بدا الموقع الذي يبعد بضعة أمتار عن مقاتلي "طالبان" المدججين بالبنادق عند سفح ممر خيبر، وكأنه آخر مكان يمكن أن يجري فيه الحديث عن ويمبلي (منطقة في شمال غربي لندن).
لكن عمران، 37 سنة، وهو سائق سيارة تاكسي بريطاني، كان قد هرب للتو إلى باكستان مع عائلته في إطار ذلك الاندفاع العاجل بحثاً عن النجاة، ولا يزال متحمساً بشأن تمكنه في نهاية المطاف من العودة إلى ويمبلي.
كان الرجل اللندني واحداً من مئات المواطنين البريطانيين الذين اعترفت الحكومة بتركهم في أفغانستان ولم يشملهم الخروج المهين من هذه البلاد التي مزقتها الحرب. وقال عمران الذي كان يزور زوجته وأطفاله الثلاثة في كابول خلال الصيف، إنه كان قد حجز رحلة العودة إلى الوطن على الطائرة ليوم 18 أغسطس (آب). لكن "طالبان" سيطرت في ما بعد على العاصمة قبل ثلاثة أيام من ذلك التاريخ.
وبعد تنفيذه نصيحة السلطات البريطانية بوجوب "الاحتماء داخل المكان الذي أنت فيه"، وسط تهديدات بوجود قنابل، ومن ثم وقوع هجوم شنته منظمة "داعش – ك" (داعش - خراسان) وأسفر عن مقتل 169 شخصاً، قال عمران إنه حاول من دون جدوى أن يغادر البلاد عن طريق مطار كابول.
لكنه كاد يفقد الأمل تماماً في الخروج من البلاد عندما وصلت أنباء عن رحيل آخر الجنود والدبلوماسيين البريطانيين عن التراب الأفغاني في 28 أغسطس.
وقال "لقد تركوني خلفهم"، وبدا كمن يشعر بدوار فيما حدّق في جبال سبين غار في باكستان الممتدة بعيداً في الأفق.
وأضاف "تلقينا رسائل بالبريد الإلكتروني تطلب منا الحضور إلى مطار كابول، ففعلنا لكن لم يكن هناك أحد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "كانت هناك لحظات شعرت خلالها بالخوف حقاً. وحصل إطلاق نار في كابول أرعب الأطفال".
وأشار عمران إلى أنه ظل بعيداً من الأضواء في العاصمة في أعقاب استكمال الولايات المتحدة انسحابها بعد بضعة أيام، لا سيما بسبب ورود تقارير عن أن "طالبان" كانت تستهدف الأجانب.
وأوضح أنه استطاع في نهاية الأمر تأمين تأشيرة دخول ترانزيت من السفارة الباكستانية في كابول للمغادرة عن طريق البر، وذلك بمساعدة المفوضية البريطانية العليا في إسلام آباد.
واضطر عمران، الذي عاش في بريطانيا منذ عشرين عاماً، إلى الاحتفاظ بجواز سفره البريطاني مخبئاً بعيداً من الأعين فيما قام هو وعائلته بالرحلة المحفوفة بالمخاطر من كابول عبر جلال آباد إلى معبر طورخام على الحدود مع باكستان، وهو يناور بحذر للمرور عبر نقاط التفتيش الرسمية وغير الرسمية التابعة لـ"طالبان". وكانت تقارير عدة أفادت خلال الأسبوع الماضي بوجود رجال على الطريق يستهدفون الأجانب بوجه خاص ويحتجزونهم بقوة السلاح.
وقال وهو يحمل شهادات ميلاد أطفاله الذين لا يحملون الجنسية البريطانية، إنه هو وعائلته متحمسون للذهاب إلى ويمبلي لبدء حياتهم الجديدة.
وأضاف أن "]الانسحاب[ كان فوضى مروعة. لكنني أشعر الآن أنني محظوظ للغاية. أشعر بالارتياح".
وقد تعرض بوريس جونسون ودومينيك راب لانتقادات شديدة بسبب الخروج الفوضوي من أفغانستان على نحو فوضوي الأمر الذي خلّف هناك مئات المواطنين البريطانيين، فضلاً عن آلاف الأفغان المؤهلين للحصول على فيزا و إعادة توطين.
حتى أن نواب حزب المحافظين لم يخفوا غيظهم حين وصفوا بصراحة ما جرى بأنه كان "خيانة" و"تخلياً" عن الناس.
وقال فيه رئيس الوزراء في ذلك الوقت إنه شعر بـ "إحساس كبير بالندم" على أولئك الذين لم يتمكنوا من المغادرة في رحلات الإجلاء، وأقسم أن يفعل المستحيل لكي يساعدهم على الخروج من أفغانستان.
في غضون ذلك، حصل اختراق صغير يوم الخميس عندما كان هناك 13 مواطناً بريطانياً ضمن ما يزيد على 100 شخص، بينهم مواطنون أميركيون وكنديون وألمان، توجهوا من كابول إلى الدوحة على متن أول رحلة دولية تغادر مطار كابول بعد انسحاب القوات الغربية.
وقد أعرب وزير الخارجية عن شكره لقطر، مضيفاً "أننا نتوقع أن تفي طالبان بالتزامها السماح بمرور آمن لمن يرغبون بالمغادرة".
غير أن توبياس إلوود، وهو أحد كبار نواب حزب المحافظين ورئيس لجنة الدفاع التابعة لمجلس العموم، الذي دعا إلى فتح تحقيق بشأن العدد " الهائل" من الأخطاء التي ارتكبت أثناء الانسحاب، قال لـ "اندبندنت" إن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا.
و "رحب" إيلوود بـ "الأنباء الحسنة" عن الرحلة التي أقلعت إلى قطر يوم الخميس والتي كانت تعني أن هناك آلية لخروج المواطنين البريطانيين. بيد أنه عبّر عن قلقه على المواطنين الأفغان الذين تلاحقهم طالبان لأنهم كانوا يعملون لدى المملكة المتحدة، لا سيما أن في حوزة المقاتلين "قواعد بيانات" تضم معلومات كافية عنهم.
يُشار إلى أن "اندبندنت" على اتصال مع امرأة أفغانية في الأقل، كانت قد اشتغلت مع السفارة البريطانية في كابول وأوضحت أنها باتت تخشى على حياتها ولذا عمدت إلى الاختباء في كابول.
وذكر إيلوود لـ "اندبندنت" أن " التحدي يتمثل في الأفغان المعرضين للخطر، هؤلاء الأشخاص الذين ساعدوا البريطانيين". وحثّ الحكومة على استعمال نفوذها مع تركيا حليفتها في الناتو، وقطر، من أجل السماح بتمثيل المملكة المتحدة عبر سفارتيهما اللتين لا تزالان تعملان في كابول.
وأوضح النائب البارز أن ذلك قد يؤدي إلى معالجة موضوع تأشيرات الدخول.
وتابع "من دون وجود اعتراف رسمي ]بحكومة طالبان[ في سياق دبلوماسي وسياسي، نحتاج إلى نوع من التمثيل في كابول. وأود أن أشجع الحكومة على الاستفادة من علاقاتنا مع كل من قطر وتركيا لتحقيق ذلك".
أما ليزا ناندي، وهي وزيرة الخارجية والكومونولث في حكومة الظل، فقالت لـ "اندبندنت" إن حكومة المملكة المتحدة يتعين عليها أن "تقيم الدنيا ولا تقعدها" حالياً من أجل ضمان عودة المواطنين البريطانيين بسلام من أفغانستان.
واعتبرت أنه "من غير المعقول أنه كان لدى الوزراء 18 شهراً للتخطيط لانسحابنا، إلا أن إخفاقهم في اتخاذ الاستعدادات لذلك قد أدى إلى ترك العديد ممن نحن مدينون لهم، بمن فيهم الأفغان المعرضون للخطر الذين خدموا إلى جانبنا على مدى عقدين من الزمان، وهم مهددون بانتقام طالبان".
وتابعت ناندي "يجب أن يسيطر رئيس الوزراء ووزير الخارجية على الوضع الآن. ينبغي أن تكون الأولوية للعمل مع الشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي لضمان بقاء الحدود البرية مفتوحة أمام أولئك المعرضين لخطر الاستهداف من قبل طالبان، والسماح بمرور آمن من أفغانستان والوفاء بالتزاماتنا حيال أولئك الذين تركناهم خلفنا".
في هذه الأثناء، أفادت وزارة الخارجية والكومنولث صحيفة "اندبندنت" أن المملكة المتحدة قد أجلت من كابول منذ أواسط أغسطس الماضي ما يزيد على 15 ألف شخص، بينهم 8300 مواطن بريطاني وذلك في "أكبر جسر جوي من دولة واحدة في جيل كامل".
وتابعت الوزارة "أن المملكة المتحدة وحلفاءها ملتزمون جميعاً ضمان استمرار مواطنينا، من حملة الجنسية أو المقيمين، والموظفين والأفغان الذين عملوا معنا وأولئك الذين يواجهون خطراً، في السفر بحرية إلى خارج أفغانستان". وزادت "لقد أوضحنا أن طالبان يجب أن تسمح بمرور آمن لهؤلاء الذين يرغبون بالمغادرة. وكان رئيس الوزراء قد أبلغ البرلمان هذا الأسبوع بأن السلطات كانت على علم بأن 311 شخصاً قد ظلوا في أفغانستان وهم مؤهلون للحصول على تأشيرة خروج خاصة باللجوء عن طريق برنامج "سياسة المساعدة وإعادة توطين الأفغان". وذكر جونسون أن 192 واحداً منهم قد تم استدعاؤهم للإجلاء، إلا أنهم لم يصلوا في الوقت المناسب قبل مغادرة الرحلة الأخيرة لسلاح الجوي الملكي.
لكن على الرغم من هذه التأكيدات، فإن أولئك الذين لا يزالون عالقين في أفغانستان أبلغوا "اندبندنت" أن طلبات تقدموا بها لالتماس المساعدة قد تم تجاهلها. وقالت صحافية ومترجمة كانت قد عملت كمستشارة للسفارة البريطانية ولمطبوعات غربية بارزة، الأمر الذي يعرضها للخطر، إن مناشداتها للحصول على مساعدة قد قوبلت بجدار من الصمت.
وأضافت "لقد تم تجاهلي"، طالبة عدم الإفصاح عن اسمها بسبب خوفها على حياتها.
وزادت الصحافية الأفغانية "لم أعد أعرف حتى بماذا أفكر. أنا يائسة".
وبالعودة الى موقع طورخام على الحدود، كانت الحشود في الجانب الأفغاني تضغط على السياج الحدودي في محاولة يائسة للعبور، فيما وقف مقاتلو "طالبان" بزي عسكري يحرسون المكان. ولا تسمح السلطات الباكستانية بالدخول لأي شخص لا يحمل جواز سفر باكستانياً، أو ليست لديه تأشيرة دخول صالحة أو تصريح طبي، وذلك لخشيتها من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين. وهي تستضيف سلفاً ما يقدر بثلاثة ملايين لاجئ أفغاني ممن جاؤوها أثناء صراعات سابقة.
وفي معرض وصفه لمشاهد الفوضى على الجانب الآخر من الحدود، أشار عمران فيما كان يساعد أفراد عائلته على الصعود إلى سيارة تاكسي إلى أن "هناك العديد من الأشخاص الذين ينتظرون العبور".
وبدت إلى جانبه ابنته المنهكة والتي تعاني من الصدمة بسبب محنتها، وهي تبتسم فيما أخذوا يتحدثون عن حياتهم الجديدة.
ولفت عمران إلى أن "الأطفال" يتطلعون (إلى الوصول) إلى ويمبلي. نحن مرتاحون جداً لخروجنا".
© The Independent