إخراج: بابلو لارين. بطولة: كريستين ستيوارت، وتيموثي سبال، وجاك فارثينغ، وشون هاريس، وسالي هوكينز.
مدة الفيلم: ساعة و51 دقيقة.
التصنيف الرقابي: 17 سنة فما فوق.
لا تتوقعوا مشاهدة عمل درامي حقيقي عن العائلة المالكة في "سبنسر" Spencer، الفيلم الجديد عن الأميرة ديانا الذي عُرض لأول مرة في الثالث من سبتمبر (أيلول) الحالي ضمن فعاليات مهرجان البندقية السينمائي وأحدث ضجة كبيرة. يرد في افتتاحية الفيلم أنه "حدوتة" مستمدة من "مأساة حقيقية". يستعرض الفيلم ثلاثة أيام كانت مزلزلة في حياة ديانا (تلعب دورها الممثلة كريستين ستيوارت) خلال عطلة أعياد الميلاد التي أمضتها الأميرة في ساندرينغهام عام 1991 عندما كانت على وشك الانهيار.
وصف المخرج التشيلي بابلو لارين الفيلم بأنه "قصة متخيلة معكوسة". اعتماداً على السيناريو الذي وضعه ستيفن نايت (المشهور من مسلسل بيكي بلايندرز Peaky Blinders)، يصور المخرج ديانا شهيدة في حلة سيدة من الطبقة المخملية، وهي النسخة المعاصرة للملكة التعيسة آن بولين من القرن السادس عشر. تقول ديانا بتنهيدة حزينة "لا أمل بالنسبة إليَّ، ليس معهم"، مدركة عدم مبالاة الأسرة المالكة بمحنتها ومدى اقتراب زواجها من الانهيار.
لا بد أن يثير الفيلم حفيظة المشاهدين التقليديين. لقد تصرف كل من لارين ونايت في موضوع العمل بحرية كبيرة. في أحد المشاهد نسمع الأميرة تصرف مساعدتها بحزم قائلة "دعيني وحدي الآن، أريد ممارسة العادة السرية". ليس هذا بالحوار الذي نسمعه يتكرر كثيراً في الأعمال الدرامية التي تتناول العائلة المالكة. يُتعامل مع اضطراب الأكل لدى ديانا بطريقة تصويرية مباشرة، إذ نراها تتقيأ وتؤذي نفسها.
إذا نظرنا إلى فيلم "سبنسر" من وجهة نظر صحافة التابلويد، قد تقترح مثل تلك المشاهد أنه عمل شهواني ويتعدى على خصوصية البطلة. لكن في الواقع، العكس هو الصحيح. فعلى غرار فيلم لارين السابق "جاكي" Jackie الذي لعبت فيه ناتالي بورتمان دور البطولة، مجسدة شخصية زوجة جون كنيدي الحزينة، يعد هذا العمل رثاءً شاعرياً وإدراكاً رائعاً للذات.
أول جملة نسمعها من ديانا في الفيلم هي "أين أنا بحق الجحيم؟"، كانت تقود سيارتها بنفسها إلى ساندرينغهام، متجاوزة البروتوكول الملكي، لكنها ضلت الطريق بشكل ميؤوس منه. وعلى الرغم من أنها نشأت في مكان قريب هو بارك هاوس الذي يقع ضمن عزبة ساندرينغهام، فإنها لم تعرف الطريق المؤدي إلى وجهتها. وكعادتها، تصل متأخرة جداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يحتاج المشاهد إلى بعض الوقت كي يعتاد على تجسيد ستيوارت شخصية ديانا. بغض النظر عن المكياج والأزياء الدقيقة، فإن النجمة الهوليوودية لا تنقل إلينا على الفور حضور "أميرة الناس". مع ذلك، فهي تقدم أداءً لا يُنسى ومتقلباً للغاية. إنها مضطربة وساحرة ومندفعة ومضحكة في كثير من الأحيان - وصاحبة حضور يبعث على البهجة على الفور.
كان من السهل جداً جعل المشاهد التي تجمع بين ديانا والأميرين ويليام وهاري عندما كانا صغيرين، واللذين لا يشبهانهما في الحياة الواقعية، سخيفة وعاطفية جداً. لكنها بدلاً من ذلك، كانت من بين أكثر اللحظات إثارة في الفيلم. تظهر ديانا كشريكة لولديها في الشقاوة. إنهما يحميانها بشدة، ويَعِدانها بأن يلفتا انتباهها عندما يصبح سلوكها شاذاً للغاية.
تأتي مشاعر الشفقة من إدراك ديانا نقاط ضعفها وعدم قدرتها على حماية نفسها. تُحذَّر بأن "لا أحد فوق التقاليد"، وهي تواصل تحدي البروتوكول الملكي.
لم يُذكر حتى اسم المرأة "الأخرى" في زواج ديانا المضطرب. نحن نلمحها واقفة خارج الكنيسة. تشعر ديانا بالغضب والإهانة لأن هدية عيد الميلاد التي قدمها لها الأمير تشارلز هي عقد اللؤلؤ نفسه تماماً الذي سبق وأهداه لعشيقته، لكن صانعي الفيلم يتجنبان الخوض في مستنقع الفضيحة والقيل والقال.
لا يُتطرق إلى الأمير تشارلز (الممثل جاك فارثينغ) إلا بشكل عابر، كما أن حضور الملكة وأفراد العائلة المالكة الآخرين كان ضئيلاً (لكن لا تخافوا، نتمكن من رؤية الكلاب الملكية المدللة).
لكن العديد من الشخصيات المساندة متخيلة. يلعب تيموثي سبال دور سائس الملكة الأم، الذي يُرسَل إلى ساندرينغهام لمنع ديانا من النشوز عن القواعد. إنه جندي سابق في فوج "بلاك ووتش" يراقبها مثل حارس الظلام. ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى، مساعدتها الأقرب إليها (الممثلة سالي هوكينز)، التي تبدو أنها الشخص الوحيد الذي يفهم حقاً معاناة الأميرة، والطاهي الملكي (الممثل شون هاريس)، الصارم ولكن اللطيف والمستعد دائماً لتحضير الحلوى المفضلة لديها. على كل حال، فإن التركيز الرئيس هنا ينصب على ديانا نفسها وعالمها الداخلي.
يحتوي الفيلم على مشاهد تحلم فيها ديانا بعودة الملكة آن بولين إلى الحياة، وتتخللها فواصل تبدو فيها الأميرة وتتصرف مثل بطلة مأساوية في مسرحية باليه تعرض في عيد الميلاد أو قصة خيالية لجان كوكتو. في حال انتابنا أي شك في أنه يتم تحويل ديانا إلى ضحية، فإن الفيلم يقارنها في بعض المحطات بحشرة موضوعة تحت المجهر بعد فصل جناحيها، وبطيور الدرّاج الجميلة ولكن البليدة التي كان الأمير تشارلز وأصدقاؤه يحبون اصطيادها.
في بعض الأحيان، تتغير نبرة سرد الحكاية بطريقة مقلقة للغاية. يُتخطَّى المزاج الكئيب للفيلم إلى حد ما من خلال تفاهة المشاهد في مرحلة متقدمة من العمل، التي نرى فيها ديانا تستمع إلى موسيقى البوب المفضلة لديها أو تأخذ الأطفال لتناول الدجاج والبطاطا في مطعم كنتاكي للوجبات السريعة، بينما تتحدث بحماس عن مسرحية "البؤساء" الغنائية وحبها لكونها عادية. على كل حال، يعد هذا العمل قفزة كبيرة مقارنة بفيلم السيرة الذاتية لعام 2014، الذي لم يلقَ استحسان المشاهدين ولعبت فيه نعومي واتس دور ديانا. الأداء الحماسي والحساس لستيوارت والشعرية المميزة للارين يمنحان الفيلم دفعة عاطفية، افتقرت إليها الأفلام السابقة.
© The Independent