في رواية "الشمس تشرق أيضاً" لإرنست همنغواي، سألت شخصية: "كيف أفلس؟". ليجيب "بطريقتين؛ بالتدريج، ثم فجأة". إنه الشيء نفسه مع تغير المناخ. أصبح الضرر أقل، فأقل تدريجياً، وما لم نتخذ إجراءً، فقد يصل العالم فجأة إلى نقطة تحول لا رجعة فيها. وفق مذكرة بحثية حديثة، كشف جيتا بهات، أحد متخصصي صندوق النقد الدولي، عن أن "جميع حكومات العالم تعرف في الوقت الحالي أن المشكلة أسوأ بكثير مما كان البعض يعتقد في وقت سابق، وأنه لا بديل عن تعاون دولي لمواجهة الظاهرة التي أصبحت تهدد الاقتصاد العالمي بشكل مباشر".
وأشار إلى أن "قضية تغير المناخ لا تتطلب تغييراً تدريجياً، لكنها تحتاج إلى إصلاح جذري، ما يعني خفض انبعاثات الكربون بمقدار النصف تقريباً كل عقد حتى عام 2050. ويتطلب الوصول إلى هذا المستوى العمل على 4 محاور مهمة تتمثل في ضرورة التحول وبسرعة إلى مصادر الطاقة المتجددة، وبناء شبكات كهرباء جديدة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتبني النقل منخفض الكربون".
التقدم التكنولوجي والطاقة المتجددة
وكشف التقرير عن أن "التقدم التكنولوجي والطاقة المتجددة الأرخص يجعلان تكلفة الانتقال من الكربون ميسور التكلفة وممكناً. وركز على الحاجة الملحة للعمل المناخي وسياسات مناخية مختلفة متداعمة. وتطرق التقرير إلى حلول ملموسة يمكن أن تولد فرصاً هائلة للوظائف والنمو، مدفوعة بالاستثمار المتزايد في البنية التحتية والابتكار التكنولوجي وبدعم من القطاع الخاص الديناميكي".
وأوصى صندوق النقد بتبني سياسات تسعير الكربون ذات المصداقية لتشجيع استخدام الطاقة الخضراء، كما دعا إلى التحول إلى سياسات خاصة بقطاع معين مثل وقود الطيران منخفض الكربون. وأشار إلى توصيات الأمم المتحدة فيما يتعلق بإمكانية أن يساعد التمويل الخاص في تحويل مليارات الأموال العامة إلى تريليونات من إجمالي الاستثمار في المناخ. واقترح الصندوق طرقاً لتوسيع نطاق التدفقات المالية النظيفة والأخضر إلى البلدان الناشئة والنامية، وهو أمر بالغ الأهمية لدعم التحول في هذه البلدان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما يتعلق بصانعي السياسات، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن البنك المركزي الأوروبي اقترح طرقاً للبنوك المركزية للعمل كمحفزات لنظام مالي أكثر استدامة. وتطرق إلى تصريحات وزيرة البيئة في جزر المالديف، أمينات شونا، حول كيفية أن تتخذ نهجاً شاملاً لمساعدة دولتها على التكيف مع تغير المناخ، بدءاً من الإجراءات للحفاظ على الشعاب المرجانية إلى تحسين إدارة النفايات. وسلط الصندوق الضوء على كيفية قيام دولتين هما دومينيكا وفنلندا باتباع طرق مبتكرة للتعامل مع التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه على التوالي.
من يتحمل تكلفة التحول الأخضر؟
شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة تعويض العمال والشركات التي تتحمل تكلفة التحول الأخضر، ويعني هذا النهج تحطيم معوقات الاقتصاد السياسي أمام التقدم السريع. ويعتمد ذلك على تعاون المواطنين والحكومات والشركات والمؤسسات المالية والمحسنين والمجتمع العلمي. ولعل الأهم من ذلك، أنه سيتطلب أن يوسع قادة العالم طموحهم وعملهم، بما في ذلك تعبئة التمويل لمساعدة الاقتصادات النامية على التكيف مع الصدمات المناخية.
ولكنّ هناك طريقاً للمضي قدماً فيما يمكن أن يصبح قصة النمو الشامل للقرن الحادي والعشرين. إذا احتشدنا لعكس تهديد المناخ، فقد يكون لدينا فجأة عالماً خالياً من الصفر. وسلط الصندوق الضوء على الغلاف المذهل للمجلة للفنان الماليزي الشاب نور تيجان فردوس. وذكر أن الفنانين لديهم القدرة على تشكيل الاتصالات المناخية، حيث يذكرنا التركيب المزعج، صورة لفتاة صغيرة مكونة من مكونات إلكترونية مهملة، بقوة بعواقب النشاط البشري على البيئة. واختتم قائلاً: "في الواقع، ليس لدينا وقت نضيعه".
التحول للاقتصاد الأخضر أصبح ضرورة
في الوقت نفسه، دعا المشاركون في الجلسة الحوارية الرابعة لمنتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي، الذي نظمته وزارة التعاون الدولي، إلى ضرورة العمل الجاد نحو التحول للاقتصاد الأخضر، ومواجهة التغير المناخي، وتذليل العقبات أمام البلدان النامية في خطط التحول نحو التنمية التي تراعي العوامل المناخية.
وقال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "إن التغير المناخي، قضية في غاية الأهمية، وأن البنك الدولي ملتزم بوضوح بدعم المشروعات التي تستهدف تقليل الانبعاثات الحرارية ومكافحة التغير المناخي". وأوضح "أن التغير المناخي، يعتبر قضية تهديد وجود، لكن أيضاً من الممكن اعتباره فرصة لدفع المشروعات الخضراء، وأنه أصبح من المهم أن نتحرك الآن وسريعاً من أجل مواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ، باعتبارها قضية ذات أولوية عاجلة".
وفي كلمته، أشار سلوين تشارلز هارت المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعمل المناخي والأمين العام المساعد لفريق العمل المناخي، إلى أن العالم في حاجة لمواجهة فاعلة وعاجلة لأزمة التغير المناخي، خصوصاً في أفريقيا، حيث إن القارة ترتفع درجة الحرارة بها بمعدل أسرع من المعدل العالمي، كما أن معدل ارتفاع مياه البحر في أفريقيا أسرع من الدول الأخرى، ومن هنا فإنه من المهم التأكد من أن البلدان تتخذ إجراءات حاسمة من أجل مواجهة التغير المناخي".
وقالت زينب شمسنا أحمد، وزيرة المالية والموازنة والتخطيط القومي في دولة نيجيريا، "إن أفريقيا تعتبر من أقل البلدان مساهمة في الانبعاثات الكربونية، ومع ذلك تعتبر الأكثر تضرراً". وأضافت، "من المهم أن نعمل على دمج المناخ في كل القطاعات الاقتصادية وحشد التمويل اللازم لاستغلال الفرصة السانحة حالياً من أجل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض".
وأشارت إلى التحديات التي تواجه الدول الأفريقية في مسألة الوصول إلى اقتصاد خالٍ من الكربون، مشيرة إلى أن نيجيريا تسعى حالياً لدعم استخدام الغاز الطبيعي، وأيضاً الطاقة الشمسية من أجل توصيل الكهرباء لملايين المواطنين الذين يعانون عدم توفر الطاقة الكهربائية.
تضرر ملايين الأميركيين
وقال جوناثان كوهين، السفير الأميركي في القاهرة، إن "التغير المناخي هو تحدٍ حقيقي في هذه الفترة، وإنه يؤثر في كل شيء وكل البلدان وجميع حكومات العالم"، مشيراً إلى "أن ملايين الأميركيين تضرروا بسبب التغير المناخي، وحرائق الغابات الضخمة". وأشار إلى التزام بلاده بدعم خطط التحول الأخضر والاحتفاظ بدرجة حرارة الأرض بما لا يتجاوز 1.5 درجة، والذي كان واضحاً بعودتها مرة أخرى لاتفاقية باريس للمناخ.
وأكد هاري بويد كاربنتر، المدير الإداري للاقتصاد الأخضر والعمل المناخي بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أهمية أن تضع كل دولة لنفسها هدف "صفر كربون"، والبدء في الاستثمار فوراً وبشكل تدريجي من أجل التحول نحو مشروعات خضراء تسهم في دعم الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي.
وأشار إلى "أن هناك مسألة مهمة في هذا الشأن تتعلق بتسعير الكربون، حيث إنه من المهم أن نعرف أن هناك ثمناً للانبعاثات الكربونية، وهو ما يسهم في توجيه القطاع الخاص والمشروعات نحو المواءمة مع الأهداف المناخية".