فاجأت تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، الجزائريين، بعد أن شكك في الثورة التحريرية التي قادها الشعب من أجل الاستقلال، وشبه مغادرة الجيش الأميركي أفغانستان، بما وصفه "خروج فرنسا من الجزائر".
تصريحات واستفهامات
أقحم الإبراهيمي الثورة التحريرية الجزائرية من دون "مناسبة" في حواره مع جريدة "لوموند" الفرنسية، بقوله إن "الخروج الأميركي من أفغانستان بعد 20 سنة من الحرب، لا يمكن اعتباره هزيمة عسكرية، إنه يشبه تماماً ما حصل مع خروج فرنسا من الجزائر". مضيفاً أن "الولايات المتحدة هي التي قررت المغادرة، الأميركيون بدأوا في التفكير بالخروج منذ مقتل أسامة بن لادن، ولكن لم تسعفهم الظروف"، ثم عرج على الدول التي "حاربت" الشعب الأفغاني وخرجت مدحورة، مثل الاتحاد السوفياتي في عام 1989، والبريطانيين في القرن 19.
وأثار الإبراهيمي نقاط استفهام وفتح جدلاً بعد تعجب، ليس بسبب التشبيه الذي لجأ إليه، وإنما لعلاقة الرجل بالثورة التحريرية ومشاركته فيها والدفاع عنها بقوة، وهو الذي يعتبر من إطارات جبهة التحرير الممثل الشرعي لجيش التحرير خلال الثورة بين 1954 و1962، وأحد رجالاتها النشطاء الذين ترافعوا في المحافل الدولية لصالح استقلال الجزائر، وقد وصف في عديد المؤتمرات الدولية الثورة ضد الاحتلال الفرنسي بعملية التحرر المشروعة التي قام بها شعب عانى من الاضطهاد والظلم، ما جعل الشارع يتساءل: ما الذي دفع الإبراهيمي إلى هذا التصرف على الرغم من أن السؤال كان حول المسألة الأفغانية؟
تشبيه بعيد عن الموضوعية
وفي السياق، عبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بلال أوصيف، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، عن تعجبه من التصريح الصادر عن قامة دبلوماسية وأممية، وقال إن التشبيه بعيد عن الموضوعية والمنطق، لكن يجوز أن التصريح تعرض للقص أو أنه فهم خطأ من قبل المحرر، أو أن تمريره يندرج في إطار التشويش كما قد يكون بهدف الزج باسم الإبراهيمي في جدل، أو من أجل تبييض الوجوه السوداء بالجرائم الإنسانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "أما إن صح التصريح، فأعتبره سقطة غير مبررة لا تغتفر، وانزلاقاً خطيراً في حق الجزائريين، كونه بعيداً كل البعد عن الحقيقة والواقع"، متابعاً "لا أرى شخصياً أي وجه شبه بين الوجود الأميركي في أفغانستان لعقدين من الزمن والاحتلال الفرنسي للجزائر لقرن وثلث القرن من الزمن، كما أن طريقة إخراجهما مختلفة تماماً".
كما أوضح الدبلوماسي، محمد خذير، في تصريح مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، أن "حديث الإبراهيمي بأن أميركا لم تنهزم في أفغانستان أمر غير عادي، وعليه فإن تشبيهه الوضع بالجزائر لا يعتبر زلة لسان، فهو يرى أن استقلال الجزائر هدية من الرئيس الفرنسي آنذاك ديغول"، مستبعداً ردوداً من وزارة الخارجية، "لكن ستصله مكالمات من أجل تصحيح خطئه".
لا ردود رسمية وانتقادات أكاديمية
وفي حين لم تصدر أي ردود من الجهات الرسمية، تتواصل الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وسط تعجب من إقدام شخصية بمواصفات الإبراهيمي المعروف بثقله الدبلوماسي ووزنه الدولي، على استبدال وصف خروج أو انسحاب إرادي بهزيمة فرنسا في الجزائر.
وأشار الضابط السابق في الجيش الجزائري، أحمد عظيمي، على صفحته في "فيسبوك"، إلى أن تصريحات الإبراهيمي "هي وجهة النظر الفرنسية نفسها التي تقول بأن الجيش الفرنسي لم ينهزم في الجزائر، بل إن فرنسا فضلت الانسحاب لأسباب سياسية، وهذه العبارة قالها هكذا وأمامي أحد الأساتذة الفرنسيين في جامعة ستاندال بغرونوبل سنة 1991، فكان جوابي هو: وهل تعتقد يا أستاذ بأن جيشاً منتصراً كان في حاجة إلى مليون مسلح بين جيش وجندرمة وشرطة وحركة مؤطرين بأكثر من 60 جنرالاً و700 عقيد، وهي أرقام فرنسية، لمواجهة ماذا؟ مجرد مقاتلين يستعملون أسلحة بسيطة؟ هكذا أجبته فما كان عليه سوى أن أخذ محفظته وغادر القاعة".
كما كتب الروائي، الحبيب السايح، على صفحته في "فيسبوك"، أن "كلام الإبراهيمي إما قد حُرّف، وهذا يدخل ضمن حرب الذاكرة التي لا تزال الدوائر الاستعمارية تشنها ضد الجزائر، وهنا يتوجب عليه أن يقدم توضيحاً للرأي العام في الجزائر، وإما أنه قال ذلك في صيغة دبلوماسية محابية، خادعة وكاذبة، وهنا يتوجب عليه أن يقدم اعتذاراً للشعب الجزائري ولذاكرة الشهداء".
من جانبه، أبرز المؤرخ، محند أرزقي فراد، في منشور، أنه "إذا كان التصريح المنسوب إلى الأخضر الإبراهيمي صحيحاً فإن المصيبة قد عظمت، لأنه مؤشر دال على أن الجزائر مخدوعة، بإسناد أمرها إلى من يشك في انتصار ثورتها".
وكان الإبراهيمي شغل منصب وزير الخارجية الجزائرية بين عامي 1991 و1993، كما كان مبعوثاً للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق، وعين مبعوثاً مشتركاً للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا عام 2012.