لم يغمض أمل أحمدي جفنيه منذ يوم الأحد، ولا يتوقف الرجل عن البكاء، وهو عاجز عن السير أو تناول الطعام، فقد قُتلت طفلته بعدما أحرقت غارة أميركية بواسطة طائرة مسيرة سيارة داخل مجمع سكني في حي شعبي في خواجه برغ في ضواحي كابول.
كانت طفلته ملكة ملكته، وسأل بانفعال خلال اتصال هاتفي مع "اندبندنت": "هل تستطيع أميركا أن تعيد لي ملكتي؟"
لم تختلف فترة بعد ظهر يوم الأحد بالنسبة لعائلة أحمدي عن مثيلاتها. اختلط أبناء الأعمام مع الأصدقاء وعائلات تضم مختلف الفئات العمرية داخل باحة منزل العائلة وجلسوا يمزحون ويشاهدون الفيديوهات.
وكان زيماري كبير الإخوة البالغ من العمر 40 عاماً، قد عاد لتوه من عمله بعد إيصاله زملاءه إلى منازلهم. عمل الرجل مهندساً في المؤسسة الخيرية الدولية التغذية والتعليم (NEI) ومقرها في الولايات المتحدة. أراد ابنه الأكبر زامير، 20 عاماً، أن يركن له سيارته من طراز تويوتا كورولا في مدخل المنزل فقبل بذلك، واصطف بعض الأقارب يهتفون في مدخل المبنى.
كانت الساعة الخامسة من بعد الظهر بتوقيت كابول عندما وقع الصاروخ وقُتل زيماري وتسعة أفراد آخرين من العائلة فوراً، كما توفي أبناؤه الثلاثة زامير، 20 عاماً، وفيصل وفرزاد، 10 أعوام.
نجا شقيقا زيماري، أمل ورمال أحمدي، مع زوجتيهما من الهجوم الذي قضى في المقابل على حياة أطفالهم، أرمين أربع سنوات، وبنيامين ثلاث، وآيات سنتان، وملكة ثلاث سنوات.
أصبح كل شيء ضبابياً بعد الحادثة، بحسب رواية أعضاء العائلة الناجين الذين أضافوا أنه لم يتسنى لهم الهرب.
ويصور فيديو رأته "اندبندنت" الجيران وهم يهرعون مذعورين على بعد أمتار قليلة من النيران المستعرة، ويحملون طفايات الحريق ودلاء مليئة بالماء ويحاولون إخماد النيران المشتعلة في السيارة.
قال مسؤولون عسكريون كبار في الجيش الأميركي إن الطائرة المسيرة أغارت على هدف تابع للدولة الإسلامية، وأضعفت قدرة المتطرفين على إيقاع مزيد من الفوضى في المرحلة الأخيرة من الانسحاب الأميركي وعملية إجلاء آلاف الأشخاص من أفغانستان.
وقال مارك ميلي، الجنرال في الجيش ونائب رئيس هيئة الأركان المشتركة يوم الأربعاء، إن قتيلاً واحداً على الأقل من الذين سقطوا في غارة الطائرة المسيّرة كان من "المخططين" في تنظيم داعش.
أثارت هذه التعليقات سخط عائلة أحمدي.
وقال أمل، "لم يكن هناك أي صواريخ أو انتحاريين".
وسأل، "ولو كانت السيارة مليئة بالمتفجرات مثلما يقول الأميركيون، لماذا لم تنفجر هذه الأسطوانات؟"
كما أشار إلى حائط من الطوب مبني بطريقة رديئة قرب السيارة المدمرة وقال، "كيف يمكن أن يظل هذا السور منتصباً لو كانت هذه السيارة مليئة بالمتفجرات؟"
علاقة عائلة أحمدي بالولايات المتحدة
عمل بعض أفراد عائلة أحمدي الذين يتحدرون من ولاية كابيسا المعروفة بصناعة النبيذ في شمال شرقي أفغانستان لحساب شركات حليفة للولايات المتحدة لأكثر من عقد، وتظهر المراجع الموجودة في طلبات الحصول على تأشيرة الدخول والتوصيات التي حصلوا عليها من أرباب عملهم والمشرفين السابقين والحاليين عليهم من أجل تقديم طلب الانضمام لبرنامج (P2) المخصص للاجئين الأفغان إلى الولايات المتحدة، أنهم كانوا معرضين للتهديد من "طالبان" وكانوا في خطر.
وعبر الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة NEI ستيفن كوون عن صدمته وحزنه العميق لسماع أخبار مقتل زميله الذي وصفه بأنه "موظف متواضع ومتعاطف مع الآخرين".
وأضاف أن زيماري كان يحظى باحترام زملائه في كل أرجاء العالم، وكان مدافعاً شرساً عن حقوق المرأة.
وكان زيماري قد أوصل زملاءه إلى منازلهم وتوجه إلى منزله من أجل تناول طعام العشاء مع عائلته، وهي رحلة روتينية قام بها طوال الأشهر الثمانية الماضية.
بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة قال كوون إن مخاوف زيماري على أمن وسلامة عائلته تفاقمت، وأظهرت الوثائق التي اطلعت عليها "اندبندنت" أن كوون بدأ إجراءات معاملة برنامج P2 لعائلة زيماري التي تضم ستة أفراد.
ويُستخدم برنامج P2 للحصول على تأشيرة إجلاء فوري، فيما تعتبر تأشيرة الهجرة الخاصة أبطأ، وهي تقدم دعماً مالياً من أجل إعادة التوطين.
وأضاف كوون أنه خلال 16 عاماً من معرفته بزيماري وعمله معه، لم يظهر عليه أبداً أي مشاعر مناهضة للولايات المتحدة ولا أي اهتمام بالسياسة.
من جهته، عمل أمل (والد ملكة) مع الشركة العسكرية المتعاقدة الخاصة دين كورب DynCorp ومقرها في الولايات المتحدة بين عامي 2013 و2014.
كان في سوق شعبي قريب عندما وقعت القذيفة، وكانت جثة ملكة المحترقة متناثرة بين الأشلاء المتداخلة والحديد المكسور، ولم يُعثر عليها سوى في اليوم التالي، ونُقلت الجثث إلى مستشفى وزير أكبر خان الحكومي.
كان من المقرر أن تتزوج ابنة زيماري خطيبها أحمد ناصر، 30 عاماً، الذي عمل حارساً مع القوات الأميركية المسلحة في أفغانستان، لكنه تحول أخيراً للعمل مع الجيش الوطني الأفغاني، وقد توفي في اليوم السابق لعقد قرانه.
منذ أسبوعين كتبت القوات الأميركية رسالة توصية تطلب فيها من السلطات أن توافق على تأشيرة الهجرة الخاصة، وكان من المفترض بالزوجين السفر إلى الولايات المتحدة بعد حفلة زفافهما.
ووصفت الرسالة التي وقع عليها تيموثي ويليامز، المشرف على ناصر، واطلعت عليها "اندبندنت"، خدمات ناصر بالـ "مذهلة"، وجاء في الرسالة أنه على الرغم من التهديدات "لم يتزعزع تفانيه في تقديم خدماته".
وكتب ويليامز، "إن الخطر الكبير المحدق بناصر وعائلته مرتبط بشكل مباشر بالتزامه بالقوات الأميركية والناتو".
كان جمشيد يوسفي يزور أبناء عمومته من عائلة أحمدي برفقة ابنته سمية البالغة سنتين من العمر والتي قُتلت كذلك، وقال عمها رامين يوسفي "كانت نابغة"، قبل أن يضيف، "كانت تحب الدراجات الهوائية".
ويصر رامين على البحث عن أي وسيلة ممكنة لإعلاء صوته. وقال "عليهم أن يعلموا بأننا لسنا أعضاء في داعش خراسان".
شنت الولايات المتحدة غارتين على الأقل على التنظيم بواسطة طائرات مسيّرة منذ الهجوم الذي نفذه تنظيم داعش خراسان على مطار كابول، وقال بايدن إن إدارته ستستمر بالانتقام باستخدام قدراتها "المستقبلية" لمكافحة الإرهاب.
هل الغارات الأميركية بواسطة الطائرات المسيّرة قانونية؟
ليس تعبير "المستقبلية" سوى كلمة جديدة للإشارة إلى برنامج قديم، كما قالت جنيفر غيبسون، المسؤولة عن قضايا عمليات القتل بلا محاكمة لدى منظمة ريبريف الخيرية القانونية.
"إنه برنامج الطائرات الأميركية المسيّرة نفسه الذي كان يدار في السر ومن دون أي مساءلة في عدة بلدان لفترة تخطت عقداً من الزمن".
وهذه الحادثة مثال على ما حدث في أفغانستان واليمن وباكستان والصومال خلال العقد الماضي، وفقاً للسيدة غيبسون.
وضع البيت الأبيض خلال فترة حكم بوش قانون التفويض باستخدام القوة العسكرية في الأسبوع التالي لهجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، وقالت مجموعات حقوق الإنسان إن البرنامج فيه عيوب كثيرة وقد قتل عائلات بأسرها.
خلال فترة رئاسة أوباما توسعت حرب الطائرات المسيّرة الأميركية بشكل هائل وقتلت الغارات الجوية أكثر من 3340 مدنياً في أفغانستان بين 2009 والأشهر التسعة الأولى من 2020 بحسب معلومات بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان. وتعود قلة الأرقام بعد العام 2020 إلى خوف المسؤولين من أن تعرقل هذه التقارير سير محادثات السلام الأفغانية.
وقالت غيبسون إن "الطائرات المسيّرة قد تكون دقيقة لكن المعلومات الاستخباراتية نادراً ما تكون كذلك". وأضافت أنه بعيداً من قانونيته، يثير الاغتيال المحدد لـ 10 أشخاص أبرياء أسئلة في شأن مدى تكافؤ الغارات. "يبدو أن الولايات المتحدة لم تعلم أبداً بوجود الأطفال والعائلة في الجوار، وهو ما يستدعي السؤال عن مدى جودة المعلومات الاستخباراتية التي تحركوا بناء عليها". وحذر محللون من أن خطر وقوع ضحايا مدنيين في هذه الغارات قد يكبر الآن بعدما فقدت الولايات المتحدة وجودها الاستخباراتي على الأرض، وأوضحت غيبسون أن التاريخ علمنا أن التحقيقات الأميركية غير سليمة.
"الأمر أشبه بأن تضع علامات على واجبك بنفسك. لا يتكلمون مع شهود عيان، ولا يتعاملون مع الأدلة التي جمعتها المنظمات غير الحكومية والصحافيون والمصادر المستقلة الأخرى، وفي الحالات النادرة التي يردون فيها على مزاعم وقوع ضحايا مدنيين، يكتفون بترديد أنهم قتلوا محاربين من دون إعطاء أي تفسير للعائلات الناجية".
قال رامين الغاضب والمنهك، "ارتكبت الولايات المتحدة جريمة. ليس لدينا أدنى أمل بتحقيق العدالة، فقد شنوا هجمات عدة وقتلوا أشخاصاً من دون أي رد حتى الآن". وأضاف، "نحن نريد أن يعلم المجتمع الدولي بأننا لسنا إرهابيين، وهذا كل ما في الأمر".
بعد الجنازة التي أقيمت يوم الإثنين وحضرها زملاؤه، قال كوون "يجب أن يعرف العالم الحقيقة. دُفن زيماري وسط أولاده، لكن يجب أن يعاد الشرف إلى زوجته وابنته الناجيتين".
شارك مسلم شرزاد في وضع هذا التقرير.
© The Independent