في وقت تسعى حركة "طالبان" لتحويل النصر العسكري الخاطف الذي حققته إلى حكم دائم يستتب فيه السلام، تواجه مشكلات مضنية.
وأبرز تلك المشكلات، في الاقتصاد الذي طاوله الخراب، على الرغم من إنفاق مئات المليارات من الدولارات على التنمية على مدار العشرين عاماً الماضية.
فالجفاف والمجاعة باتا قوة طاردة للآلاف من الريف إلى المدن. ويخشى برنامج الأغذية العالمي أن تنفد إمدادات الطعام بحلول نهاية سبتمبر (أيلول)، بما يضع عدداً يصل إلى 14 مليوناً على شفا التضور جوعاً.
وعلى الرغم من أن قدراً كبيراً من الاهتمام في الغرب تركز على إذا ما كانت حكومة "طالبان" الجديدة ستفي بوعودها بحماية حقوق النساء أو إذا ما كانت ستوفر ملاذاً لجماعات إرهابية مثل تنظيم "القاعدة"، فإن الأولوية القصوى لكثيرين من الأفغان تتمثل في مجرد البقاء على قيد الحياة.
ويقول عبد الله، أحد سكان كابول، "كل الأفغان، بل والأطفال، جوعى. فليس لديهم جوال واحد من الدقيق (الطحين) أو زيت الطعام".
شح السيولة
ولا تزال تتشكل طوابير طويلة أمام البنوك التي تقصر مبالغ السحب الأسبوعي من الحسابات على 200 دولار أو 20 ألف أفغاني لحماية احتياطيات البلاد المتضائلة.
وظهرت في مختلف أنحاء كابول أسواق عشوائية يبيع فيها الناس منقولاتهم من أجل الحصول على المال، على الرغم من أن المشترين يعانون من شح السيولة.
وحتى في ظل المساعدات الخارجية بمليارات الدولارات، كان الاقتصاد الأفغاني يواجه مصاعب، وكان النمو لا يجاري الزيادة السكانية. وأصبحت الوظائف نادرة ولم يحصل عدد كبير من موظفي الحكومة على مرتباتهم منذ يوليو (تموز) الماضي على الأقل.
وعلى الرغم من أن معظم الناس يرحبون بتوقف القتال، فقد حد جمود عجلة الاقتصاد من أي شعور بالارتياح.
يقول قصاب (جزار) من قرية بيبي ماهرو قرب كابول، رفض ذكر اسمه، "الأمن ممتاز في الوقت الحالي، لكننا لا نحصل على أي أموال. وكل يوم تسوء الأمور عندنا وتزداد المرارة. الوضع سيء فعلاً".
طائرات المساعدات
في أعقاب عملية سادتها الفوضى لإجلاء الأجانب عن كابول، في أغسطس (آب) الماضي، بدأت أولى طائرات المساعدات تصل مع إعادة فتح المطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهد مانحون دوليون بتقديم أكثر من مليار دولار لمنع ما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنه قد يصبح "انهيار بلد بكامله".
غير أن رد الفعل العالمي على الحكومة التي شكلتها "طالبان" الأسبوع الماضي من قدامى المحاربين فيها والمتشددين كان فاتراً ولم تظهر أي بادرة على الاعتراف العالمي بها أو أي تحرك للإفراج عن الاحتياطيات الخارجية التي تتجاوز تسعة مليارات دولار والمودعة خارج أفغانستان.
وعلى الرغم من أن مسؤولي "طالبان" قالوا إنهم لا ينوون تكرار مظاهر الحكم المتطرف التي ميزت حكمهم السابق والذي أطاحت به حملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فقد واجهوا صعوبات في إقناع العالم بأنهم تغيروا حقّاً.
وضعفت الثقة فيهم بسبب تقارير واسعة عن قتل مدنيين وتعرض صحافيين وآخرين للضرب، وظهور شكوك في ما إذا كانت حقوق النساء ستكون موضع احترام في ظل حكم "طالبان".
ارتياب شديد
إضافة إلى ذلك، قوبل تعيين شخصيات رفيعة في الحكومة بارتياب شديد، مثل وزير الداخلية الجديد سراج الدين حقاني الذي تعتبره الولايات المتحدة إرهابياً عالمياً ورصدت مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يأتي به.
ومما يزيد الطين بلة أن حركة "طالبان" اضطرت إلى التصدي لتكهنات بوجود خلافات داخلية عميقة في صفوفها، ونفت إشاعات بأن عبد الغني برادر نائب رئيس الوزراء سقط قتيلاً في تبادل لإطلاق النار مع أنصار حقاني.
ويقول مسؤولون إن الحكومة تعمل على إعادة الخدمات وإن الشوارع أصبحت آمنة، غير أن حل الأزمة الاقتصادية يبدو المشكلة الأكبر التي تواجهها "طالبان".
ويقول صاحب متجر "السرقات توقفت، لكن الخبز اختفى أيضاً".