كان من المفترض أن تقوم "أوبك" بخفض الإنتاج لدعم أسعار النفط عندما حصلت حادثة 11سبتمبر (أيلول)، واضطرت "أوبك" وقتها لأسباب سياسية ودبلوماسية إلى إلغاء ذلك الخفض، إلا أنه أصبح ضرورياً لاحقاً بسبب انخفاض الطلب على النفط الناتج من وقف حركة الطيران بالكامل في الولايات المتحدة، وانخفاض حركة الطيران عالمياً، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
وقتها كان وزراء "أوبك" يتكلمون عن أسعار النفط بحرية، على عكس الوضع الحالي، إذ توقفوا عن الحديث عن أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة بناء على نصيحة المحامين، تجنباً لأي مشكلات قانونية في الولايات المتحدة قد تنتج من تمرير قانون "لا أوبك."
اجتماعات "أوبك"
وتجتمع "أوبك" عادة مرتين في السنة، إلا أن انهيار أسعار النفط في عامي 1998 و1999 جعلها تقرر أن تجتمع أربع مرات أو أكثر في السنة، بحسب الحاجة، ونتيجة لذلك اجتمعت "أوبك" ست مرات عام 2001، وقررت خفض الإنتاج في ثلاثة منها، وأكدت الخفض الأخير في اجتماع نهاية العام في القاهرة، وأسست تلك الفترة لأمرين رأيناهما في السنوات الأخيرة، المرونة في التعامل مع أوضاع السوق وتعدد الاجتماعات من جهة، والتعاون بين دول "أوبك" ودول خارج "أوبك" من جهة أخرى.
الركود الاقتصادي الأميركي في 2001
انخفضت أسعار النفط بداية عام 2001 بعد تضاعفها بنحو ثلاثة أضعاف بين الربع الأول من عام 1999 وصيف 2000، وكان سبب الانخفاض تباطوء نمو الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد له، فقررت "أوبك" خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً في اجتماعها الذي عقدته يوم 17 يناير (كانون الثاني) 2001، إلا أن الأمور زادت سوءاً مع إعلان حال الركود رسمياً في مارس (آذار) 2001، وهذا الركود الاقتصادي انتهى في نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب خفض الضرائب وأسعار الفائدة، ثم بسبب الإنفاق الهائل على الأمن وبداية التحضير لغزو أفغانستان والعراق.
ومع إعلان الركود رسمياً اضطرت "أوبك" إلى خفض الإنتاج مرة أخرى بمقدار مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل خفضاً نسبته أربعة في المئة من إجمالي الإنتاج، بدءاً من أول أبريل (نيسان) 2001، وهذا يعني أن إجمالي الخفض المعلن بلغ 2.5 مليون برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن الأوضاع لم تتحسن كثيراً بسبب الركود الاقتصادي من جهة، وبسبب بدء كازاخستان بتصدير النفط إلى الأسواق العالمية للمرة الأولى، وإضافة 600 ألف برميل يومياً، كما قامت إدارة جورج دبيلو بوش بالإعلان عن سياستها في الطاقة، والتي تضمنت دعماً كبيراً لصناعة النفط المحلية.
والذي عدّل الأمور وقتها هو إعلان العراق وقف صادرات النفط احتجاجاً على قرار مجلس الأمن تمديد اتفاق "النفط مقابل الغذاء" لمدة شهر بدلاً من الأشهر الستة المعتادة.
ضمن هذا الجو من الشد والجذب قررت "أوبك" عدم تغيير سقف إنتاجها في اجتماعها الذي عقدته يوم الخامس من يونيو (حزيران)، وقررت تأجيل أي قرار يتعلق بالإنتاج إلى اجتماعها يوم الثالث من يوليو (تموز)، إلا أن استمرار توقف إنتاج النفط العراقي جعل الدول الأعضاء توافق على إبقاء الإنتاج على ما هو عليه في اجتماع الثالث من يوليو، على أن يعاد النظر في هذا القرار إذا عاد الإنتاج العراقي إلى الأسواق.
حادثة 11 سبتمبر
وبعد خمسة أسابيع من الانقطاع عاد إنتاج النفط العراقي يوم 11 يوليو، بعد خضوع الأمم المتحدة لمتطلبات الحكومة العراقية بتمديد اتفاق النفط مقابل الغذاء، ومع استمرار أسعار النفط في الانخفاض قررت "أوبك" أن تجتمع لخفض الإنتاج، إلا أن حادثة 11 سبتمبر منعتها من ذلك، وعندما اجتمعت "أوبك" رسمياً يوم 27 سبتمبر في فيينا، قررت إبقاء الإنتاج على حاله، وكما ذكرت سابقاً لأسباب سياسية ودبلوماسية.
وكانت دول "أوبك" وعدت في اليوم التالي للحادثة أنها ستقوم بإمداد الأسواق العالمية بأي كميات إضافية من النفط بهدف استقرار الأسعار، وارتفعت أسعار النفط في الأيام الأولى من حادثة نيويورك بسبب إغلاق الموانئ الأميركية وإغلاق خط أنابيب "ألاسكا" من جهة، وبسبب تخوف المتعاملين من عملية أميركية عسكرية في الشرق الأوسط، ولكن الأسعار عاودت الانخفاض لتعود إلى مستويات ما قبل الأحداث.
حادثة سبتمبر خفضت الطلب على النفط بشكل كبير بسبب وقف حركة الطيران بالكامل في الولايات المتحدة لأيام عدة، وانخفاض حركة الطيران عالمياً بعدها، فقد أشارت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات بمقدار 400 ألف برميل يومياً، الأمر الذي نتج منه ارتفاع المخزون.
وكان يمكن أن يكون الموضوع أكثر سوءاً لولا كثرة الطلعات الجوية لسلاح الطيران الأميركي على مدار الساعة فوق واشنطن ونيويورك ومناطق أخرى، والذي عوض انخفاض الطلب على الوقود من الطائرات المدنية، وكان الطيران المدني وقتها يستهلك 1.7 مليون برميل يومياً.
ثم استمرت أسعار النفط بالانخفاض بسبب الركود الاقتصادي واقتناع تجار النفط بأن "أوبك" مكتوفة الأيدي بسبب حادثة سبتمبر، ووصلت الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال عامين في نوفمبر حين انخفضت إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل، وعندها بدا واضحاً أن على دول "أوبك" خفض الإنتاج، على الرغم من أن الأوضاع السياسية والدبلوماسية جعلت قراراً كهذا صعباً للغاية.
التعاون مع دول خارج "أوبك"
اجتمعت "أوبك" يوم 14 نوفمبر في فيينا لمناقشة أوضاع السوق، وقررت خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً إضافية، بدءاً من أول 2002، بشرط أن تقوم دول خارج "أوبك" بخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً، وعند الحديث عن دول خارج "أوبك" هنا علينا أن نتذكر أن بذور "أوبك+" بدأت نهاية التسعينيات، واشتراط "أوبك" مشاركة دول خارج "أوبك" أدى إلى مزيد من الاحتكاك بين المجموعتين والتشاور وتبادل الآراء، الأمر الذي تطور مع الزمن إلى ما نراه من تعاون بين هذه الدول اليوم.
ومع انعقاد اجتماع "أوبك" في القاهرة في نهاية ديسمبر (كانون الأول)، كان ارتفاع أسعار النفط يوم 26 ديسمبر ضمن الأعلى في تاريخ الصناعة، بعد تسرب معلومات بوصول دول "أوبك" وخارج "أوبك" إلى اتفاق لخفض الإنتاج، وبالفعل تم الاتفاق يوم 28 ديسمبر على خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً بعد موافقة روسيا والنرويج والمكسيك على خفض الإنتاج بنحو 462.5 ألف برميل يومياً، وجاء أغلب التعهد بالخفض من النرويج، 200 ألف برميل يومياً، كما قررت "أوبك" الاجتماع في مارس 2002 لمناقشة أوضاع السوق.
وفي اجتماع مارس 2002 قررت "أوبك" الإبقاء على إنتاجها كما هو، وبعدها قررت روسيا تمديد الخفض الذي أقرته في ديسمبر والذي بلغ 150 ألف برميل يومياً.
ونتج من انتهاء الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وخفوض "أوبك" خارج "أوبك" ارتفاع الأسعار بشكل مستمر خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2002، حتى عادت إلى 28 دولاراً للبرميل بنهاية أبريل 2002.
ختاماً، ما حصل من وقف لحركة الطيران بسبب فيروس كورونا في 2020 حصل يوم 11 سبتمبر 2001 والأيام التالية له، إلا أن حادثة سبتمبر أوقفت حركة الطيران في الولايات المتحدة، بينما شلت كورونا حركة الطيران حول العالم.