزِّم حروبها لطبقة عسكرية مغلقة، فباتت جماعة يزداد انعزالها الذاتي عن المجتمع، ما فتح الباب أمام انقسام مدني– عسكري عميق، لا يقل حدّة عن أي انقسام عرفه المجتمع الأميركي في مسار تاريخه.
تطلبت كل حرب خاضتها الولايات المتحدة نموذجاً اقتصادياً محدداً يسهم في استمرارية تمويلها
العام الفائت وإثر اضطرابات مدنية شهدتها الولايات المتحدة، امتلك الأميركيون أخيراً فرصة مقابلة جيشهم مباشرة إثر نشر أفراد الخدمة الفعلية في الجيش وقوات "الحرس الوطني" بأعداد كبيرة في أنحاء البلاد. كذلك تسنّى للأميركيين الاستماع إلى قياديين متقاعدين من الجيش، حين انخرط عدد كبير من أصحاب الرتب العالية، من اليسار واليمين، في تناول قضايا السياسة المحلية على نحو غير معهود. وتحدث هؤلاء عبر شاشات التلفزة، وسطّروا مقالات دانوا فيها هذا الطرف السياسي أو ذاك، ووقّعوا أسماءهم على عرائض تناولت كل شيء، من قضية الـ"لابتوب" (الكمبيوتر المحمول) المشبوه المرتبط بابن المرشح الديموقراطي (بايدن)، إلى مسألة نزاهة الانتخابات الرئاسية بحد ذاتها.
في المقابل، وحتى الآن، يبقى الجيش الأميركي المؤسسة الأكثر ثقة في الولايات المتحدة، وواحدة من المؤسسات القليلة التي يعتبرها الأميركيون غير منحازة سياسياً. إلى متى يمكن لهذه الثقة أن تستمر في ظل الظروف السياسية الموجودة؟ فمع تمدّد الانحياز السياسي والحزبي في الولايات المتحدة ليصيب كل جوانب الحياة الأميركية، فإن وصول تلك العدوى إلى الجيش وانتشارها فيه، ربما لا تكون سوى مسألة وقت. ماذا بعد ذلك؟ يظهر التاريخ، من روما قيصر إلى فرنسا نابليون، أن الديمقراطية لن تدوم طويلاً حين تُزاوج الجمهورية جيشاً ضخماً في حالة تأهب، مع سياسات محلية مختلة وعجلتها مصابة بالشلل. وتعيش الولايات المتحدة اليوم في ظل هذين الظرفين. وتاريخياً، يستدعي ذلك الأمر في العادة نوعاً من الأزمة السياسية التي تقود في النهاية إلى انخراط الجيش (أو حتى تدخله) في السياسات المحلية. لذا، فإن ذلك الانقسام العريض بين الجيش والمواطنين الذين يخدمهم، لا يشكّل سوى إرث آخر متأتٍ من الحرب على الإرهاب.
تعريف النصر
على الرغم من أنه قد يبدو غريباً فصل الحربين في أفغانستان والعراق عن الحرب على الإرهاب، إلا أنه من المفيد التذكير بأن اجتياح واحتلال البلدين المذكورين على نحو شامل مباشرة بعد 11 سبتمبر، فرضا أمراً واقعاً تقريباً. وفي هذا الإطار، ليس صعباً تخيّل أن حملة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان تكون أكثر محدودية [من تلك التي جرى تنفيذها فعلاً] تستطيع جلب أسامة بن لادن إلى العدالة، أو [تخيّل] استراتيجية في احتواء عراق صدام حسين من دون أن تستلزم اجتياحاً أميركياً شاملاً. في المقابل، تمثّل ما تلا ذلك في حملتين مديدتين ومكلفتين بغية مكافحة الإرهاب في البلدين كليهما، ومثّلت الحملتان حربين اختياريتين. وكذلك ثبت أنهما شكّلتا خطأ أساسياً من ناحية جلب مخططي عمليات 11 سبتمبر للعدالة وحماية التراب الوطني الأميركي. وفي الحقيقة، وبلحظات عدة خلال العقدين الفائتين، مُنيت هاتان الحربان بنكسة من ناحية الهدفين المذكورين. ولا شيء يمكن أن يوضح لنا ذلك أكثر من الأشهر الأولى التي تلت مقتل بن لادن في مايو (أيار) 2011.
في سياق موازٍ، ثبت أن أعواماً قليلة امتلكت تأثيراً في الحرب على الإرهاب يفوق ما امتلكه عام 2011. وإلى جانب كون العام المذكور عام مقتل بن لادن، فإنه أيضاً عام انطلاق "الربيع العربي" وانسحاب الجنود الأميركيين الكامل من العراق. وإذا تمثّل الخطأ الاستراتيجي الفادح لإدارة بوش في إرسال جنود أميركيين إلى العراق، فإن الخطأ الاستراتيجي الفادح لإدارة أوباما تمثّل في سحبهم (الجنود الأميركيين) على نحو كلّي من ذاك البلد. إنهما خطوتان خاطئتان خلقتا فراغاً في السلطة، إذ أدّت الأولى إلى صعود تنظيم "القاعدة" في العراق، فيما أدّت الثانية إلى ولادة خليفة "القاعدة"، أي تنظيم "داعش".
واستطراداً، إذا اعتبرنا أنه من الجنون فعل أمر ما وتكراره مراراً ثم توقّع نتيجة مختلفة منه بعد كل مرة، فإن إدارة بايدن بالنسبة إلى أفغانستان تبنّت سياسة جنونية متمثلة في الانسحاب الراهن، واضعة نفسها في موقف تكرار تجربة الرئيس أوباما في العراق، إذ إن إعادة جنود الجيش الأميركي إلى العراق في خضم الحرب الخاطفة ضد "داعش" عام 2014 ضمن نطاق 16 ميلاً من بغداد، جاء كرد فعل على مخاوف لم يكُن أقلها احتمال انهيار حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكذلك أن يؤدي واقع وجود دولة فاشلة في العراق إلى خلق ذلك النوع من الملاذ للإرهابيين الذي أدى إلى تمكينهم من شن عمليات 11 سبتمبر، إذ استندت الحملات الواسعة التي نفّذتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق لمكافحة الإرهاب، إلى مبدأ الهجوم الاستباقي، ووفق كلمات بوش في 2007 "سوف نحاربهم هناك، كي لا نضطر إلى مواجهتهم في الولايات المتحدة الأميركية".
بعد عقدين، تعاني الولايات المتحدة اليوم إنهاكاً من الحرب
من زاوية أخرى، ثمة أمر يجعل الحرب على الإرهاب مختلفة عن الحروب الأخرى وقوامه أن النصر فيها لا يُنجَز عبر تحقيق نتائج إيجابية على الإطلاق، بل يبقى الهدف محصوراً في منع حصول نتائج سلبية. لا يتحقق النصر في تلك الحرب حينما تدمّر جيش عدوك، أو تحتل عاصمته، إذ يظهر النصر حينما لا يحصل شيء أبداً. فكيف، ستعلن ساعتئذٍ النصر؟ كيف يمكنك إثبات شيء ما يكون سلبياً (بمعنى أن لا يحصل شيء)؟
بعد حوادث 11 سبتمبر، بدت الحال تقريباً كأن الاستراتيجيين الأميركيين، غير القادرين على وضع مفهوم محدد عن حرب يمكن الانتصار فيها بمجرد منع مجموعة حوادث معينة من تكرار نفسها، شعروا بأنهم مجبرين على اختراع حرب تتوافق مع أنماط نزاعات معهودة وأكثر تقليدية. بالتالي، شكّلت الحربان في أفغانستان والعراق نمطاً معهوداً من الحرب، وتضمنتا اجتياحاً بغية إسقاط حكومة وتحرير شعب، يليه احتلال مديد وحملات مكافحة الإرهاب.
في الإطار عينه، وإضافة إلى الدماء التي سُفكت والموازنات التي دُفعت، ثمة مقياس آخر يمكن على أساسه الحكم على حرب مكافحة الإرهاب، وهو ميزان تكلفة الفرص. لقد كشفت جائحة "كوفيد- 19" عمق المأزق السياسي الأميركي، وأشارت إلى مخاطر الانقسام المدني– العسكري. وربما يكون الأمر الأهم في أزمة تلك الجائحة، من منظور الأمن القومي، أنها جعلت العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والصين واضحة إلى العيان على نحو صارخ. وطوال العقدين الماضيين، فيما راحت واشنطن تعيد توجيه الجيش الأميركي للانخراط في حملات ضخمة هدفها مكافحة الإرهاب والنهوض بعمليات دقيقة في ذلك الإطار، انشغلت الصين في بناء جيش من أجل محاربة منافس يمتلك المستوى ذاته [ند لها ويضاهيها قوة]، وإلحاق الهزيمة به. واليوم، باتت القوات البحرية الصينية تُعدّ الأكبر في العالم، إذ تضم 350 سفينة حربية جاهزة للعمليات، مقابل 290 سفينة تملكها البحرية الأميركية. وعلى الرغم من أن السفن الأميركية عموماً تتفوق على مثيلاتها الصينية، إلا أنه من المحتم، بحسب الواقع الراهن، أن يصل جيشا البلدين إلى المستوى ذاته في يوم من الأيام. وقضت الصين 20 عاماً في بناء سلسلة من الجزر الاصطناعية ضمن أنحاء بحر جنوب الصين، يمكنها أن تشكّل خط دفاع فاعل في مواجهة حاملات الطائرات التي لا يمكن إغراقها.
في المقابل، من الناحية الثقافية، غدت الصين أكثر عسكرةً، إذ تنتج محتوى متطرفاً في الولاء القومي على غرار سلسلة أفلام الحركة "المحارب الذئب" Wolf Warrior. في الفيلم الأول من تلك الأفلام، تؤدي سفينة البحرية الأميركية السابقة "سيل" SEAL دور العدو. كذلك اعتُبرت النسخة التي أُطلقت عام 2017 من هذه السلسلة، ذات الإيرادات الأعلى في تاريخ شباك التذاكر السينمائية الصينية. وفي ذلك السياق، من المستطاع الإشارة بوضوح إلى أن بكين لا تتورّع أبداً عن وضع واشنطن ضمن إطار معادٍ.
واستطراداً، ليست الصين البلد الوحيد الذي استفاد من انشغال الولايات المتحدة (في الحرب على الإرهاب). وخلال العقدين المنصرمين، عملت روسيا على توسيع أراضيها، فضمّت منطقة القرم ودعمت الانفصاليين في أوكرانيا. كذلك دعمت إيران وكلاءها في أفغانستان والعراق وسوريا، وامتلكت كوريا الشمالية أسلحة نووية. وإثر افتتاح القرن الحادي والعشرين بعمليات 11 سبتمبر، أظهرت الحكمة التقليدية أن اللاعبين غير المعادين، ربما يثبتون أنهم الخطر الأكبر على الأمن القومي الأميركي. وتحقّق ذلك الأمر لكن ليس بالطريقة التي توقّعها معظم الناس، إذ اخترق اللاعبون غير الدُوَلاتيين الأمن القومي الأميركي ليس من طريق مهاجمة الولايات المتحدة، بل عبر تشتيت انتباهها تجاه اللاعبين الذين هم دول. لذا، فإن المناوئين الكلاسيكيين (للولايات المتحدة) أي الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، زادوا من قدراتهم وعدائيتهم تجاه الولايات المتحدة، التي تشتّت انتباهها عنهم.
ما مدى جدية التهديدات التي تمثلها تلك الدول؟ في الحقيقة، حينما يتعلق الأمر بالمنصات العسكرية التقليدية كحاملات الطائرات والدبابات والطائرات الحربية، تواصل الولايات المتحدة تمتعها بتفوق تكنولوجي لا شك فيه حتى تجاه أقرب منافسيها. لكن منصاتها العسكرية المفضلة ربما لا تكون المنصات المناسبة تماماً اليوم، إذ تستطيع صواريخ "كروز" الأرضية البعيدة المدى أن تجعل حاملات الطائرات الكبرى شيئاً متقادماً عفا عليه الزمن. كذلك تستطيع التطورات في الهجمات السيبرانية أن تصعّب مهمات الطائرات الحربية المعتمدة على التكنولوجيا. بالتالي، عمد أصحاب العقول الكبرى في الجيش الأميركي اليوم، إلى تركيز انتباههم أخيراً على تلك المخاوف. ومثلاً، عملت قوات الـ"مارينز" على تحويل تركيزها الاستراتيجي برمته تجاه نزاع محتمل مع الصين. لكن، الأمر ربما جاء متأخراً جداً.
حالة إنهاك
بعد عقدين من السنين، تعاني الولايات المتحدة أيضاً من الإنهاك جراء الحرب. وحتى لو أدّت أمور كالاعتماد كلياً على المتطوعين في تشكيل الوحدات العسكرية وغياب الضريبة الحربية، إلى إعفاء معظم الأميركيين من تحمّل أعباء الحرب، إلا أن ذاك الإنهاك آخذٌ في التكشّف. وخلال ولاية أربعة رؤساء أميركيين، احتفل الأميركيون بدايةً ثم راحوا يعانون حروباً لا تنتهي، بل تحضر في خلفيات حياتهم. وشيئاً فشيئاً، تعكر المزاج الوطني [عمّ الاستياء]، وانتبه الخصوم إلى ذلك. واستناداً إلى ذلك، أسهم إنهاك الأميركيين، وتنبُّه الدول المناوئة لأميركا له، في تضييق الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة. وبالنتيجة، تبنّى الرؤساء الأميركيون سياسات عدم الفعل، فتقوّضت المصداقية الأميركية.
وفي ملمح لافت، ظهرت تلك الدينامية في سوريا على نحو صادم لم يبرز في أي مكان آخر، عقب الهجوم بغاز الـ"سارين" على الغوطة في أغسطس (آب) 2013. وحين تخطّى الرئيس السوري بشار الأسد عبر استخدامه الأسلحة الكيماوية الخطوط الحمر التي وضعها أوباما، لم يجِد الأخير أن المجتمع الدولي متلكئ فحسب تجاه مناشدات رئيس أميركي استخدام القوة، بل أن التلكؤ ظهر أيضاً في الكونغرس ذاته. فحين لجأ أوباما إلى المشرعين الأميركيين كي يكسب تأييدهم لشنّ هجوم عسكري ضد نظام الأسد، وجد أن تعباً وإنهاكاً من الحرب قد حلّ على المشرعين الأميركيين من الحزبيْن، وعبّر ذلك أيضاً عن شعور الناخبين بالإنهاك، فما كان منه [أوباما] إلا أن تراجع عن توجيه الضربة. وعلى ذلك النحو، جرى اختراق خط أحمر أميركي من دون أي عاقبة أو رد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق متصل، ربما تبدو تكلفة ذلك الإنهاك "ناعمة" في سياق الحرب على الإرهاب، إلا أنها تُعتبر من التبعات الاستراتيجية الواضحة، إذ لا يمكن لأمة منهكة بفعل الحرب أن تكتسب مظهراً يردع خصومها. فعلى ذلك النحو، جرت الأمور حينما عمد السوفيات خلال "الحرب الباردة" وأثناء ذروة حرب فيتنام، إلى اجتياح تشيكوسلوفاكيا في 1968، وأيضاً حينما قام السوفيات، في أعقاب تلك الحرب [فيتنام]، باجتياح أفغانستان في 1979. ولأن الحالة الأولى حصلت أثناء تورط الولايات المتحدة في الحرب [فيتنام]، وترنحها نتيجة تلك الحرب ذاتها في الحالة الثانية، فإنها لم تتمكن آنذاك على نحو مقنع من ردع عدوانية الاتحاد السوفياتي العسكرية. وتعيش الولايات المتحدة اليوم واقعاً مماثلاً، خصوصاً إذا نظرنا إلى العامل الصيني. وحين سُئل الأميركيون في استطلاع حديث للرأي إن كان متوجباً على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان في حال تعرّضت لاجتياح صيني، أجاب بـ"لا" حوالى 55 في المئة من المشاركين في ذلك الاستطلاع.
من الواضح أنه لو فعل الصينيون عملاً كذلك، بالتحديد إذا قُتل في العملية مواطنون أميركيون أو من دول حليفة لأميركا، فربما يتبدّل الرأي العام (الأميركي) بسرعة. إلا أن الاستطلاع المذكور أظهر أن الحد الأدنى المطلوب في وضع القوة موضع الاستخدام، بات مرتفعاً لدى الأميركيين. ويدرك خصوم الولايات المتحدة ذلك. ومثلاً، ليست مصادفة أن تشعر الصين أنها تستطيع التعدي على استقلالية هونغ كونغ، وتُقدِم على انتهاكات فاضحة بحق سكان الصين من أقلية الإيغور. وعندما تتراجع القوة الأميركية، يعمد آخرون إلى ملء الفراغ.
وعلى نحوٍ مشابه، تعلّم خصوم الولايات المتحدة التعتيم على تعدّياتهم. وتقدّم الحرب السيبرانية التي تنفّذها روسيا في هذه الآونة [ضد الولايات المتحدة]، مثلاً على ذلك، إذ تنفي موسكو علمها بـ"هجمات الفدية" السيبرانية الصادرة ضمن الحدود الروسية. وعلى النحو ذاته بالنسبة إلى تايوان، لن تأتي الاعتداءات الصينية على الأرجح بأشكال وطرق عسكرية تقليدية، إذ يُرجّح أن تسيطر بكين على الجزيرة عبر عمليات ضم تدريجية، بطريقة تحاكي ما فعلته مع هونغ كونغ، بدل تنفيذ اجتياح مباشر. بالتالي، سيجعل الرد العسكري الأميركي أكثر صعوبة، خصوصاً بعدما أدى عقدان من الحرب إلى تقويض القوة العسكرية الأميركية الرادعة.
بلد أجنبي
بدّلت الحرب على الإرهاب نظرة الولايات المتحدة إلى ذاتها، وكذلك نظرة بقية دول العالم إليها. وسألني كثيرون، بين فينة وأخرى، عن الطرق التي بدّلتني فيها تلك الحرب. لم أعرف يوماً الإجابة عن سؤال كهذا لأن الحرب في المطلق لم تبدّلني، بل صنعتني. إنها مترسخة عميقاً في نفسيتي، ما يُصعّب عليّ مهمة الفصل والتمييز بين أجزائي الموجودة بفعلها، وأجزائي الأخرى الموجودة على الرغم منها. بالتالي، تشبه الإجابة عن ذلك السؤال الذي يطرحونه مراراً، إعطاء تفسير عن الكيفية التي يبدّلك فيها أحد أفراد أسرتك أو أقاربك. حينما تعيش مع شخص أو حرب، فترة طويلة تصبح على معرفة حميمة بذلك الشخص (أو بتلك الحرب)، ثم يحصل تبديل فيك عبر الطرق الحميمة ذاتها.
اليوم أواجه صعوبة في تذكّر ما كانته الولايات المتحدة في ما مضى. نسيتُ كيف يستطيع المرء الحضور إلى المطار قبل مجرد 20 دقيقة من إقلاع طائرة رحلته. وكيف نستطيع التجوال في محطة قطارات من دون مشاهدة عناصر الشرطة بسلاحهم يجوبون المنصات والأرصفة. كيف استطاع المرء أن يقتنع، خصوصاً في الأعوام الأولى بعد "الحرب الباردة"، أن صيغة الولايات المتحدة من الديمقراطية سوف تبقى على الدوام تتعاظم، وأن "نهاية التاريخ" قد حلّت.
واستطراداً، يمثل ذلك الطريقة ذاتها تقريباً التي يتذكر فيها أفراد "الجيل الأعظم" [جيل الذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية] أين كانوا حينما هاجم اليابانيون ميناء "بيرل هاربور"، أو الطريقة التي يتذكر بها جيل الـ"بيبي بومرز" [جيل الطفرة السكانية في خمسينيات القرن العشرين] أين كانوا حين أُطلق النار على الرئيس جي أف كي [الرئيس جون أف كينيدي]، أو اللحظة المفصلية لجيلنا، إذ نتذكر أين كنّا لحظة هجمات 11 سبتمبر. بالنسبة لي، على غرار غالبيتنا، أتذكر ذلك اليوم بوضوح. في المقابل، حين أفكر في ذلك الوقت، فإن الحادثة الأكثر حضوراً في ذاكرتي هي تلك التي وقعت في الليلة التي سبقت تلك الهجمات.
آنذاك، كنتُ طالباً جامعياً وقد حصلتُ على جهاز تلفزيون في شقتي لأن قناة "أتش بي أو" HBO عرضت مسلسلاً جديداً هو "جوقة الأخوة" Band of Brothers. وكوني آنذاك ضابطاً بحرياً في "قوات الاحتياط" ROTC [برنامج عن تدريب ضباط قوى الاحتياط في الجيش الأميركي]، رأيت أن مستقبلي كله سوف أقضيه ضمن "جوقة الأخوة". وإذ استلقيت على الأريكة، بدأ ذاك المسلسل صاحب العنوان الأيقوني. وراح المظليون (الأميركيون) ببذلاتهم المتناغمة يهبطون من السماء في طريقهم لتحرير أوروبا، وتعالت في الخلفية موسيقى المشهد الوترية التي تستدعي الحنين. ولم يكُن في المسلسل أي مسحة تهكم أو سخرية. اليوم، لا يمكنني تخيّل شخص يصنع عملاً كذلك.
لقد بدلت الحرب على الإرهاب نظرة الولايات المتحدة إلى ذاتها، وكذلك نظرة بقية دول العالم إليها
وفي موازاة تبدّل حساسيات الولايات المتحدة تجاه الحرب والمحاربين على مدى العقدين الماضيين، فلطالما فكّرت بـ"جوقة الأخوة"، إذ أنه يمثل مؤشراً جيداً يدلّنا أين كانت البلاد قبل 11 سبتمبر، ويعطينا فكرة عن رحلة المشاعر التي قطعتها منذ ذلك التاريخ. لقد باتت الولايات المتحدة مختلفة. وتحدّق بعين الشك إلى دورها في العالم، وتنظر بوضوح أكثر تجاه أكلاف الحرب، على الرغم من أنها عموماً لم تتكبد هذه الأكلاف إلا على نحو هامشي. كذلك، تلاشت رغبة الأميركيين بتصدير مبادئهم إلى الخارج، خصوصاً أنهم يجهدون ويكافحون حاضراً كي يحافظوا على تلك المبادئ في بلادهم، سواء تعلق الأمر بالعنف الذي رافق انتخابات 2020 الرئاسية، أو الاضطراب المدني في صيف 2020، أو حتى الفضائح التي تورطت الولايات المتحدة فيها، في سياق الحرب على الإرهاب، من سجن "أبو غريب" إلى تسريبات إدوارد سنودن. إن الولايات المتحدة صاحبة الجاذبية العالمية تقريباً التي ظهرت في مسلسل "جوقة الأخوة"، غدت ذكرى بعيدة.
وينبّهنا الأمر أيضاً إلى أن السرديات الوطنية لها أهمية كبيرة. وقبل يوم واحد من انطلاق الولايات المتحدة في مغامرتها الشرق أوسطية التي ستدوم عشرين عاماً، تجسّدت السرديات التي يود الناس سماعها، أو في الأقل السرديات التي رأى منتجو هوليوود أن الناس يودّون سماعها، في تلك التي يبدو الأميركيون فيها جماعة من الأخيار، يحررون العالم من الطغيان والقمع.
انتصار وخسارة
بعد وقت قصير من إعلان الرئيس جو بايدن عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تحدثت مع زميل سابق في الـ"سي آي إي". لقد سبق لذلك الزميل أن حارب في أفغانستان والعراق ضمن قوات الـ"مارينز"، وشارك أيضاً في تلك المهمة التي شاركت فيها بـ"وادي كورينغال". وفي المقابل، حين غادرتُ وكالة الاستخبارات المركزية، بقيَ فيها وقضى حياته المهنية، مؤدياً أدواره التنفيذية في إطار الحرب على الإرهاب حول العالم. وهو اليوم يتولّى إدارة العمليات شبه العسكرية في الوكالة.
تحدثنا عن الفوارق بين الانسحاب من العراق ومغادرة أفغانستان. وتوافقنا على أن الانسحاب الأخير جاء أقسى وقعاً. لماذا؟ لأن الحرب في أفغانستان، على نحو يتمايز عما حصل في العراق، بُنيت على أساس واقعة هجوم تعرّضت له الولايات المتحدة. ولم يحصل إلا مرّة واحدة من قبل في التاريخ الأميركي، وقاد إلى انتصار أميركي حاسم. إلا أن جيلنا، في تمايز عن "الجيل الأعظم"، لم يحظَ بانتصار كهذا. بالتالي، فلسوف يتذكرنا الناس باعتبارنا الجيل الذي خسر أطول حرب أميركية.
واستكمالاً، أبدى الزميل شكوكه حين ذكرتُ أنه حتى لو خسرنا الحرب في أفغانستان، سيبقى جيلنا قادراً على القول إنه انتصر في الحرب على الإرهاب. تناقشنا في الأمر بعض الشيء، ثم أوقفنا النقاش. في اليوم التالي، تلقيتُ في بريدي الإلكتروني رسالة منه. إنه من الجنوب ومحب للأدب، وقد أرسل لي النص التالي، من "الصخب والعنف" [رواية ويليام فوكنر الشهيرة]:
"ما من معركة يمكن الانتصار فيها أبداً، بل إن المعارك لا تخاض، إذ لا يكشف الميدان سوى حماقة المرء ويأسه، والنصر ليس سوى وهم فلاسفة ومجانين".
* إليوت أكيرمان ضابط سابق في الـ"مارينز "والاستخبارات الأميركية"، وشارك مع جايمس ستافريديس في تأليف كتاب "2034: رواية الحرب العالمية المقبلة" 2034: A Novel of the Next World War.
مترجم من فورين أفيرز، سبتمبر (أيلول)/ أكتوبر (تشرين الأول) 2021