ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في تداولات لندن للعقود ليوم الأربعاء 15 سبتمبر (أيلول) الحالي، بنسبة 7 في المئة منتصف هذا الأسبوع. ووصل سعر الغاز الطبيعي إلى 2.28 دولار (1.65 جنيه إسترليني) للوحدة الحرارية البريطانية. وهذا السعر هو ثلاثة أضعاف سعر الغاز الطبيعي مطلع العام، ويزيد بنسبة 70 في المئة على السعر في بداية أغسطس (آب) الماضي.
مع التوقعات بشتاء بارد هذا العام، ونقص إمدادات الغاز الطبيعي، يُتوقع أن تواجه بريطانيا وأوروبا أزمة طاقة خانقة في الأشهر المقبلة. ويزيد من احتمال حدة الأزمة، تراجع قدرة بريطانيا وأوروبا على التحول في إنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز إلى الفحم ومشتقات البترول. كما أن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة تراجع بشدة في الأشهر الأخيرة نتيجة توقف توربينات توليد الطاقة من الرياح نتيجة حرارة الجو وهدوء أو توقف طواحين الهواء في بريطانيا وأوروبا.
ويُتوقع أن يتحمل قطاع الصناعة والمستهلكون العاديون للطاقة في البيوت كلفة ارتفاع الأسعار. ويتزايد تقدير الاقتصاديين والمحللين في المؤسسات الاستشارية للضرر الذي يمكن أن يسببه ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ونقص امداداته، للتعافي الاقتصادي العالمي.
أسباب الارتفاع
وبحسب تقارير وحدة تحليلات الطاقة في "ستاندرد أند بورز بلاتس"، يعود ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بهذا الشكل إلى أسباب عدة، أولها وأهمها زيادة الطلب على الطاقة مع التعافي الاقتصادي من أزمة وباء فيروس كورونا في النصف الأول من العام. كما أن موجة البرد في الشتاء الطويل نهاية العام الماضي وبداية هذا العام أدت إلى سحب كبير من مخزون الغاز الطبيعي لدى دول أوروبا وبريطانيا. ومع ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات، لم يجر ملء المخزونات كما يحدث عادةً خلال فصل الصيف.
وأعادت صحيفة "فايننشال تايمز" نقص إمدادات الغاز الطبيعي إلى حدّ الشركات الروسية مثل "غازبروم" وغيرها، من إمداداتها لأوروبا. ويفسر المحللون في قطاع الغاز ذلك إما لأن روسيا بحاجة إلى إعادة ملء مخزوناتها المحلية للغاز الطبيعي على حساب كميات التصدير، أو استخدام موسكو للغاز الطبيعي
كوسيلة ضغط على دول أوروبا. ويشير البعض تحديداً إلى احتمال ضغط روسيا على ألمانيا من أجل تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2".
كما أن زيادة الطلب من آسيا على الغاز الطبيعي المسال حوّل الكثير من الشحنات باتجاه الشرق بدلاً من الغرب. وعلى الرغم من أن إمدادات الغاز من النرويج إلى أوروبا تُعد دائماً مصدراً يمكن الاعتماد عليه، فإن المعروض النرويجي لا يكفي لسد النقص بخاصة مع زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية سواء للأغراض الصناعية أو للاستهلاك المنزلي.
وإجمالاً، تنقل صحيفة "فايننشال تايمز" عن جيمس هاكستب من "أس أند بي بلاتس أناليتكس" قوله "لقد زاد انكشاف سوق الطاقة بشكل كبير على أسعار الغاز الطبيعي".
اللجوء للبدائل
في حالة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ونقص إمداداته، كما هو الوضع الآن، تلجأ الشبكات إلى التحول المؤقت لمحطات توليد الطاقة من مصادر أخرى. لكن أوروبا وبريطانيا بدأت في السنوات الأخيرة إخراج محطات توليد الطاقة بواسطة الفحم من الخدمة لأنها أكثر تلويثاً للهواء مع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة جراء حرق الفحم. ومع اتجاه العالم إلى الالتزام بأهداف الحد من التغيرات المناخية، ترتفع أسعار تبادل الكربون التي تدفعها الدول الملوِّثة وبالتالي يصبح اللجوء إلى محطات الفحم أكثر كلفة. لكن بريطانيا وأوروبا اضطرت، أخيراً، إلى تحويل شبكات الكهرباء فيها إلى محطات إنتاج الطاقة بالفحم المتبقية في الخدمة لتعويض بعض النقص في الكهرباء. ومطلع هذا الشهر، أعادت بريطانيا تشغيل وحدتين لإنتاج الطاقة بالفحم لتزود شبكة الكهرباء البريطانية بنحو 1.5 غيغاوات تمثل 5 في المئة من استهلاك بريطانيا من الكهرباء. وتعادل هذه الكمية إنتاج 546 من توربينات توليد الطاقة من الرياح. وتوقفت معظم توربينات الرياح مع موجة الضغط المرتفع التي غطت أوروبا ووصلت الآن إلى بريطانيا مسببة ارتفاع درجات الحرارة وهدوء الرياح ما أوقف التوربينات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك فعلت ألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى. لكن بريطانيا تجد نفسها في وضع أكثر صعوبة بعد خروجها من أوروبا "بريكست". وعلى الرغم من أن أوروبا تنتج الغاز الطبيعي، فإنه ليس كافياً وغالباً ما تنافس الآخرين في سوق الغاز الطبيعي المُسال. كما تعتمد أيضاً على خطوط إمداد الغاز من النرويج، وحتى بعض الإمدادات المقبلة من روسيا.
ويقول نيال ترمبل، من شركة الاستشارات "إنرجي كونتراكت كومباني"، إن "مشكلة بريطانيا مع نقص إمدادات الغاز أكبر". ويضيف "نحن فعلياً في آخر الخط، ليس جغرافياً فحسب، بل سياسياً أيضاً. وليس مستبعداً أن تكون لدينا مشكلة كبيرة إذا واجهنا شتاء بارداً آخر".
العبء على المستهلك
ويتحمل القطاع الصناعي تأثير ارتفاع أسعار الغاز بشكل سريع ومباشر. لكن أغلب الصناعات تكون محتاطة لهذا الأمر بما لا يرفع كلفة الإنتاج بشدة ويؤثر على أسعار المنتجين. لذا، لا يظهر ارتفاع أسعار الغاز سريعاً بالنسبة للمستهلك النهائي على عكس تأثير ارتفاع أسعار النفط مثلاً، على سعر ليتر البنزين للسائقين والذي يكون سريعاً.
إلا أن تأثير الأزمة الحالية يتحمله الجميع، وسيكون مستهلك الطاقة في البيت في المحطة الأخيرة من التضرر منه. صحيح أن أغلب مستهلكي الطاقة المنزلية في بريطانيا هم على نظام "التعرفة الثابتة" مع شركات الخدمات، على عكس أغلب دول أوروبا، لكن ذلك لن يمنع أن يجد الجمهور أن فواتير الطاقة ترتفع باضطراد.
وكانت الهيئة المنظمة لسوق الطاقة في بريطانيا (أوفجيم) قررت الشهر الماضي، رفع سقف أسعار الغاز والكهرباء للمنازل بنسبة 12 في المئة استجابةً لشركات الخدمات لتعويض تلك الشركات عن ارتفاع سعر الجملة للطاقة التي توردها للمنازل. ذلك على الرغم من أن سعر الجملة لا يمثل سوى 40 في المئة فقط من فاتورة استهلاك الطاقة للمنازل. ويبدأ تطبيق الزيادة في أسعار الغاز والكهرباء من الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. لكن إذا استمرت أسعار الغاز بالارتفاع واستمر الاختناق في الإمدادات، ربما تضطر "أوفجيم" إلى رفع سقف الأسعار مجدداً وبنسبة أكبر.
أما في الدول الأوروبية، ولأن المستهلكين غالباً ما يدفعون ثمن استهلاك الطاقة بتعرفة متغيرة، فالمشكلة أكبر. على سبيل المثال قامت الحكومة الإسبانية بخصم أكثر من 3.5 مليار دولار (3 مليارات يورو) من أرباح شركات توصيل الطاقة للمنازل. وقالت إنها ستستخدم ذلك المبلغ لخفض فواتير الطاقة المنزلية للجمهور. كما أعلنت إسبانيا أيضاً تخصيص ما يزيد على 1.6 مليار دولار (1.4 مليار يورو) لدعم خفض الضريبة على استهلاك الطاقة.