أصدرت الكتلة الكردية في البرلمان المركزي العراقي بياناً استنكرت فيه ما أسمته بـ "الأعمال الإجرامية"، التي تطال سكان بلدة خانقين ذات الغالبية السكانية الكردية في محافظة ديالى. وأشار البيان إلى أن تلك الأعمال طالت سكان المدينة والقرى المحيطة بها، وأدت إلى سقوط حوالي 40 شخصاً خلال الفترة الماضية، توزعوا بين مدنيين أكراد ومنتسبين إلى الأجهزة الأمنية.
تقصد البيان الذي أصدرته الكتل الكردية الإشارة إلى "بعض الجهات المجهولة"، بالإضافة إلى الإرهاب، التي تسعى إلى ترويع الأكراد في تلك البلدة، التي تعتبر أقرب المناطق الكردية إلى العاصمة بغداد، ويعيش فيها خليط سكاني كردي وعربي وتركماني، بالإضافة إلى المسيحيين والكاكائيين والصابئة. لم توضح هذه الكتل ما قصدته بـ "الجهات المجهولة"، لكن كان واضحاً أنها تشير إلى فصائل "الحشد الشعبي" المختلفة، التي تتحكم بالحياة العامة في المدنية منذ أكثر من سنة ونصف.
على أن الجديد في بيان الكتل الكردية كان في التحذير من إمكانية حدوث نزوح جماعي للسكان الأكراد من تلك المنطقة، شبيه بما حدث في بلدة طوزخورماتو في محافظة كركوك، التي كانت ذات أغلبية كردية، لكنها شهدت نزوحاً جماعياً للأكراد في أحداث الـ16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، حينما دخلت فصائل "الحشد الشعبي" التركمانية الشيعية إلى البلدة، ومارست أشكالاً من الحرق والقتل ضد سكانها الأكراد، وما تزال تحقيقات الحكومة العراقية بشأنها جارية، ولم تتوصل إلى أي نتيجة، ولم يعد بعد القسم الأكبر من النازحين.
أحداث تفصيلية
زادت مخاوف الأكراد في منطقة خانقين في الفترة الماضية جراء زيادة عمليات القتل الفردية التي طالت النخب التعليمية ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية الكردية. فخلال الأيام العشرة الماضية، قُتل ثلاثة أكراد بإطلاق نار عليهم من قِبل مجهولين، وجرح شخص آخر جراء عبوة ناسفة، من دون أن تتوصل الأجهزة الأمنية إلى أي نتائج في التحقيقات التي تجريها، في حين تقول مصادر كردية إنها لا تثق بتحقيقات الجهات الحكومية.
على أن مقتل اثنين من أبناء قبيلة "سوره ميري" الكردية، واسعة الانتشار في منطقة خانقين، دفعت رئيسها كامل جميل بك إلى دق ناقوس الخطر، والمطالبة بعودة قوات البيشمركة إلى البلدة والمنطقة المحيطة بها، لحماية المواطنين الأكراد، الذين لا يثقون بالأجهزة الأمنية، ويتعرضون لهجمات دائمة بهدف تهجيرهم.
قبل تلك الأحداث بأيام قليلة، كانت المنصات الإعلامية القريبة من تنظيم "داعش" قد نشرت فيديوات يظهر فيها مقاتلون من التنظيم وهم يضمرون النار في المحاصيل الزراعية لفلاحين أكراد في ريف خانقين، في قرى دارا ومبارك وميخاسي. ثم تظهر الفيديوات ما يدل على أن تلك الأعمال تستهدف القرى والقواعد الاجتماعية الكردية في المنطقة. إذ يتصدر عنوان "حرق مزارع لمتردين في خانقين"، وهم يقصدون بذلك أبناء الطائفة الكاكائية من أكراد المنطقة، أو من أعضاء الأحزاب القومية الكردية فيها.
بدت أحداث الأسبوعين الماضيين في منطقة خانقين كأنها تكثيف لما كان يجري بشكل دائم في تلك المنطقة مُنذ أكثر من سنة ونصف. إذ تقول الإحصائيات إن سكان عشرات القرى الكردية في المناطق السهلية قد هجروا منذ ذلك الوقت، 25 قرية منها ما تزال خالية تماماً من سكانها.
كذلك، فإن الهجمات طالت المقرات والمؤسسات الحزبية والمدنية الكردية، لمنع الأكراد من تنظيم الصفوف داخل المنطقة، كان آخرها في 19 أبريل (نيسان) الماضي، حينما هاجم مجهولون مقر الاتحاد الوطني الكردستاني في المدينة برمانات يديوية. وهو مقر لم يفتتح بعد، وما تزال أعمال الصيانة تجري بداخله.
تحولات السيطرة
كانت منطقة خانقين والمناطق المحيطة بها جزء من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق. واعتباراً من العام 2003، كان ثمة إدارة أمنية وبيروقراطية وسياسية مشتركة بين الطرفين لتلك المنطقة، سمحت للسلطات المحلية بأن تدير أشكال الحياة العامة فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن مُنذ صيف العام 2014، حينما تمدد تنظيم "داعش" في المناطق الغربية من محافظة ديالى، فرضت قوات البيشمركة الكردية، وبتوافق مع الحكومة المركزية العراقية، سيطرتها العسكرية والأمنية على تلك البلدة ومحيطها.
بقيت هذه المنطقة تحت سيطرة قوات البيشمركة حتى إجراء استفتاء استقلال إقليم كردستان في 25 سبتمبر (أيلول) 2017، الذي شاركت فيه منطقة خانقين. إلا أن قوات الجيش العراقي وفصائل "الحشد الشعبي" أعادت سيطرتها على البلدة ومحيطها في 17 أكتوبر 2017، ما خلق حساسية شديدة ضمن البلدة ومحيطها، بالذات من الأكراد والعرب السنة فيها، الذين قاموا بما يشبه الانتفاضة المحلية بعد أقل من أسبوع من ذلك التاريخ، لكنهم تعرضوا لقمع شديد من قِبل الجيش العراقي وفصائل "الحشد الشعبي".
مصاعب ثنائية
يعاني الأكراد في منطقة خانقين ومحيطها من ضغوط ثنائية تمارس عيلهم من قِبل القوى الفاعلة في تلك المنطقة.
فما بقي من عناصر "داعش"، المختبئين في المناطق الجبلية المحيطة ببلدة خانقين، يسعون إلى الثأر من أكراد تلك المنطقة. فـ "داعش" يعتبر أن الأكراد كانوا الشركاء الأكثر قرباً لقوى التحالف الدولي، وأن المجهود الكردي كان له فاعلية استثنائية في القضاء على مشروعه.
وعلى المنوال نفسه، فإن فصائل "الحشد الشعبي" تعتبر أن الأكراد هم القوة السياسية والاجتماعية الوحيدة المنظمة في تلك المنطقة، وهم بالتالي الطرف الأكثر حيوية الذي يحول دون تنفيذها مشروعها في محافظة ديالى، الرامي إلى تحقيق تغيير ديمغرافي طائفي فيها، يشكو منه السكان العرب السنة أولاً. فديالى هي المحافظة العراقية الوحيدة على الحدود الإيراني التي تضم غالبية سكانية سنية، وهو واقع تسعى "الحشد الشعبي" إلى تغييره.