فور خروجه من منزله في بلدة "صور باهر" شرقي مدينة القدس، تفاجأ سليمان حماده (35 سنة) بمهندسين ومساحي أراض يتحدثون العبرية ويقفون قرب باحة البيت، منهم من هو منهمك بالتصوير وآخرون يسجلون بعض الأسماء والأرقام وبيانات أخرى، ليتفاجأ بعد دقائق عدة أنهم موظفون من دائرة تسجيل الأملاك والأراضي الإسرائيلية، يعملون على حصر أراضي وبيوت المنطقة وتحديدها وتصنيفها، للمباشرة في عملية تسوية أراضي البلدة "الطابو".
استغلال وتهجير
مفوض السجل العقاري للأراضي التابع لوزارة القضاء الإسرائيلية، كان قد عمم دعوة سابقة إلى كل من يدعي ملكية أراض خاصة في بلدتي "بيت حنينا" و"صور باهر"، للوصول إلى مكاتب تسجيل الأراضي الإسرائيلية، وتقديم دعوة يطالب من خلالها بتسجيل أرضه "طابو"، إلا أن تخوف الفلسطينيين من استخدام ذلك بهدف الاستيلاء على أراضيهم لمصلحة المستوطنين، واستغلال غير المسجلة منها باعتبارها "أملاك الغائبين" حال دون تقدمهم للتسجيل، ما قد يشرعن ويتيح مصادرتها، وبالتالي طرد المنتفعين منها والقاطنين فيها من الفلسطينيين وهدم المنازل المقامة عليها.
مدير دائرة الخرائط والاستيطان في بيت الشرق خليل التفكجي قال لـ "اندبندنت عربية" إنه "بعد عام 1967 أوقفت الحكومة الإسرائيلية التسجيل والتسوية، وبقيت الأراضي مسجلة بأسماء أصحابها الذين باتوا في عداد الموتى بعد 50 عاماً، وبقي الورثة الموجودون في مناطق أخرى، وبعضهم خارج حدود فلسطين، وقرار تسوية أراض في أحواض عدة شرق القدس ليس إلا خطوة أخيرة من عملية التهويد للاستيلاء على بيوت المقدسيين وأراضيهم، فبعد حصول الورثة على شهادات التسجيل تكمن الخطورة في تسهيل عمليات تسريب الأراضي والعقارات لليهود، في حين ظل تعدد الورثة لسنوات طويلة عاملاً مهماً في إفشال كثير من مخططات بيع الأملاك الفلسطينية بالقدس"، ودعا التفكجي إلى "ضرورة أن تكون هناك خطة استراتيجية بديلة لمواجهة التداعيات الخطيرة التي تطال نسبة كبيرة من أراضي القدس، لا سيما البلدة القديمة".
تطوير للأفضل
وتمهيداً للشروع في عمليات التسوية التي ستشمل حقوقاً عقارية وتسجيلاً لأراضي الفلسطينيين، أعلنت الحكومة الإسرائيلية تخصيص 14 مليون دولار لإتمام تسوية "الحقوق العقارية"، في وقت أظهر بحث أعده معهد القدس لدراسات السياسة (إسرائيلي مستقل) أن "كل عائلة من القدس الشرقية تخسر نحو 25 ألف دولار سنوياً نتيجة لعدم تسوية الملكية على الأراضي الخاصة، وأن الأثر الاجتماعي لعدم تسجيل ملكية الأراضي يؤثر في تعزيز مستويات الفقر المرتفعة في الأحياء العربية بالقدس، فعدم تطوير البنية التحتية بسبب التمنع من تسجيل الأراضي لا يمكن سكان القدس الشرقية من إثبات ملكية ممتلكاتهم، وبالتالي يحرمون من فرصة الحصول على قرض عقاري لتطويرها، إضافة إلى الصعوبات في استصدار تصاريح وتراخيص بناء على أراضيهم، مما يؤدي إلى نزاعات حدودية قضائية طويلة الأمد، ويعزز ظاهرة تزوير الوثائق وسرقة الأرض الشائعة نتيجة لذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن خطوة التسوية قال نائب رئيس بلدية القدس أرييه كينغ لصحيفة "هآرتس"، "تساعد إسرائيل في تطبيق السيادة الإسرائيلية، ولكنها ستساعد أيضاً مالكي الأراضي ضد كل أنواع السرقات والتزوير، وهذا سيمكن الدولة والبلدية من إدارة الموارد بشكل أفضل، ولدى الدولة أصول لا تستخدمها لعدم تسويتها".
حارس أملاك الغائبين
وصدرت ورقة علمية عن الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، أشارت إلى أن إسرائيل تسيطر على 87 في المئة من أراضي الجزء الشرقي من المدينة لتعزيز الاستيطان وبناء المستوطنات، وهو ما أدى إلى النقص في الأراضي اللازمة للبناء التي لا تتجاوز 13 في المئة فقط، إضافة لزيادة القيود المفروضة على المقدسيين للحصول على تراخيص البناء، والكلف الباهظة التي يتكبدها الأهالي من قبل البلدية دفعتهم للبناء من دون ترخيص، وبحسب الإحصاءات فإن أكثر من 20 ألف منزل في القدس بنيت من دون ترخيص، أي أن ثلث المقدسيين يعيشون في منازل غير مرخصة ومعرضة للهدم في أي لحظة، في حين لا تتجاوز نسبة أراضي القدس المسجلة "طابو" نسبة خمسة في المئة فقط.
منسق الائتلاف زكريا عودة قال إنه "منذ سنوات ونحن نحذر كل الجهات الفلسطينية من كوارث هذه الخطوة الإسرائيلية، وضرورة التصدي بوجهها منذ تم التمهيد لها سنة 2018، لكن اليوم بدأ التنفيذ الفعلي لدائرة الطابو الإسرائيلية في 19 حوضاً من شرق القدس، ومنها صور باهر وبيت حنينا وشعفاط والشيخ جراح وحزما (بلدات مقدسية)، واختيار تلك المناطق وغيرها للبدء فيها ليس بمحض الصدفة، بل بناء على دراسات إسرائيلية وجدت ثغرات تساعد في مصادرة كمية كبيرة من الأراضي، وبالتالي فإن قضية تسجيل الأملاك للفلسطينيين ليست لأهداف فنية أو خدماتية، بل هي سياسية تهدف إلى تعزيز السيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة".
وأضاف عودة، "حال تطبيق قانون حارس أملاك الغائبين لعام 1950، فذلك يعني أن 75 في المئة من بلدة بيت حنينا المقدسية ستتم السيطرة عليها لكثرة أملاك الغائبين فيها، فهذا القانون الجائر يتيح للسلطات الإسرائيلية الاستيلاء على أملاك الفلسطينيين الذين هُجروا أو نزحوا أو تركوا حدود دولة إسرائيل حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 وبخاصة على إثر الحرب، باعتبار أنهم غائبون، وتعتبر كل أملاكهم بما فيها الأراضي والبيوت وحسابات البنوك وغيرها بمثابة أملاك غائبين، تنقل ملكيتها لدولة إسرائيل ويديرها وصي من قبل الدولة، فيما نحو 65 في المئة من الأملاك المقدسية أصحابها لا يحملون الهوية الإسرائيلية ولا يعيشون في القدس ولذلك يعتبرون غائبين".
قدس موحدة
التقديرات الإسرائيلية تفيد بأن 50 في المئة من الأراضي غير المسجلة في "بيت حنينا" و"صور باهر" و"جبل المكبر"، ستتم تسويتها حتى نهاية العام الحالي، وبقية الاحواض ستنجز مع انتهاء 2025، كما سيتم تشكيل طاقم من أطراف وزارية عدة لبحث سبل تذليل العقبات التي قد تنشأ في مجالات التخطيط والصرف الصحي وإقامة مناطق صناعية شرق المدينة على مساحة لا تقل عن 260 ألف متر.
وزير القدس الإسرائيلي رافي بيرتس يقول إن الهدف من إطلاق عملية التسجيل هو ترسيخ "الوحدة بين شطري المدينة الشرقي والغربي"، وأضاف في بيان، "حقيقة أن معظم الأراضي الواقعة في الجزء الشرقي من القدس غير مسجلة بشكل صحيح، وهو أمر كان يجب معالجته منذ فترة طويلة، والخطط التي طورت لتسجيل الأراضي والممتلكات تم تبنيها الآن من قبل الوزارات الحكومية المختلفة المعنية. القدس الموحدة ليست شعاراً، إنها رؤية يجب أن تنطبق على الجزء الشرقي من المدينة تماماً كما تنطبق على الجزء الغربي، وعملياً يوجد خمسة في المئة فقط من أراضي القدس الشرقية مسجلة بسجل الأملاك "لطابو"، في حين أن باقي الأراضي غير مسجلة رسمياً، وتسجيل الأراضي خطوة أخرى تتخذها إسرائيل في الشق الشرقي من المدينة الذي يطالب به الفلسطينيون عاصمة لدولتهم العتيدة".
إدانات وتحذيرات
وبعد سلسلة اجتماعات رسمية شملت الجهات الرسمية في منظمة التحرير الفلسطينية واللجان المكلفة بمتابعة شؤون القدس بمشاركة وزارة الخارجية الفلسطينية، قررت الرئاسة الفلسطينية رفض مشروع التسوية الإسرائيلي في مدينة القدس، معلنة أن هذا المشروع "يُمثل جزءاً خطيراً من المخطط الاستعماري الإسرائيلي لضم المدينة المقدسة، والذي ينفذ تحت عنوان القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل."
ودعا رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية المجتمع الدولي إلى "إعلاء الصوت رفضاً لمشروع التسوية الهادف لنزع الملكيات من أصحابها الأصليين".
كما عبر الأردن عن إدانته ورفضه المشروع الإسرائيلي، مشدداً عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية هيثم أبو الفول على أن "القدس الشرقية أرض محتلة منذ العام 1967 وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مما يؤكد بطلان وعدم قانونية كل الإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال التي تتخذها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بهدف تغيير وضع القدس، ونحذر من المساس بممتلكات المقدسيين".