في ظل المساعي الدولية لإحداث اختراق في التوصل لتهدئة طويلة الأمد بين غزة و إسرائيل، وسعي الوسطاء إلى كسر الحصار المستمر لأكثر من 15 عاماً على القطاع، تلبية لمطلب الفصائل التي ترى أن هذه الخطوة شأنها إطالة أمد الاستقرار الأمني، تعلق تل أبيب الأمل على وقف الهجمات الصاروخية صوبها من خلال إدخال تحسينات اقتصادية لسكان غزة.
لكن التحسينات الاقتصادية المؤقتة لا تخدم أهداف الحكومة الإسرائيلية التي تطمح لوقف تنامي القدرات العسكرية لحركة حماس، وتحقيق هدوء شأنه وقف الهجمات الصاروخية على أراضيها لأطول فترة ممكنة، بخاصة بعد فشل الاتفاقات السابقة التي تمت بعد العمليات العسكرية الأربع على غزة على تحقيق ذلك.
في الواقع، السياسة الحالية التي تنتهجها إسرائيل لم تغير الوضع بشكل جذري، إذ مع كل توتر أو تضييق اقتصادي على القطاع تتعرض المدن القريبة من غزة لهجمات صاروخية، وبحثاً عن إيقاف ذلك، يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب يائير لابيد والذي يشغل منصب وزير الخارجية، على استراتيجية جديدة عنوانها "الاقتصاد مقابل الأمن" يعتقد أنها ستحقق هدوءاً طويلاً للمنطقتين.
ما بنود الاستراتيجية؟
تهدف خطة "الاقتصاد مقابل الأمن" بشكل أساس إلى عدم تطوير وتنامي سلاح الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، لضمان استقرار الوضع الأمني في إسرائيل وتحقيق هدوء طويل الأمد، ويقابله كثير من التسهيلات الاقتصادية التي ستقوم تل أبيب بتوفيرها.
يجري تطبيق استراتيجية لابيد الجديدة على مرحلتين، الأولى تضمن إصلاح نظام الكهرباء وتوصيل الغاز وبناء خطة لتحلية المياه وإدخال تحسينات كبيرة على الصحة، وإعادة بناء البنية التحتية للمباني والنقل، مع بقاء ذلك تحت سيطرة إسرائيل، إضافة إلى فتح المعابر المرتبطة مع إسرائيل ومصر، ودارس إمكان فتح منافذ تجارية جديدة مع غزة.
أما المرحلة الثانية فتشترط قبول "حماس" مبادئ الرباعية الدولية، لتنفيذ مشروع جزيرة اصطناعية قبالة ساحل غزة، وبناء خط مواصلات يربطها بالضفة الغربية، وكذلك تشييد مناطق صناعية وتوظيفية للسكان، فضلاً عن تعزيز الاستثمار الدولي والمشاريع الاقتصادية الكبرى التي ستكون مشتركة مع إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية.
في المرحلتين، من المقرر أن تشرف السلطة الفلسطينية كهيئة مركزية والمجتمع الدولي على طبيعة عمل المعابر، لمنع حماس من تسليح نفسها ومنع التهريب، ويجري ذلك وفق آلية رقابة اقتصادية لمنع وصول الموارد إلى الفصائل.
هل الاستراتيجية جديدة؟
يعتقد لابيد أن هذه الاستراتيجية في التعامل مع غزة تضمن عدم تنامي قدرة حماس العسكرية بعد موافقتها على ذلك، والتزامها بعدم تهريب أي سلاح، وهذا سينعكس على تحسين الوضع الاقتصادي الذي سيؤدي إلى هدوء طويل الأمد وإيقاف الهجمات الصاروخية على مدن إسرائيل أو التوتر على الحدود، ويكون ذلك برقابة المجتمع الدولي، في حين أن أي خرق للاستقرار الأمني سيوقف العملية.
في المقابل، يقول الباحث في الشؤون السياسية طلال عوكل إن خطة الاقتصاد مقابل الأمن ليست جديدة، وتشبه بنودها جميع اتفاقات وقف إطلاق النار التي تمت بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية عقب العمليات العسكرية الأربع، وكذلك لا تختلف عن تفاهمات الهدوء التي جرت عام 2018، لكن هناك شيئاً واحداً جديداً يتمثل في إرادة المجتمع الدولي تطبيق ذلك.
من جهة ثانية، نصت اتفاقات وقف إطلاق النار التي جرت عقب العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 و2012 و2014 و2021، على كسر تحسين الكهرباء والصيد وعمل المعابر وإعادة إعمار القطاع وتأهيل البنية التحتية، وتنفيذ مشاريع اقتصادية وتشغيلية وحتى إنشاء ميناء عائم.
وبحسب عوكل فإن حتى فكرة إشراف السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي على معابر قطاع غزة تكررت في جميع اتفاقات تثبيت الهدوء، لافتاً إلى أن إنشاء منطقة صناعية وتشغيلية في غزة وصل في أحد المراحل عام 2019 إلى مرحلة البدء الفعلي في التنفيذ.
ما الغموض فيها؟
في الاستراتيجية التي طرحها رئيس الوزراء المناوب، قال لابيد إن إعادة الإعمار وتقديم الحاجات الإنسانية لسكان غزة، مقابل إضعاف قوة "حماس" يجب أن يكون عبر قوات دولية، مضيفاً "كذلك يجب أن تتولى السلطة الفلسطينية زمام الأمور على الصعيد المدني والاقتصادي".
يعلق على ذلك عوكل بالقول "ثمة غموض في خطة لابيد، إنه يتحدث عن قوة دولية تشرف على أرض غزة، ولم يقدم توضيحات بشأن ما يقصده ويعنيه، كذلك لم يفسر كيفية تولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور في القطاع، إذا كان ذلك عبر الانتخابات أو من خلال حكومة وحدة وطنية، أو من بوابة المصالحة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن تفسير هذه البنود يوضح سياسة إسرائيل في التعامل مع القضية الفلسطينية، إذا كانت ترغب في التوصل إلى حل سياسي، أو مجرد فكرة ترمي بعدها إلى فصل غزة بالكامل والتعامل معها ككيان مستقل.
هل الاستراتيجية رسمية؟
على أي حال ثمة مؤشرات تقوم بها إسرائيل مقاربة لهذه الاستراتيجية، حيث شهد قطاع غزة إشارات إيجابية لقرب انطلاق عملية إعادة الإعمار، بعدما سمحت إسرائيل بإدخال الحديد والأسمنت والمعدات الأخرى، وفقاً لحديث بسام غبن مدير معبر كرم أبو سالم.
لكن ذلك لا يعني أن تل أبيب تبنت الاستراتيجية الجديدة، إذ قال لابيد "إذا حصلت على دعم واسع سأقترحها على الحكومة كموقف رسمي وسنبدأ العمل بها"، موضحاً أنه أجرى سلسلة من المحادثات مع زعماء في العالم بخصوص هذا الاقتراح.
ما هو رأي "حماس" والسلطة الفلسطينية؟
من جهة حركة حماس، يقول عضو المكتب السياسي فيها محمود الزهار إن ما يطرحه قادة إسرائيل بالنسبة إلى غزة وسائل فاشلة ومرفوضة، ولا يمكن مقايضة الأمن مقابل الغذاء والدواء، كما لن نتخلى عن سلاحنا. وأضاف، "هناك انفراجة لقطاع غزة إذا لم يتم التراجع عنها".
أما السلطة الفلسطينية فيقول رئيس وزرائها محمد اشتية إن مشكلة غزة سياسية كما الضفة الغربية والقدس، والمطلوب مسار سياسي يستند إلى الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال ورفع الحصار.
في سياق متصل، يقول الباحث السياسي أسامة محمد إن هذه الخطة ممكنة ويمكن تطبيقها نظراً لرغبة حماس في إنهاء حصار غزة وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، فيما يرى الباحث الاقتصادي سمير أبو مدللة أن الحلول الأمنية والاقتصادية لا تنهي الاحتلال ولا تعزز الاستقرار.