عاود تنظيم "داعش" هجماته الكبيرة في أطراف محافظة كركوك بعد فترة من اعتداءات محدودة، اعتمدت العبوات الناسفة والقنص لاستهداف عناصر الأجهزة الأمنية والحشود العشائرية في المنطقة الواقعة على مرتفعات حمرين، التي تشكل حدوداً مشتركة بين محافظات شمال العراق.
وتمثل هذه المرتفعات التي تمتد بين محافظات ديالي وصلاح الدين، وصولاً إلى أطراف كركوك باتجاه مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات "داعش" على مناطق واسعة من هذه المحافظات، وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
الهجوم الأعنف منذ أشهر
وقتل 13 عنصراً من قوات الشرطة الاتحادية، واختطف اثنان آخران من قبل التنظيم في هجوم استهدف مقر هذه القوات في أطراف ناحية الرشاد التابعة لمحافظة كركوك.
وبحسب مصادر أمنية رفيعة، فإن الهجوم استمر ساعات عدة حتى نفاد عتاد عناصر الشرطة، ومن ثم قتل أغلبهم قبل الانسحاب في طرق "نيسمية" في المنطقة من دون أي ملاحقة أمنية.
سوء الإدارة والتقصير
وعقد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الوطني، عقب الهجوم الذي أودى بحياة 13 عنصراً أمنياً، بحث خلاله التطورات الأمنية ووضع آليات فاعلة لمنع تكرار تلك الخروقات في كركوك.
وأكد الكاظمي أن العدو في إشارة إلى تنظيم "داعش" ضعيف الإمكانات، مبيناً أن سوء الإدارة والتقصير أحياناً في عمل القيادات العسكرية يؤديان لحصول بعض الخروقات.
وشدد الكاظمي على ضرورة تفعيل دور الأجهزة الاستخبارية، وإيجاد آليات تنسيق فاعلة بين مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية لتجنب الخروقات.
ووجه بتشكيل لجنة مركزية للتحقيق من هذه الخروقات ومنع تكرارها، مؤكداً أن محافظة كركوك تمتاز بتنوعها، وهناك من يخلق فتنة، لا سيما ونحن مقبلون على انتخابات مصيرية.
ورداً على العملية، تمكن جهاز مكافحة الإرهاب من قتل "مفرزة كاملة" لعناصر "داعش"، كانت تحاول التعرض لقواطع مرابطات القوات الأمنية في محافظة كركوك.
مدن آمنة وأطراف ساخنة
وعلى الرغم من نجاح القوات العراقية في الحفاظ على الاستقرار الذي تشهده مراكز المدن في محافظات ديالي وصلاح الدين وكركوك والأنبار منذ تحريرها من سيطرة "داعش" نهاية عام 2017، باستثناء هجمات محدودة بالعبوات الناسفة خلال هذه السنوات، فإنها لم تستطع وقف اعتداءات التنظيم في أطراف مدن كركوك وديالي وصلاح الدين، والتي ارتفعت معدلاتها منذ مطلع العالم الحالي ضد أجهزة الأمن والحشود العشائرية والمواطنين الرافضين لوجود التنظيم.
وأسفرت هذه الهجمات منذ مطلع العام الحالي عن مقتل وإصابة أكثر من 200 من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والحشد وعدد من المدنيين الذين يسكون داخل قرى تابعة لهذه المناطق.
وتستهدف هجمات التنظيم بشكل مستمر مناطق جلولاء وخانقين، وأطراف المقدادية في ديالي، ومحيط الحويجة والرشاد في كركوك، وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة، وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"نرفض عودة البيشمركة"
من جهته، حذر رئيس الجبهة التركمانية، حسن توران، من استغلال الخرق الأمني لجلب قوات البيشمركة في كركوك، مشدداً على ضرورة محاسبة القادة الأمنيين الذين ثبت فشلهم في إدارة الملف الأمني في كركوك.
وأضاف توران، وهو نائب سابق، أنه "من الضروري مراجعة الخطط الأمنية لتعزيز دور القوات الاتحادية في مكافحة الإرهاب في كركوك، ومحاسبة القادة المقصرين الذين ثبت فشلهم في إدارة الملف الأمني هناك، والاستعانة بطيران التحالف الدولي لتوجيه ضربات لمقار (داعش)"، مشيراً إلى أن تلك الضربات كان لها تأثير كبير ضد الإرهابيين.
وحذر توران من استغلال هذه الخروقات لإحداث أي خلل في المنظومة الاتحادية في كركوك أو جلب قوات البيشمركة تحت هذه الذريعة.
إدارة مشتركة
بدوره، دعا النائب الكردي سليم همزة إلى ضرورة إدارة المناطق المتنازع عليها من قبل قوات تابعة لحكومتي بغداد وأربيل، مشيراً إلى أن تلك المناطق أصبحت فارغة أمنياً.
وأضاف، "الفترة التي تلت إجبار قوات البيشمركة على الانسحاب من المناطق المتنازع عليها، وإخضاعها لسيطرة القوات العراقية والحشد الشعبي، أصبحت بعض المناطق ومن ضمنها ضواحي كركوك مناطق خالية من القوات العسكرية لحكومتي بغداد وأربيل"، لافتاً إلى أن "التنظيم يستغل تلك المناطق لاستهداف القوات العراقية وقوات البيشمركة".
وشدد همزة على ضرورة أن تُدار المنطقة أمنياً من قبل الطرفين من خلال قوة مشتركة، ويكون هناك تنسيق أمني وعسكري وإداري فيها، معتبراً أن الخروقات الأمنية في تلك المناطق متوقعة ما لم تشهد تنسيقاً أمنياً على صعيد القوات المشتركة، وليس في الجانب الاستخباراتي فقط.
وأشار إلى أن الدستور أكد أن المناطق المتنازع تُدار أمنياً وإدارياً من قبل قوات الإقليم والحكومة الاتحادية، وليس من حق أي مكون الاعتراض على قدوم تلك القوات، وعلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي العمل على منع تكرار مثل تلك الخروقات.
قوات اتحادية لحفظ الأمن
بدوره، شدد مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز عبدالحميد على ضرورة إرسال قوات عراقية اتحادية لتلك المناطق الخالية من السكان وشديدة الوعورة، داعياً إلى أن يكون هناك تنسيق أمني مع قوات البيشمركة.
وقال عبدالحميد، إن "الخرق الأمني مرتبط بحصول المسلحين على أموال لتمويل عملياتهم، لأنه من دون التمويل لا يمكن القيام بتلك العمليات في تلك المناطق، ما يشير إلى وجود تمويل مستمر يصل إليهم عبر الحدود"، معتبراً أن عناصر "داعش" تقوم بجهد استخباراتي منظم لمراقبة القوى الأمنية وأماكن وجودها خارج المدن والقرى والنواحي، التي تعتبر خارج عمل القطعات العسكرية العراقية أو وجود محدود لها.
وأوضح أن إرهابيي "داعش" يزرعون الكمائن ويرصدون تحركات القوات العسكرية القريبة مستغلين أوقاتاً معينة، لا سيما أوقات الفجر عند ارتخاء العنصر الأمني أو زرع عبوات في الطرق أو اتباع أسلوب القنص للعناصر الأمنية من أماكن بعيدة، لينسحب بسرعة بعد تنفيذ المهمة.
فشل التنسيق بين بغداد وأربيل
ولفت إلى أن الكرد لم يحلوا مشاكلهم مع الحكومة الاتحادية، وأن الغرفة المشتركة بين القوات العراقية والبيشمركة لم تأخذ طريقها للتطبيق، ولم تنشر قطعات عسكرية في تلك المناطق الخالية من القطعات الأمنية، والقوات العراقية لا تدخل بعض المناطق إلا بعد موافقة البيشمركة.
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أصدر قراراً بعودة قوات البيشمركة بشكل محدود إلى المناطق المتنازع عليها، من خلال مراكز تنسيق مشتركة تم تشكيلها بين القوات الاتحادية العراقية والبيشمركة، بهدف التنسيق الأمني لمواجهة توسع عمليات تنظيم "داعش" في هذه المناطق، وجاء القرار بعد نحو أربع سنوات على إخراج قوات البيشمركة من المناطق المتنازع عليها من محافظات كركوك وديالي ونينوى في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وشدد عبدالحميد على ضرورة إرسال الحكومة الاتحادية قوات نوعية إلى المناطق المشتركة، لأن القوات الأمنية دائماً تأتي لتلك المناطق وتنسحب منها، ما يشير إلى عدم وجود استراتيجية في ضبط الأمن في قصبات كركوك.
"داعش" سيواصل هجماته
ورجح أن يواصل "داعش" عملياته في تلك المناطق، كون القوات الأمنية العراقية تتخذ أسلوب الدفاع و"داعش" يبادر بالهجوم، مشيراً إلى أن إيقاف هجمات "داعش" يكون من أخذ القوات الأمنية العراقية بزمام المبادرة بالهجوم وعدم اتخاذ أسلوب الدفاع فقط، فضلاً على ضرورة جلوس البيشمركة والقوات الأمنية العراقية جلسة مكاشفة لإيجاد حلول لهذه الخروقات من خلال قوات مشتركة.
وبين أن "داعش" يستغل خلو ضواحي كركوك من السكان لحفر الخنادق والأنفاق، مستغلاً وعورة المنطقة وعدم وجود طرق سالكة لها.
وكان وفد أمني رفيع يتكون من وزير الدفاع جمعة عناد، ورئيس أركان الجيش، والمستشار العسكري لرئيس لوزراء، ونائب العمليات المشتركة وصلوا الأربعاء الماضي إلى كركوك لمتابعة الوضع الأمني في المحافظة.
ووعد وزير الدفاع جمعة عناد بإجراءات لتأمين كركوك بعد هجوم التنظيم على الشرطة الاتحادية.